رؤيتي لرواية دماء جائعة/بقلم الكاتبة:خلود حمدي ادريس

آفاق حرة

الروائي الشاعر نشأت المصرى صاحب المائة كتاب ، صدرت له رواية دماء جائعة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأثارت وجهات نظر شتى ،لنبحر إليها معا :

التعريف برواية دماء جائعة

رواية دماء جائعة تتكون من  ثلاثة وعشرين مشهد ا تحت عناوين فرعية ليست مرقمة وهي رواية إجتماعية بخلفية سياسية تدور أحداثها في عصر الخليفة المهدي ثالث خلفاء الدولة العباسية ،تبدأ أحداث الرواية بمنولوج داخلي  يحدث فيه الخليفة نفسه ويحاكم ذاته فهو حوار ونزاع حول أحقيته للخلافة فهو يعرف أن ابن عمه محمد ابن العباس هو الأحق بالخلافة ، فهو يشعر أنه سارق في نفس الوقت يقرر أن العدل هو هدفه وطريقه ويرى أن الناس سيسمونه بالخليفة العادل كما وصفه أهل خرسان عندما كان يحكمها  لكنه يرجع ليفكروهو العادل  ” هل من العدل أن أقتنص حق غيري في الحكم ؟” ص11   وبعد الكثير من الأسئلة ينهي حديثه بقوله “بداية ملتبسة “ص11لكنه بدأ بتقديم المبررات  لنفسه بأن لا ذنب له وأن أباه  هو الذي حصل على البيعة له بالمكيدة وأنه صار أمرا مقضيا ويعترف أنه أضعف من أن يقاوم الرغبة في الحكم وينتهي المشهد  ثم تستمر الرواية في تعريفنا بشخصيات حاشية المهدي وكبار رجال الدولة العباسية بادئة بالربيع بن يونس الحاجب والذي كان مقربا من المهدي و من أبيه الخليفة المنصورقبل ذلك  ثم معاوية بن يسار كبير الوزراء  وولي العهد عيسى بن موسى تستمر الأحداث بعد ذلك  ونرى أن المهدي قام بالإفراج عن آلاف السجناء وتوزيع جانب من ثروته على الشعب  الأمر الذي أحزن محمد بن أبي العباس وأخته ريطة يبدأ صراع آخر وتتوالى الأحداث ويقوم الوزير معاوية بقتل الزنادقة وقام الحاجب ربيع باستغلال بعض الشكاوى من الشعب ليهدم ثقة المهدي بالوزير معاوية  ويخبره أن ابنه تمادى في الزندقة  وقد كان فقام بالحكم عليه بالحبس في بيته مدى الحياة وعلى ابنه بالقتل نرى صراعا وهو غيرة الهادي بن الخليفة المهدي من اخيه هارون الرشيد والذي يرى أن أباه يحبه أكثر منه وأنه سيورثه الخلافة , شخص آخر يود قتل الخليفة والثأر لصديقه شبيب الذي قتل بتهمة الزندقة وتتوالى الأحداث ويعرف أن الوزير السابق معاوية هو الذي أمر بقتله  وأقام خطة لقتله وبالفعل قتله ونرى خالد كان دائما ساخطا على الحكم ويحلم دائما أن يكون الخليفة ويرى أن الشعب لا يفكر حتى ولو كانوا يعيشون في رخاء ولديهم من الأموال ما يكفيهم فهو يرى أن الخليفة لا يستحق هذه الأموال وأنها من حقهم , تمتلئ الرواية بالأحداث والمواقف ونرى أيضا حركة المقنع  المجوسي  ويظهر الكاتب الخليفة بأنه يكره الدم والقتل محب للعلم والشعر ففي الرواية قام بالإفراج عن المساجين , قدم الكثير من أمواله للفقراء ، حاسب الوزير معاوية وابنه عندما علم بأمر شكاوي الشعب منهم ، تنتهي الرواية بتآمر الجارية حسناء ووضعها للسم في فاكهة الجارية سلافة لأنها كانت تغار منها لحبها الشديد للمهدي لكن المهدي كان يفضل سلافة وتصل الفاكهة للمهدي الذي يأكلها ويموت مسموما

عتبات النص الروائي :

الغلاف:

الغلاف عبارة عن لوحة زيتية  للفنان الروسي نيكولاس دي ستال تسمى(الموسيقيون)

