الوطن والإنسان في قصيدة “خرائط فوق جمر الارتقاء ” للشاعرة التونسية ” سليمى السرايري”

آفاق حرة

هاشم خليل عبدالغني

  سليمى السرايري شاعرة وفنانة تشكيلية تونسية من امـازيغ الجنوب ، مصمّمة ديكور ومصممة أزياء...وصاحبة صالون السرايا للأدب والفنون والتراث ومديرة إذاعة راديو شغف صوت الادب والفن (على الواب)… صدر لها عدد من الدواوين الشعرية ابرزها  ديوان “أصابع في كفّ الشمس وديوان “صمتٌ… كصلوات مفقودة” وديوان تحت الطبع بعنوان ” حين اشتهانا الغرق ” كما شاركت في عدة مهرجانات تونسية وعربية .

     شاعرة طموحة وحساسة، ومتفائلة ، تطمح للـعب دور متقدم ومتميز في صناعة المشهد الثقافي التونسي والحفاظ على تماســك مـختــلف شرائحــه، فـقــد اشارات فــي احـدى حواراتها لذك حين قـالت : ( لي طموحــات كبيرة ، وأحاول أن أنحت اسمي على جـدار المشهد الثقافي ، بــكل عزيمــة واقــتدار ، رغـــم العراقيـــل ورغم الشلليات لــكن أؤمن أن المنصة هي الفيصل ) .

    كما أن سليمى تقف إلى جانب الحق ، دون أن تنتظر كما يقال “نصرا او هزيمة” ،إن الشعر  فـي نظرهــا كما نلاحــظ فــي قصائدها هــو” الحق والحق هو الشعر الذي يموت مـن أجــله الإنسان“إنه سلاح توعوعي في المجتمعات البدائية .

     في قصيدة ” خرائط فوق جمر الارتقاء ” اشارات مبطنة لمـا يقع في الوطن، حيث تتطرق الشاعرة سليمى السرايري لظاهرة سلبية خطيرة في مجتمعنا العربي ألا، وهي ظــاهرة التنظيمات الظلامية والــرجعية التي تتفـاقم بـصورة مقـلقــةوالتي  تسببت في الكثير من الحوادث والخسائر المؤلمة.         فهي ترى أن الشعر من الوسائل الهامــة لترسيخ الكثير مــن الأفكارٍ الإيجابية  في عقول الشباب ، من هنا قدّمت الشاعرة  نصاً شعريــا ثريا بالأفــكار الإيجــابية ،مبتعــدة بنصـها عــن الخرافات البعيدة عن الواقع ، ملامسة بذلك اهتمامات  وآمال الإنسان العربي  والتونسي بالتحديد ، بصورة تشجعـه عــلى السؤال والبحث والاستنتاج، كمـا تثير شغفه وتكسبه الــكثير من القوة العقلية المتوازنة .

   العنوان ” خرائط فوق جمر الارتقاء “: شكل ركناً أساسياً وصـورة أوليــة لمضـمون القــصيدة ، وحمل الفكرة الرئيسة للقصيدة ، وكان مفتاحاً ساعد لفهم معطيات النص والوصول لأبعاده المختلفة .

     تثير القصيدة تفكير الإنسان وتلفت انتباهه لضرر وخطر هــذه الأفكــار المتخلفة التي علاها العفن ، وتساعد الإنسان على غرس المبادئ السليمة في نفسه ، وتحفزه على التفكير وتفحــص صحة الأفكــار التي يروج لها المــرجفون ، الذين توجههم أيد معـادية لأمتنا وهــويتنا الإسلامــية ، فالقـصيدة تـنمي الاتجاهــات الإيجــابية للإنســان العربي والمسلم نحـو وطنه وأمته ، وتعمق لديه الانتماء والوعــي والأدراك ، كما إن القــصيدة احتــوت عــلى استثارة النزعــة الإنسانيـة لدى المتلقي ، عن طريق بث العواطف النبيلة ، وانتهاج التصرف الصحيح ، والمشاركة الوجدانية ، والقدرة على تفهم مواقف الآخرين ومشاعرهم وأحاسيسهم.

النوافذ منحوتة في جـدران وعـينا ، لحمايتنا مـن ريـاح الردة والدمار والقتل المجاني ، وأصحاب الفكر الضــال المنحرف الذين يرمون لزعزعة الأمن والاستقرار ، النوافذ أعيننا الحالمة التي تطل على أمل وفرح أيامنا القادمة ، فأحلامنا استمرار لحياتنا .

إن هذه الشبابيك ستكون موضعا لتسلل قليلي العقل من اصحاب الفكر التكفيري .. إن لم نحصنها بالتلاحم بين المسؤول والمواطن ،ونجعل من الوحدة الوطنية سياجا منيعا عصياً على كل اختراق ، إن لم نفعل ذلك سننتهي إلى لا شيء ،وسنرتكب اثما وخطيئة كبيرين ، وتغدو احلامنا ترابا تطيره الريح ، وحدها أعيننا الحالمة أحدثت نقشا نورانياً لطيفاً ينفذ إلى اجسادنا فتظهر اثاره في ارواحنا .

