السّرد الاحترافي في رواية ” فوق الأرض ” للروائي السوري محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة

 

السّرد الاحترافي في رواية ” فوق الأرض ” للروائي السوري محمد فتحي المقداد…وتناوب الشخصيات في كتابة فصولها …

بقلم. فضيلة معيرش /الجزائر

بأسلوب سلس شيق متمرس محترف وسرد موضوعي أسَّس الرّوائي محمد فتحي المقداد لروايته – فوق الأرض –
فمن الوهلة الأوّلى يشدك للحدث الرّئيس الذي يطرحه في متنه،والمتمثل في القلق الإنساني بصفة عامة، إزاء ما يحدث وحدث في العالم من كوارث طبيعة وحروب وصراعات؛ فهو مدرك لكلّ الحيثيات بما فيها الشخصيات التي غاص في أفكارها، وأحاط بصفاتها وملامحها،وبرع في جعل أيّ منهم مقنعا .
يقول: “التهم تلاحقني،تمنيت أن لا يلاحقني أحد في حياتي …القلق استوطن بواطني ..” ص5
يبرع الكاتب منذ البداية في شدّ القارئ،حيث يجعل من القلق كائن حي يلاحق ويستوطن كيانه،كما يثير الانتباه منذ زمن الحكي الأوّل،نجد قدرة الروائي على ربط أسباب قلقله والتوطيد لعزلته بغيره؛فهو لا يقارن مِحَنَهُ بمِحَن رفاقه حتمًا ستختلف الظروف وتتعدَّد الأسباب.
فهل الأسباب التي جعلت من نابليون يشنُّ حربه على بلاد الشام ومصر ستتشابه مع الأسباب المؤدية لبقية الحروب؟ وهل ستجد من يتصدَّى لها و يهزمها؟.
كذلك أسباب قلق الروائي لن تكون بأي حال نفسها أسباب قلق الآخرين ممن سيشاركون في التأثيث لمتن – فوق الأرض-
يقرر الروائي الدخول في حالة التفكير والعزلة ـ يقطع حبال التواصل كخطوة أولى بينه وبين بقية العالم،كأن لا يرد عن هاتفه .رغم الصراع الذي يكتنفه ،يتصل صديقه إبراهيم يتردد في الرّد لِم لهذا الأخير من مكانة مهمة في حياته.
المراهنة تبدأ بالقلق ليعرج الروائي الذي يستخدم ضمير المتكلم في عملية السَّرد،يتوقَّف في محطة ما في قاطرة أولى للحزن،وهو لوعة والدته بفقد أخيه الوحيد محمد،اغتيل بطريقة لم يُفصح عنها الروائي اكتفي بالإسهاب في وصف حال أمّه،تصوير قلبها المكلوم على غرار بقية الأمهات في مثل تشابه الحدث.
ما يحفر عميقا أثناء القراءة سعة اتساع أُفُق الروائي، واِطِّلاعه المستفيض،وربط واقعه بما يطالعه على غرار رواية “مئة عام من العزلة” للكولومبي “غابرييل غارتيا ماركيث”. ورواية “المصابيح الزرق” لــ”حنامينه” .
حدد الروائي” محمد فتحي المقداد”الزمن الذي دارت في إطاره رواية – فوق الأرض- من عام 2011 أي بداية الحرب السورية إلى عام 2018 م مكانها محافظة درعا سوريا .
الحدث أو المشهد الأول البارز ما تشهده سوريا من دمار،الفتى نادر يستشهد، وقد كان ناجحًا وطموحًا والأول على دفعته، بينما أخوه الأكبر نصَّار بعد ذلك ينشقُّ عن وظيفته الحكوميّةَ، ويقرر أن يصبح حفارا للقبور بعد موت أخيه نادر وسط دهشة من يعرفه ومن لا يعرفه ،لم يسبق وأنا امتهن أحد هذا الفعل التطوعي،وتقاسم مع ابنة عمّته”حمدة”الحزن والفقد ،فهذه الأخيرة قد استشهد أخيها الأصغر منذ فترة أيضا في لبنان،وتستمر الاعتقالات .
ويعتقل الابن سمير صاحب ثلاثة عشر عاما في منتصف الليل،أمام دهشة والديه، وعجزهما عن ردّ البوليس السري للحكم السوري ،بينما المهندس معن وسعيد يتعاهدان أن يكونا معا دوما.
يؤثث الروائي”محمد فتحي المقداد”روايته – فوق الأرق– بمجموعة من الحقائق يستحضرها على لسان الرواة كوقائع ،فينتهج السرد الموضوعي الذي يتجلى من خلال اطلاعه على كلّ الأحداث وإلمامها الشامل بالأفكار الأساسية وما يجول في أذهان الشخصيات. حدثت وفق بنية زمنية محددة بتاريخ 2012 م أي منذ الدّرجة الصفر – الحكي الأوّل – حاضر السرد الزمني، ويتحدَّد من خلال ما يسميه “جيرار جينيت” بالحكي الأوّل إلى عام 2018 م .
“ولأن الرواية حدثت في الماضي يكون السؤال: ماذا يفعل الخطاب القصصي في هذا الصدد؟.هل يحكي القصَّة كشيء تم في الماضي أم أنه يسعى لترهينها؟.