وهي عبارة عن شخصيات ليس لها ملامح يمسكون بمزامير ويعزفون وعلى مايبدو أن هناك شخص يضع يديه على رأسه من تلك الأصوات وخلفه لون أصفر وعند قراءة الرواية على أغلب الظن يمكننا القول أن هذه اللوحة قصد بها حلم المهدي الذي تحقق بموته أو مشهد الوفاة نفسه  وكان الحلم كما حكاه المهدي للعراف :

“والآن، فكر جيداً فيما سأحكيه لك، إنه حلم أتذكر كل تفاصيله.هز رأسه، وامتثلت عيناه لصوتي .. أكملت:

– ذات ليلة، والمشاعل تنير الطريق، ركبت حصاني، وقطعت شوطاً بعيداً، وكان يتبعني طوال الطريق عدد من الأحصنة، وفي منتصف الطريق تصهل حولي كأنها تنشد نشيدا جميلاً، طربت له، وفجأة .. أحسست بأنها شريرة، حاولت أن أهرب منها، لكنها حاصرتني، كأنها من الشياطين، توقفت وواجهتها، فر بعضها، وأمعنت البقية في صراخ كريه أصفر، التحمت بها فاستمرت صامدة لم تتقهقر، وفجأة ظهرت بحيرة صغيرة لونها أسود داكن، عندئذ اختفت كل الأحصنة، وبرك حصاني وبكي كالبشر، وبعد قليل شاهدت رجلاً لا تزال صورته في خاطري يلقي شعرا زلزل كياني قال: كأني بهذا القصر قد باد أهله.. وأوحش منه ربعه ومنازله. سكت مترقبا ما تنطق به ملامح العجوز .. سألني سؤلاً واحداً ..

– هل تذكر بعض صفات تلك الجياد؟ حدثني عنها أكثر.

– كل الأحصنة لونها بني، عدا واحدة سوداء وهي الأجمل.

– هذا ما كنت أخشاه وقد وقع.

– هل هو حلم عن الماضي.

– كلا .. إنه يفسر ما سوف يكون، هذه الأحصنة أناس قريبون منك، لكنهم يكيدون لك، أما الحصان الأسود فهو أنثى تكرهك، ولا شفاء من كراهيتها..

– والبحيرة التي ظهرت فجأة ..

أما عن مشهد موته عندما قامت الجارية سلافة بوضع السم له في ثمرة الكمثري يقول كاتبنا:

”   لم تكد تمر ساعة حتى طلب المهدي سلافة، وعازفين آخرين، ليأكل الجميع على الأنغام العربية والفارسية.

اتكأت سلافة على وسادة منخفضة على الأرض إلى يمين أمير المؤمنين، وانطلق العزف، وتدلل القلب مع النبض، وعزفت مقطوعة موسيقية صاخبة تليق بوداع المهدي الأخير “ص117،172

العنوان الرئيس :

(دماء جائعة) عند قراءة العنوان يتبادر للذهن فكرة القتل و الدماء التي لا تتوقف  لأي سبب من الأسباب وبعد قراءة الرواية نجد أن  الكاتب قد وفق في اختيار العنوان فنحن بصدد فترة قائمة على استعباد الناس ونظام التوريث والعطش إلى الدماء من أجل الكرسي والحكم ويظهر ذلك من بداية المشهد الأول (أنا وأنا) حي*ن يوضح المهدي طريقة حصول والده المنصور على البيعة له بالمكيدة والتهديد ويستمر الدم داخل الرواية بل ويروي على لسان العراف أن الدماء ممتدة للأزمان القادمة

وكأن التاريخ يعيد نفسه وكرسي الحكم يغير صاحبه فالمهدي الذي يكره الدماء والذي يحب العدل بعد استنكاره الطريقة التي أخدذ بها الخلافة يشعر أنه لن يستطيع ترك هذا كله والعنوان يتكون من كلمتين دماء وهي اسم وكلمة جائعة وهي اسم فاعل وكأن هذه الدماء شخص يجوع  أي كلاهما أسماء للدلالة على الاستمرار فالجوع شيء متكرر.

العناوين الفرعية :

تخلل الرواية ثلاثة وعشرون عنوانا فرعيا أو يمكننا القول مشاهد وكل مشهد تحت عنوان يعبر  عما فيه واستخدم الكاتب الحبكات المتتالية وتوقفه في كل فصل على ذروة الحدث ليصحب القارئ لمزيد من التشويق و أسماء الفصول  مثلا (أنا وأنا- الربيع…كل الفصول-ثلاث نساء- ذات يوم-تغيير وزاري-أنياب العشق) .

