” بقايا إنسان ينمو” تساؤلات تنتظر إجابات

 

لصحيفة آفاق حرة

 

خواتيم النصوص في ” بقايا إنسان ينمو” تساؤلات تنتظر إجابات”

د. سلطان الخضور. الأردن

يتعرض الكاتب الواعد” محمد قاسم عودات” في كنابه الموسوم بـ”بقايا إنسان ينمو, إلى قضايا كبيرة وكثيرة يتناول فيها مسائل حياتيّة, ويطرح عناوين في خواتيمها تساؤلات مهمة تنتظر إجابات المتلقي لتنجلي الصّور التي استطاع تشكيلها من مفرداته التي بدت حائرة لكنها واثقة.
وسوى محاولة الكاتب الشاب الإشارة إلى نفسه للقول أن الزّمن فعل فيه فعائله وهو في طور النمو, والقليل من النصوص لم أجد أي علائق أخرى بين عنوان الكتاب والنّصوص, وفي إشارة إلى الذهن المشتت، وتشابك الفكر والروح والجسد وصعوبة التعاطي مع مشكلات العصر وقضاياه, اختار الكاتب صورة غلاف كتابه بعناية, وهو لوحة من تصميم التشكيليّة” ريم إدريس”, التي جعلت منها تكوينات الجسد والدمّاغ خيوط متشابكة, وكأنها تعكس العقد – بضم العين- التي يعيشها الانسان في هذا العصر بالإضافة لعقد التكوين النفسي والروحي والجسدي للإنسان نفسه ككائن معقد التركيب يمر بمراحل عديدة متقلبة لكنّها تبقى في حالة نمو مضطرب كذبذبات التخطيط الذي نراه عند طبيب القلب.
وقد استطاع الكاتب في باكورة أعماله الأدبيّة, أن يخط مفرداته بنجاح, لينتج نصوصًا استطاع من خلالها التعبير عن مكنونات نفسه وعن الكثير من القضايا الإنسانيّة والوجوديّة والقضايا الوطنيّة والعربيّة, ومنها ما يتعلّق بفلسطين كقضيّة تلامس قلب كل عربي ومسلم, يمسك قلمه؛ ليعبّر عن نفسه ويرسم خيوط مستقبله.
وفي إهدائه الذي حمّله عتبًا وشوقًا, والذي قدمه لكل من يبحث عن حياة أفضل في دنيا وصفها بالرّحلة, وإلى الذين لم يقابلهم بعد, بدأ واثقًا من كونه سيقدم ما هو مفيد, أو على الأقل ما يلامس قضاياهم العامّة.
ولعلّ الكاتب قد نهج منهجًا مقصودًا, يريد به استفزاز المتلقي, حين عرض مواضيعه, وترك في خواتيمها تساؤلات كانت أحيانًا على صورة جمل استفهاميّة, تبدو كبيرة, على المتلقي أن يبحث لها عن إجابات, حيث جعلناها موضوعًا لهذه القراءة.
ولا بد لنا من أمثلة نستقيها من النصوص التي توزّعت على مئة وخمسين صفحة, لندعم بها ما ذهبنا إليه, ففي موضوعه الأول، والذي عنونه بــ” بوح آخر” دون أن يشير إلى البوح الأول ختم النّصّ الذي يحمل عتابًا لمن يحب, ووصف نفسه قائلّا” ويحملق محاولًا البحث عن موضع قبر جديد, لعلّه الجنازة القادمة, وأي عتمة يتلمّسها كالأعمى بعصاه خوفًا من الوقوع في هاوية جديدة”
نستطيع الاستنتاج أن العتاب شديد يصل إلى درجة الرغبة في الموت فقد بحث عن موضع قبر واطلق الشّكّ أنه من الممكن أن يكون الجنازة القادمة, وقد بات كالأعمى الذي يتلمّس طريقه بعصاه, ونستخلص أن قضيّة الموت ليست من القضايا التي يقررها المخلوق وقد ترك الباب مواربّا حين بدأ الجملة المتعلقة بجنازته القادمة بكلمة ” لعلّ وهي سواء كانت باللام الأولى أو بدونها من الحروف المشبهة بالفعل وهي تفيد الترجّي والتوقع لأمر مكروه والاستفهام أحيانًا وجلّها تجتمع في الموقف الذي أشار إليه ودعّم ذلك بالنص الذي يليه والذي ختمه بأنّه ممتن لبراءة الطفولة التي تركته سريعًا للمضي إلى أقدار لا يعرفها, وكأن الطفولة تقرّر أحيانّا الانسحاب من حياة بعض الناس, واستغلّها مناسبة لأقول أن طفولتي انسحبت من حياتي في سن مبكّرة.