إن التحديد الحاضر حسب المستوى الداخلي يتيح لنا تحليل زمن الرواية،والوقوف على تمفصلاتها الزمنية الكبرى والصغرى والكيفية التي تم بها تخطيب زمن الحكاية ” 1
بينما العنصر الذي يلازم الزمن،ويرتبط أيضا بفعل الإنسان هو عنصر المكان كونه بعد مادي محسوس،أي أنّ الرواية حدثت ببلاد الشام –سوريا – أغلب الأحداث وقعت ،وقد نقلها الروائي “محمد فتحي المقداد” وشارك في روايتها الأبطال،فهو لم يرتكز على شخصية واحدة؛ فهناك ديناميكية مستمرة من أوّل الرواية إلى آخرها،ظهرت كل الشخصيات في بيئة واحدة هي بيئة الحرب، إلا الشاب”فائق”الذي قدم من ليبيا بعد اغتراب عشر سنوات،فكل شخصية هي إنسانية تطلب حقها في العيش السلمي في وطنها،فناشدوا الحرية لهذا كانت شخصيات رواية –فوق الأرض – مقنعة
وكأنهم اختيروا الأداء هذه المهمة، رغم أن الروائي”محمد فتحي المقداد”غيَّب البعد المادي أي ملامح وقسمات والهيئة العامة للأبطال،البطلة”هالة نجم الدين” فهي فنّانة تشكيلية ونصيرة للثورة،حتى حين مشاركتها في برنامج تلفزيوني،ولم يكن أغلب الأبطال قد تعرَّفوا على صورتها الخارجية،اكتفى الروائي بسرد نشاطها ودفاعها عن القضية التي تناضل من أجلها. ولم يشر لملامح وجهها،أشار فقط لكونها أم لبنت اسمها سارة.
من دلالة العنوان على لسان البطل نصار الذي هو خريج كلية الحقوق لم يفلح في الحصول على وظيفة في تخصصه كحال أعظم خريجي الجامعات العربية الذين هم دون وظائف. كان يكاشف صديقه فاض لسليمان في التوظيف بالواسطة فيشاطره الرأي بقوله: “حالات الشباب من أمثالنا متشابهة،لا تختلف عن بعضها إلا في تغير الوجوه فقط في قليل من التفاصيل” 3 ص 32 بعد استشهاد أخيه نادر “أحاول جاهدا الاحتفاظ بمسافة فاصلة بين يوبين المظاهرات مفضلا عدم الاقتراب منها،لتستمر بي الحياة فوق الأرض”.31
جاء في الصفحة 82 على لسان الروائي: “لاحتدام صراع الأفكار حول قضايا مختلفة تهم المجتمع،وتمس حياتهم مباشرة”،وبقية الشعوب العربية التي تشترك في الهم.يبرع في الموازنة وسرد وصناعة الأحداث،وأحكم نسج خيوط التفاصيل في منتجه الروائي.نصه الذي يصلح أن يكون وثيقة تاريخية تؤرخ لحقبة زمنية مؤلمة عاشتها سوريا،وتأثر بها كل العالم ،تهجير أغلب المواطنين أو هروبهم من وطأة الحرب والاغتيال.
كما اعتمد الروائي وله السبق في ذلك تقنية اللوحات الفارغة ،وكذا تصوير الرواية في شكل مقابلات تلفزيونية كما حدث في المقابلة التي عرضتها إحدى القنوات للبطلة هالة نجم الدين.
ومع تتبع مسار الرواية التصاعدي نجد العديد من نقاط التحول الفجائي والمشوق الذي برع الكاتب في سرده وقد أقحم أبطال روايته في الأحداث بشكل مفاجئ مباشرة كحال الأجهزة الأمنية في الدول العربية تراقب، ثم تعتقل.
“فاضل السلمان” يتعرض لاستجواب بسبب ما يكتبه من مقالات سياسية،ويدخل السجن وما أصدره المنتدى الذي ينتمي إليه من بيان معاد للنظام السوري.والعلاقة الوطيدة التي تربطه بالمهندس مَعِن،و ما يحمله من زيف وكره دفين يبدي خلافه على محياه وتصرفاته،حتى يصل إلى الحدود الأردنية كلاجئ،فقد وظيفته وبيته ومكانته .الأصدقاء نصار:- معن – نصار –وسعيد…كلاهم ساهم في كتابة أسطر الرواية بفكر هو هالة نجم الدين ناشطة سلمية سورية وفنانة تشكيلية تدير التواصل مع نصار و معن وفاضل وهي تقيم في ايطاليا ، اعتقال”فايق” ثم إطلاق سراحه، يطرح معن ما أصاب البلد من تخريب على يدي من يطلق عليهم الثوَّار الشباب. يؤيده فاضل. بينما سعيد يسير على خطورة كل من المسلحين وكذا رجال النظام.في تخريب البلاد وترعيب المواطنين.
في نهاية رواية – فوق الأرض- نصار ينضمُّ للجيش الحر ..معن يستشهد ، يصبح سعيد معاقا..فاضل يعبر البحر مع أسرته ، بينما هالة نجم الدين تُقدمُ لها دعوة لحضور ملتقى للفنانين التشكيلين في لبنان فتختفي في ظروف غامضة، ولم يتبيَّن مصيرها.

….

الجزائر. 21/6/202

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!