الشخصيات في رواية دماءجائعة:                                                                                             جاءت بعض الشخصيات الأخرى المهمة غير                                                      حقيقية مثل شخصية خالد

أما عن الشخصية الرئيسة فهي شخصية الخليفة المهدي ، فهو الشخصية الرئيسية الذي تدور على أفعاله الأحداث وتتجسد في وسطه الفكرة المراد إيصالها للمتلقي وهو الشخصية الأكثر حضورا من بين كل الشخصيات

المهدي : ابن الخليفة جعفر المنصور وثالث خلفاء الدولة العباسية ،تولى الخلافة بمكيدة من والده حيث  كان ابن عمه محمد ابن أبي العباس أحق بالخلافة منه ، بدأت الرواية بحديث المهدي مع نفسه هذا الحديث الذي يوضح لنا أنه حي الضمير فالرواية من أولها ألى آخرها تفصح لنا عن الاضطراب النفسي الذي كان  يعانيه المهدي فمن ذلك الصراع  قوله على لسانه وهو يرغب في تحقيق العدل “سيكون العدل طريقى11 ، لكنه يرجع ويقول “لكن…هل من العدل أن أقتنص حق غيري في الحكم “ص11  ومن خلال رسم الكاتب للشخصية نجد أنه محب للسلام  لكن معظم شخصيات الرواية تسعى للتخلص منه .

الربيع بن يونس :

حاجب المهدي وكان مقربا إلى والد المهدي كان  الربيع )قصير القامة وزنه ثقيل له شارب أسود ( كان يكره كبير الوزراء معاوية ويسعى للتخلص منه .

عيسى ابن موسى :

ابن عم المهدي وولي العهد يسعى للحصول على الخلافة بأي طريقة “هاهو القصر البهي…قصر الخلد- في قلب بغداد” ،”أما كان هذا القصر لي؟ربما غدا ،وغدا عساه يكون قريبا” ص14

محمد ابن أبي العباس:

ابن عم المهدي والأحق بالخلافة منه لكن عمه المنصور اقتنص حقه وحصل على الولاية لابنه المهدي فأدى ذلك إلى كراهية  محمد للخليفة المهدي ورغبته في الثأر منه .

ريطة :

ابنة عم المهدي وزوجته الأولى وهي أخت محمد ابن أبي العباس كانت تحب المهدي وتكرهه في آن واحد  يقول المهدي عنها ” ريطة ابنة عمي الجميلة ذات الأنف المدبب ،أخاف سكوتها الطويل أحيانا ،رشحها لي أبي وأمي ، لاقت هوى في نفسي ،لكنها ثمرة غير ناضجة تجيد إخفاء مشاعرها”ص20 كانت تغار من الخيزران زوجة المهدي الثانية  لأن المهدي كان يحبها

“أما ريطة فما دامت بعيدة عن ذراعي المهدي فإنها تتمنى الخبر الساربالقضاء علي المهدي بعد أن انتهت محاولة أخيها محمد إلى لا شيء”ص91

“زوجها المحبوب يأسرها فقط حين ينفرد  بها فتكون قطعة منه ،حين تغادره تراه كائنا مضادا لا يستحق الحياة”ص77

الخيزران :

زوجة المهدي الثانية كانت جارية وأمره والده أن يتزوجها أنجبت له ولديه هارون الرشيد والهادي يقول عنها المهدي “أي امرأة تغار من زوجة ثانية جميلة خمرية اللون ذات غمازتين شهيتين  يميل قلبي إليها بدرجة  أكبررغم أن أبي  هو الذي اختارها لي بما يشبه الإجبار …كم كان معجبا بشخصيتها  فقال صراحة :إنها فتاة قوية الجناح تطبير بك إلى سموات البهجة” ص

تتسم شخصية الخيزران بأنها عاقلة محبة للمهدي وكان يثق فيها كثيرا

سلافة :

شخصية متخيلة وليست حقيقة جارية ريطة وكان المهدي يحبها حبا شديدا ،أما هي فكانت تكرهه لأنه قتل أباها وأخاها في حربه عندما كان بصدد اخماد الثورة   خرسان وهو لا يعلم بذلك وكانت تسعى للثأر والانتقام منه  “لقد أخطأ المنصور حين رشحني جارية لزوجة ابنه ريطة ،كيف تأتمن صاحب الثأر على نفسك وأولادك ؟ وأنا صاحبة ثأرين كلامنهما يهز الجبال ويوجع وطنا بأكمله …كل يوم يزداد السواد في قلبي…يدي جاهزة لتعانق يد الشيطان وهي تعتصر رقبته الطويلة السمراء فتسلبه الحياة فلا ملك ولا جاه ولا شباب ولا انتصارات  فجة دامية ،هي مجرد جرائم بلا قلب “(ص66)

