الوجدان الجمعي في قصيدة تغريبة المخيم للشاعر عادل الخطيب

 بقلم  الشاعر ة :  نبيلة حمد 

 

 

يعرف المحدثون النقد بأنه التقدير الصّحيح لأيّ أثر فنّي وبيان قيمته في ذاته ودرجته بالنّسبة إلى سواه

و مظاهره منوّعة فنقد لفظي، واخر معنوي، وثالث موضوعي، ومن اللّفظي ما هو لغوي أو نحويّ أو عروضي أو بلاغي، ومن المعنوي ما يتصّل بابتكار المعاني أو تعميقها أو توليدها أو أخذها ثمّ ما يتصّل بالأخيلة وطرق تأليفها لتصوير العاطفة، ثمّ العاطفة الصّادقة والمصطنعة

وإذا كان النص هو ثريا النص والعتبة التي تعطيك مفاتيح المعنى وتكفيك هم اصطياد الفكرة

فتغريبة المخيم

هو عنوان يسطر لك شيئا من عمق المعنى وجلال الفكرة

فالهم هنا جمعي وفيه لون بائس من الشجن فأنت وأنت في المخيم تبدو غريبا تكتب تاريخ تغريبتك فيه وترسم ملامح النازحين ومع هذا يبدو المخيم الذي أتى معرفة وطنا وجغرافيا وعنوانا

في شوارعِ المخيمِ

يَكمُنُ الحُلُمُ المُجَلَلُ بالضَباب

لأزقةِ الحاراتِ تَنغمسُ الطفولةُ

تَعتَلي أروقة المنازِلِ فوقَ السَحاب

وحتى برغم التعب والحلم الغائب وسط الضباب أنت تصعد المنازل مفتخرا رغم أزقة الحارات

وسيرسم لنا الشاعر المخيم بملامح متناقضة تتكامل

معا لترسم لنا ماهية الحياة وتفاوت خطوطها والتقاءها متعامدة في نقطة واحدة وهي الإحساس وهذه هي وظيفة الشعر أن تنقل لك العدوى الشعورية في وخزتها الأولى فتعيشها وكأنها تسري في عروقك وهنا تتجلى براعة الشاعر

يقول عادل ….

هَل تَعرف حَقيقةَ الجوعِ

ومَعنى الفَقرِ

والذَهابَ إلى المدرسةِ مَرثيَّ الثيابْ

هَل سِرتَ يوماً في سوقِ مُخيمي

لِترى البؤَساء حقيقةً

دونَ الحكايا لا تَخشَ الذِئاب

هَذا مُخيمي دولةٌ

وزَعيمهُ طِفلٌ تُهدهدهُ الليالي

وأمهُ تَعَلمت درساً بالغياب

 

ان عملية الخلق الشعري تتطلب شروطاً، منها ما يجب ان يتوفر في الشاعر، ومنها ما يجب ان يتوفر في القصيدة، لكي يمكن القول ان هذا الشاعر يتميز عن غيره بميزة معينة، وان تلك القصيدة انمازت عن سواها بشروط انفردت بها نرى عادل الخطيب ابن المخيم الشاعر الذي ابتعد عن التقعر في اللغة لجأ إلى سهولة اللفظ وسلاسة التركيب اللغوي واناقته لكانت قصيدته صورة تمثل وجع الناس في المخيم وإصرارهم على مواصلة استنشاق الرجولة ومزاولة دور الثبات

 

في مُخيمي سَتَرى الرجولةَ

كَيفَ تَعلو

وترى الكهولةَ كيفَ تُعطي

دُرسها

وتَرى النساءَ مُحجَلاتٍ

بمعاني الصمودِ

وبريقهنَ زغاريدُ نصرٍ لا انسِحاب

السؤال الذي يفرض نفسه و الذي علينا أن نطرحه هو ماذا تمثل هذه القصيدة بالنسبة للتراث الشعري العام

في مخيمي تَرى الكرامةَ مرسومةٌ

على الوجوهِ، منقوشةً بالقلوبِ

حكاياتُ البطولةِ وحُلمُ الرجوعِ

المُزركشِ فوقَ الضباب

 

يقول سارتر

مما لا ريب فيه أن الأثر المكتوب واقعة اجتماعية ولا بد أن يكون الكاتب مقتنعاً به عميق اقتناع حتى قبل أن يتناول القلم أن عليه بالفعل أن يشعر بمدى مسؤوليته وهو مسؤول عن كل شيء ، عن الحروب الخاسرة أو الرابحة ، عن التمرد والقمع إنه متواطئا مع المضطهدين إذا لم يكن الحليف الطبيعي للمضطهدين ، ” .

 

في مَخيمي تَجدُ الطفولةَ

مُسجّاةً على الطُرقاتِ

تُلونُها الأمنيات

ويسطَعُ ضيائُها على الأبواب

وألواحُ الصَفيحِ المُضَلع فوقَ البيوتِ

تعلوهُ شَمسُ النهارِ

وحرارةُ الصيفِ مِن تَحتهِ

وبَردُ الشتاء زمهريرٌ واقتِضاب

 

من هنا كان عادل الخطيب

يمثل التزام المبدع الذي يرمي إلى إيصال ما لا يمكن إيصاله مستغلا القدرة التي تنطوي عليها اللغة الراقية القريبة من المتلقي والواصفة بذكاء واضح لهذه المشاهد المؤلمة في حياة الطفل الفلسطيني وهذه الهمة العالية في نفوس الكادحين

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!