المعجم الشعري وحقوله الدلالية في النص الزجلي ديوان”طويت الما”لفاطمة المعيزي أنموذجا

آفاق حرة مراكش
كتب :سعيد بوعيطة
يتطلب استجلاء أهمية النصوص الإبداعية الشاعرة فاطمة المعيزي الإلمام بمختلف معجمها الشعري وحقوله الدلالية.كما يستوجب سبر أغوار فضاء القصيدة،واستكشاف معالمها ومواطن الجمال فيها،وتتبع انزياحاتها اللغوية،وعلائقها البلاغية.لكن وصف تلك الفضاءات النصية،يستدعي وعيا كاملا أثناء تتبع حقيقة العلائق بين الألفاظ و المفردات.خاصة وأن نصوص الشاعرة فاطمة المعيزي،قد اتكأت على حقول دلالية خاصة.شكلت البناء الفني لنصوصها الشعرية.لعل هذا ما جعلنا في هذه المقاربة الفنية نسلط الضوء على تلك الحقول الدلالية المهيمنة في نصوصها الشعرية(الوطن ،الحب،الرجل ،المرأة)،بوصفها ثيمة أساسية من ثيمات البناء الفني.كما نستقرئ كذلك خصوصية معجمها الشعري،وتفاعل عناصره وعلاقاته البنائية، التي أنتجت نصوصا شعرية متميزة.رسمتها الشاعرة بوسائلها التعبيرية والشعورية. المعجم الشعري وحقول الدلالة يتصل المعجم الشعري للشاعرة فاطمة المعيزي، بما تراكم من ألفاظ لغوية على مر العصور.غير أن الشاعرة تنمي مفرداتها الخاصة تبعا لتجربتها الشعرية.فضلا عن تأثيرها بالتطورات الحضارية،وتحصيلها المكتسب.وإن شيوع ألفاظ معينة في قصائد شاعر ما،يشير إلى تجربة خاصة تكونت لدى الشاعرة.تحتاج شبكة لفظية ذات دلالات معنوية ونفسية تناسب هذه التجربة،وتعبر عن تلك الحالة الانفعالية التي تسيطر على الشاعرة.ثم إن إلحاح تلك الألفاظ اختيارها،يؤكد هذه الحالة تضغط عليها(1).يعبر المعجم الشعري عن حقيقة اللغة التي تكتسبها الفرد عن طريق معرفة المفردات الخاصة التي تتوافر على تشكيل الخطاب وبنائه.لأن المعجم يتجاوز المفردات،على الرغم من أنه لا يبلغ إلا بها.ولا تكون المفردات إلا بوجود المعجم. لأنها تعد عينة منه.وعلى الرغم من أنه يصعب معرفة عدد الكلمات التي تكون معجم اللغة،إلا أن عددها محدد نسبيا في اللغة المعينة. وهو قابل للإثراء والازدياد والافتقار(2).يتكون الحقل الدلالي غالبا من مجموعة من المعاني أو الكلمات المتقاربة التي تتميز بوجود عناصر أو ملامح دلالية مشتركة.وبذلك تكتسب الكلمة معناها في علاقاتها بالكلمات الأخرى.لأن الكلمة لا معنى لها بمفردها.بل إن معناها يتحدد ببحثها مع أقرب الكلمات إليها في إطار مجموعة واحدة. تستمد الشاعرة فاطمة المعيزي ألفاضها ومفرداتها من حقلين دلاليين.أولهما ينتمي إلى ما هو إنساني(الرجل،المرأة)في بعده الوجودي.أما الثاني، فيرتبط بالهوية/الوطن/الأرض.وقد يكون لمناسبة هذه النصوص الشعرية دور مهم في انتمائها إلى أحد هذين الحقلين الدلاليين.تتكئ الشاعرة على الحقل الأول/البعد الإنساني. شأنها في ذلك شأن العديد من الشعراء المغاربة/العرب عامة الذين يشكلون منارات شعرية في الأدب العربي الحديث. بذلك امتلكت الشاعرة فاطمة المعيزي رؤيا شعرية شكلت ضمن معجمها الشعري ورؤيتها الفنية،حقلا واسعا من حقولها الدلالية هو حقل العلاقات الإنسانية الدلالي.صاغت عبر هذه الممارسة الشعرية الفدة معجمية شعرية.تدل عل شاعرها وصائغها.فقد تجاوزت الشاعرة فاطمة المعيزي استعمال اللغة المحدودة.كما استطاعت توظيف ألفاظ وتراكيب خاصة.شكلتها ضمن صياغات وتركيبات جديدة.أسبغت عليها من روحها ووجدانها.فكل شاعر له مصادره في خلق معجمه الشعري.وكلما كان الشاعر منفتحا في القراءة على مصادر شعرية وغير شعرية،كانت تجربتها الشعرية أكثر خصوبة. ويحوي المعجم الشعري رصيدا لفظيا متنوعا. يعكس شخصية الشاعر ورؤيته الفنية.كما تظهر قدرته الإبداعية ببث الطاقات الكامنة في هذه الألفاظ، وتشكيلها تشكيلا فنيا يعلي من شأن النص الشعري ،وبنائه الفني.أما العالم الآخر،فينتمي إلى حقلين دلاليين.تشكلهما الهوية والوطن.تستمد من خلالهما عناصر اللوحة الشعرية. وتنشئ عالما شعوريا متوازيا.