كانت هى الأجمل بقوامها المتوسط وجبهتها العريضة وشفتين كفلقتي ثمرة نادرة ،وصوت كهرماني إنها قنينة عطر وذكريات تزداد جاذبية منذ تم أثرها في خرسان …هي كنز يتدلل وبالتأكيد هي الأكثر دهاء ،ولمعان مكرها يجعلها الفرس الرابح من أول جولة “ص20

خالد:

شخصية خالد شخصية متخيلة لا وجود لها في الأحداث الحقيقة لكنه يمثل الطرف الثاني من الصراع ويمثل الجزء الناقم من الشعب على الحكام ورفضه للاستلام للواقع فنراه يحلم أن يكون ابنه خليفة المسلمين ويكون قصر الخلد له،لم يفرح بالعطايا التي يعطيها المهدي للشعب فيرى أن ذلك شيء من  حق الشعب وأن نصف ثروة المهدي التي وزعها قليلة و حارب مع هارون الرشيد ضد الروم وطلب منه انقاذ صديقه شيبوب من القتل ووعده هارون بتنفيذ طلبه لذلك أحبه خالد لكن عند رجوعهم كان شيبيوب قد قتل فلم يتحمل خالد هذا الظلم  وقرر الثأر من  من المهدي لظنه بأنه أمر بقتل صديقه شيبوب ،وكان ناقما على الحكام يرى أن الحكام لا قيمة لهم بدون الشعب وقام بقتل معاوية انتقاما لصديقه بعدما عرف أنه من قام بقتله

المكان في الرواية  :

تدور الرواية في بغداد حاضرة الدولة الإسلامية ، دارات معظم المشاهد في قصر الخلد وهو مركز الحكم  يقع في قلب بغداد .

الوصف في الرواية :

الوصف هو الأداة المثلى التي تستخدم في النص السردي ،فالوصف هو الذي يدخلنا  إلى تفاصيل المكان بأشيائه وظواهره وجزئياته و”قد نستطيع الحصول على بعض المقاطع الوصفية المستقلة  عن السرد  ،لكن السرد لا يمكن أن يكون مستقلا عن الوصف

تطبيقات للوصف داخل الرواية :

وصف الكاتب على لسان الراوي عرش الخليفة فقال “وجلس على كرسي العرش بفرائه الأخضر والعرش محاط بقضبان  الذهب ومرصع باللؤلؤ والياقوت والجواهر وأعلى العرش قبة ذات الوان فاتنة…. الى آخره ص11 نرى هنا مدى دقة الوصف وتعبيره عن الغنى الذي وصلت إليه بغداد في هذا الوقت حتى يلبس الخدم ثيابا مطرزة بالذهب.56

3- كأنها شمس جديدة…تتهادى خيول المهدي وحراسه على شاطيء النهر ومياه النهر تركض فرحة، وغزالة لا يخدعها موكب الخليفة فتجري لتنجو بنفسها ،لم تعلن الإذعان فأفلتت بنجاح،وحكت لإخواتها ماكان ،فليس كل من يقاوم الموت يموت ، والسيوف لا تحصد كل الرؤوس، والجبروت له كبوات،والخوف أول أبواب الموت،لكن المهدي أفلح في اصطياد أخرى،ثم ثانية”ص165 نرى هنا وصف رمزي وإيهامي  فهو يمنح الوصف وظيفة رمزية عن مواجهة الموت

اللغة :

استخدم الكاتب لغة وصف تصويرية بالغة الترتيب والجمال تجعلنا نشعر أننا داخل الأحداث ونعيش معهم داخل الرواية من ذلك مثلا طريقة كلام الشخصيات ،شعورهم،مجالسهم

“استقبلني الربيع ووجه ملون بالحزن والغضب معا “ص85

“سأل المهدي الربيع في كلمات مضفرة باللوم”ص10

الألفاظ  سهلة وبسيطة وواضحة لكن الكاتب في نفس الوقت التزم اللغة الفصحى لتناسب العصر الذي يكتب عنه لكن نادرا ما نجد شيئا من العامية كما جاء على لسان الخليفة المهدي “القط يحب خناقه”ص87

الخيال وأساليب اللغة بدا ممتعا فتلك الأحداث واستخدام العراف لاستقراء المستقبل جعل القارئ يعمل ذهنه للاستنتاج والبحث عن تفسير ما يقوله

الفكرة كانت واضحة جدا وهي الدم وكانت الرواية مليئة بالمعلومات والحقائق التي تنم عن سعة اطلاع كاتبها ،كمامزج الكاتب بين الحقيقة والفنتازيا من خلال مشاهد العرافة والحقيقة من خلال أحداث تاريخية

والأمثلة على ذلك كثيرة جدا فكانت اللغة تصويرية بديعة

السرد :

السرد في الرواية وسيلة فنية يلجأ إليها الكاتب لتقديم عمله الروائي إلى القارئ في لغة أدبية تنطوي على جانبي الإثارة والإفادة .