تؤكد الشاعرة أن فرحتنا وبهجتنا ستظل معلقة على قنطرة الأمل والتحدي وستظـــل الحــد الفاصل بين الجمود والتقـدم ولن تسقط في بئر التخلف والظلام ، الناتج عن فقدان اشعة نــور العلم والحياة ، فــكر خارج عن المفهــوم العـام للحياة يصعب فهمه ، يأتينا بكل مــدهش غــريب لا يصدق ، والتي تشير اليه هذه الجماعــات بتكتم تــارة وعلنية تــارة اخــرى ولــكن عيوننا خبيرة وبصيرة ويقــظة بكــل ما يحملون من اوجــاع مؤلمة وجهل مركب، لا يتفق مع الحقيقة والواقع .

الممرُّ الذي يؤدّي إلى الفراغِ
الهباءُ الذّي يلُفُّ أصابِعَنا الآثمة
وحدها… حفرتْ جبّاَ في الرّوح.

طِلُّ الفرحةُ على جسرٍ معلّقٍ في السّوادِ ..
يلوّحُ بأسرارِهِ الغريبة

نبصِرُ حبّاتِ المطرِ
تحملُ أوجاعَ السّماءِ المجهولة

           إن رغبة الشاعرة العميقة في حماية وطنها من الإلغاء والتشويه والتقزيم والتهميش ، جعلها تتشبث بكل قوة بضرورة حماية الوطن ،من اختلاط والتواء الأفكار الخالية من المحتوى والقيمة ،وبالرغم من ذلك فإننا نتعامل مع هذه العقول المنغلقة الإرهابية ( التي اتخذت من الجبال والأماكن المنعزلة أوكارا لممارسة جرائمها ) بعقول متفتحة ومشرعة دوماً للأمل الضاحك للصباح للحياة ، في محاولة لاحتوائهم ،لأنهم دوما في فوهة الموت ،يفجرون انفسهم ،معتقدين أنهم يحملون جواز سفر لدخول الجنة وهم فرحون راضون . .. ولكن لن نرميهم بالحجارة ، بل سنقذفهم بالحقيقة والفكر المحكم وبالحجة والمنطق.

تتلوّى …
فتولدُ في الأرضِ أسماؤُنا.
شبابيكُنا مُشْرَعَةٌ
لِقاطِني الفراغ
للراقصينَ على بوّابَةِ الموتِ

للوجوه المقذوفة في النسيان

        في نهاية القصيدة تشير الشاعرة إلى ضرورة توحي الحذر، رغم أن تونس اجتازت الأسوأ في مكافحة الإرهاب ، وقدمت الشهداء الذين احتضنهم تراب الوطن ،ورغم كل هذا الموت والدمار ، فالشعب بقواه الحية ،وحد صفوفه للتأكيد على أن العمليات المضادة للإرهاب لازمة ومشروعة، على أن لا يشوبها انتهاك لحقوق الإنسان ،لا للإرهاب نعم لحقوق الإنسان” كما عبرت الشاعرة عن دعمها للدولة في مواجهة الإرهاب ، وضرورة حماية المواطنين من الفوضى وانعدام الأمن.

        وتؤكد الشاعرة على أن عيوننا المتسلحة بالإرادة تحسن الاستماع ،لصرخات الاستغاثة الشديدة الولادة النابعة من القلب التي تطل على أملنا بالاستقرار والأمان .

      كما تشير الشاعرة لمكانة المرأة وصمودهــا ودورها “رغم الموت والدمار” في التصدي للإرهاب ،كما تشيد بدورها في انجاح الثورة التونسية ، فقد عاشت المرأة التونسية ابان الثورة فترة ً زاخرة ممتلئة بالأحداث ، كما تؤكد أن المرأة ما زالت تنجب الرجال وتزرع في النشء الحب والحياة والأمل من اجل تونس .

نوافِذُنا مصغيةٌ،
لصرخاتِ المخاضِ
لأُمّهاتٍ كسوْنَ الأرضَ خِصْباً
وأنْجبْنَ الحبَّ بهذا البلد

      كلمة أخيرة: يتبين مما تقدم أن هذه القصيدة ُ ناجحة جدا لتوفر كلُّ المعطيات التي تمنحها التميّز، ، فمحاورها تدور حول ( الأرض والهوية والانتماء، ومعارك الصمود والبقاء في الوطن والدفاع عنه ) ومواجهة غول واخطبوط الفكر الظلامي المتحجر ، كما أن سليمى السرايري منحازة للوطن وقضاياه الإنسانية، وعبرت عن موضوعي (الوطن والانتماء) بأجمل وصف وابهى صورة ممكنة ، بإسلوب فني رائع وخلاب .

    قصيدة  تمثل واقعاً عاشته تونس، والقيمة الحقيقة لهذه النص تكمن بالدرجة الأولى في الصدق بتصوير الواقع، والقدرة على الغوص في اعماق الانسان التونسي ، والتمييز بين ما هو طبيعي واصيل وبين ما هو دخيل.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!