ومن الهوية ينعكس الارتباط بالوطن التي تكشف عن رؤاها الداخلية فضاءاتها الروحية. وهذا ما جعل البناء اللغوي يتضخم ويتمدد بمعزل عن تنامي الرؤية المكبلة وانتشارها(3). 1.الإنسانية(الرجل/المرأة): الإنسان(الرجل/المرأة) من جهة التفاعل والتأثر والتأثير ،جزء من مفردات الحياة(الإنسانية)وعناصرها.من هنا(تبدأ أولى مراحل الدخول و التفاعل، وتبدأ العلاقة بين العلة و المعلول الرجل/المرأة و الإنسانية.فإن انعكاس وجود الإنسانية هو حوار الذات الشاعرةـ،وهمومها الأولى التي تجئ المرأة الشريك الأول في مقدمتها)(3).فقد نمى ذلك البعد الإنساني وعناصره ومكوناته في تجربة الشاعرة سعاد الصباح الفنية و الشعورية.لتشكل جزءا منها.مما جعلها تشكل حضورا وتجليا واضحا في نصوصها الشعرية.تقول الشاعرة فاطمة المعيزي في نص”كون” الصفحة44: كون غير…درتك حدايا مل طاح…ظلام لمايا وحرت حلامك معايا امسحتها من لون مايا شكون اسمع لنا حنايا نلحظ نوعا من التشكيل لتلك الصور الفنية.تتشكل من خلال تلك العلاقات الإنسانية.ذلك أن ما تقوم به الشاعرة من خلال النص،إنما هو صورة من صورة العلاقات الإنسانية،ومظهر من مظاهرها.تقيم الشاعرة هذه العلاقة من خلال صور جزئية(المرأة/الرجل)،تتكاثف فيما بينها وتلتئم لترسم صورة كلية في بعدها الكلي/الإنساني.تبرزه مجموعة من النصوص الأخرى:الصفحة:46،الصفحة:53،الصفحة:56،الصفحة:69،الصفحة :100،…الخ. 2.الوطن/(الأرض)الهوية/الأرض شكل الوطن في نصوص الشاعرة فاطمة المعيزي حقلا دلاليا.انطلق من مركز إشعاع النص،فلامس جزءا كبيرا من بنية نصوصها الشعرية.إذ لم يتشكل في هذه التجربة الشعرية ما يمكن أن نطلق عليه قصيدة الوطن،وإنما جاءت تلك الحقول الدلالية في نصوصها بوصفها إحدى لبنات التجربة الشعرية .ولعل تشكل هذه الرؤيا الفنية عند فاطمة المعيزي وانصهار التجربة الشعرية فيها،هو ما ساهم في تنوع حقول الدلالة في نصوصها الشعرية. فكان منها حقل الوطن. لقد سمح حقل الوطن لهذه النصوص الشعرية أن تتكئ على معجم دلالي،يشكل رافدا من روافد البناء،فيقيم علاقة توحد الحقول الدلالية ضمن ثنائية تتجسد في الوطن/الهوية.فاتكاء النص على مكون الوطن،يتجلى في توظيف الشاعرة لمفردات ترتبط بالوطن(الأرض، الطبيعة،التراب..الخ).تقول في نص”حق بلادي” الصفحة75: ترابي معجون ب دم لباني مسح لاثر من وسخ النصراني فدفد الحق فينا ما قبل ضغينة فدفد الجرح ما بغ ينزف فينا وهكذا دواليك في مجموعة من النصوص الشعرية الأخرى(الصفحة:114 ،الصفحة:120 ،الصفحة: ،الصفحة:125،ا…الخ).تبين من خلالها أن المفردة تأتي رافدة للمعاني التي يثيرها الوطن(الأرض)في صميم معمار النص الشعري.يتكئ النص على لغة وجدانية/شعورية.يستحضر مفرداتها وألفاظها من معجم الجغرافيا(الأرض)،والتاريخ(الهوية على حد سواء. نخلص إلى أن نصوص الشاعرة فاطمة المعيزي الزجلية،تعكس تجربة شعرية عميقة.شكلت علامة دالة على تفاعل الشاعرة الحميمي مع معطيات الذات(البعد الإنساني)،والوطن(الهوية).وعلى شاعرية تفيض بالبوح الوجداني.لذا كانت نصوصها تدور في إطار الذات والوطن بمختلف أبعادهما. إحــــــالات الصفحات المشار إليها مأخوذة من: المعيزي(فاطمة)طويت الما(ديوان زجلي)،ط1،ط1،منشورات لبابة،مراكش,2020،(138 صفحة). (1)إسماعيل(عز الدين)،الأسس الجمالية في النقد العربي،ط1،دار الفكر العربي،القاهرة،1992،الصفحة:96. (2)سامي(أحمد بسام)،حركة الشعر الحديث،ط1،دار المأمون،دمشق،1978،الصفحة:33. (3)الهاشمي،علوي،ما قالته النخلة للبحر،دراسة فنية في شعر البحرين المعاصر،دار الحرية،بغداد،1981،الصفحة:63.
قدمت هذه الورقة ضمن فعاليات الملتقى الثقافي الأول الذي نظمته جمعية محمود أخراز لحماية فن أكناوة(الصويرة)،بشراكة مع جمعية لبابة للإبداع والتنمية والتواصل(مراكش)،وثانوية محمد الخامس التأهيلية بمدينة الصويرة.أيام:19،20،21 نوفمبر 2021.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!