وفي النص الثالث المعنون بـ”نصف حياة” والّذي تناول فيه ما يحصل في عالمنا العربيّ بالذات من مآسي الحروب وما تسببه من دمار وذعر, والذي أراد التّأكيد فيه أن ما يجري هو صنيع ما يفعله الانسان بأخيه الانسان, ختم ليقول اننا من الممكن أن نعرف بداية الحرب, لكننا لا يمكن ان نعرف متى تنتهي مستغيثا بالله من شرورها” وإلى حرب بدأت ولم تنتهِ. اللهم إليك نلجأ وبك نستغيث” فشرارة الحرب سريعة الاشتعال, سريعة الانتشار, لكن نهايتها صعبة المنال.
وفي النص الرّابع” جوف صدئ” الذي دعا فيه إلى العصاميّة والمثابرة وعدم اليأس والذي ذكر فيه أن الشعراء لا يذكرون النجوم مع انها بالملايين, لكنهم يذكرون القمر مع أنّه واحد في هذه الدّنيا كانت الخاتمة دعوة إلى عدم النوم وأن يكون أحدنا كالشجرة الصامدة العصيّة على الانكسار, وفي ذلك دعوة للجد والاجتهاد والعزيمة والثبات وعدم الاستسلام للواقع.” لا تنم هذه المرّة, واجعل من جسدك خشبة صامدة. كن شجرة. لا تنكسر في الأوقات العصيّة”
وفي “حطام النوى” وهو النص الخامس الذي وشى بسعة اطلاع الكاتب, تطرق للحب واستذكر كل من” الماغوط ومي زيادة وشوقي وجبران وقيس وليلى وغادة السّمّان وبلقيس وحفصة الركونيّة وكافكا وابن زيدون وأمل دنقل وأبو نواس وجنان, وجاءت الخاتمة لتؤكد أن “الحبّ شيء حقيقي لا يكتمل, وأنّه ذكرى تستباح, وحلم يذهب سدى…” فهل الحب لا يكتمل وأنه سيكون ذكرى مستباحة وحلم يذهب سدى, فليس كل حب لا يكتمل, وأن من الحب ما أدى اكتماله إلى الموت, لا أتفق مع الكاتب بأنه ذكرى تستباح وحلم يذهب سدى, فكثير منه ما يستمر ويعاش, وكثيرٍا ما يعيش أهلوه بمتعة دائمة.
وفي النص السّادس الذي كتب تحت عنوان” وهن في جسد” بدا الكاتب متأففًا وروى قصة بدت حقيقيّة وكأن إحداهن تتلاعب بمشاعر شاب، وتجلى ذلك في السؤال” أين أجدك في عالم لا أعرف منه سوى الدموع؟، وكانت الإجابة والدموع حظ المساكين, وكانت الخاتمة” وفي أي حفرة تنوين إسقاطه؟ إنه الوداع. فرصة ذهبيّة اقتلع بها عينيك. وأرد ما مضى من تشرّد, أشتم في هذا النص روح الرغبة في الانتقام بدافع الحميّة لفتى بدا قليل الخبرة في الحياة, يريد به رد الاعتبار للفتى, وأترك الإجابة مفتوحة على أن الوداع سيكون فرصة لاقتلاع عيني الجانية, وهل التشرّد الذي كان من الممكن أن يعود؟
وأكتفي بستة من النصوص, لأقول أن الكاتب، وإن أسهم في تشتت ذهن القارئ بسبب الاستدراكات التي حملتها بعض النصوص, إلا أنه نجح في عروض مميزة جذب بها المتلقي إلى الصّور الكثيرة التي احتوتها النصوص وبمفردات أدبيّة عالية وبسعة الاطّلاع والرسائل الواضحة التي تمكن الكاتب من بثها كأهداف توخّى تحقيقها.

أما على الصّعيد الفنّي, فقد جاء الكتاب واضح الطّباعة مريح لنظر المتلقّي ومكتمل لعناصر التأليف من عنونة رئيسيّة وفرعيّة, واحتوى على مقدمة واشتمل على علامات الترقيم اللازمة.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!