السرد في رواية دماء جائعة :

يجب التنويه أن  السرد في الرواية معتمد بدرجة كبيرة على التقنيات الدرامية فالرواية تقوم على المشاهد والحوارية بين الأشخاص بشكل كبير فالرواية تتكون من ثلاثة وعشرين مشهدا  اتسمت بالترتيب الزمني للتاريخ

  • الحوار الخارجي :

أكثر التقنيات حضورا في الرواية ، فهي قائمة على الحواربين شخصيات الرواية  بشكل كبير  والحوار يضفي على النص نوعا من الحركة  مثال ذلك : مشهد قتل خالد للوزير معاوية ص131،132

“قال معاوية بحروف متآكلة مرتعبة : ماذا فعلت لكي تقتلني ؟

-ألم تقتل أحدا من قبل؟

-لم أقتل غير الزنادقة

-ضحك خالد في مرارة ،وكيف عرفت أنهم زنادقة؟هل قرأت ذلك على جباههم؟

-التحريات…تحريات الشرطة

-لقد قتلت زنديقا ليس زنديقا،ولم تعطه حق الدفاع عن نفسه

-قرار القتل يباركه المهدي ويأمر به

لن يفلت،لكنك من ينفذ وتملك القرار الأخير

-وأنت الآن تملك القرار الأخير، وبوسعك أن تصفح …دعني وشأني ربما أجرى الله لك على يدي خيرا لا تعلمه  لقد كنت سجينا ثم أصبحت كبيرا للوزراء

-إذا اعدت شيبيوب من القبر ،صفحت عنك ، إنك ترشوني بما لا تملك وحين تملك تصبح ذئبا كريها

-كلا ..كلا

إلخ….”

2-الحوار الداخلي (المونولوج):

إلى جانب الحوار الخارجي الذي يكون بين شخصيات الرواية يوجد الحوار الداخلي أو مايسمى بالمونولوج وهو ما تتحدث به الشخصيات نفسها و قد وجد هذا النوع من الحوار بشكل كبير داخل الرواية ،كان يكشف به الكاتب عن المحتوى النفسي للشخصيات ومايدور حولها من الانفعالات

من ذلك في مشهد (أنا وأنا )ص10،11

“لكنني أحس أنني سارق،

إنها بداية ملتبسة، فالعدل ليس تاجا نلبسه عند الضرورة

-لحظة لحظة…هناك فخ أكبر…أليس الشعب هو صاحب الاختيار الأصيل؟

-معذرة أبي نسيت أنك أكبر من الشعب كله،وعلى الجميع أن يخضع وأنك ظل الله في الأرض”

فالحوار السابق ناشئ عن صراع نفسي داخل المهدي يكشف به الكاتب عن أحاسيس الشخصية وعواطفها تجاه الحكم والعدل ويكشف لنا الحوار عن اهتزاز المبادىء لديه .

الاستباق :

تقنية الاستباق تأتي بشكل مناقض تماما من تقنية الاسترجاع ، حيث يلجأ الشاعر إليها لينقل أحداثا ستقع في المستقبل قبل حدوثها فالاستباق هو ذكر حدث قبل وقوعه والإخبار عنه ، ويكون في الغالب على لسان السارد العاليم لكن كاتبنا قد استخدم شخصية العراف أو المنجم وهي شخصية كانت موجودة بشكل كبير في هذا العصر .(  ص98،99)

” أقبل العجوز الذي عاجله الهادي بطلب غير برئ، أمره بأن يبدأ بقراءة أحوال القصر في المستقبل ..

– نهران متجاوران، بهما سائلان مختلفان، أولهما أبيض والثاني أحمر، لا يلتقيان، الأبيض يجف حينا ويمتلئ في معظم الأحيان، أما الأحمر فلا ينقطع له جريان.

سأل هارون:

– وما نصيبي منهما.

– لكل حاكم منهما نصيب إلى آخر الزمان.

نطق الهادى :

– لا تكتم أمرا، أفصح فنحن أخوان

– أرى في البعيد، ما تشيب له الولدان، ومن الصين وجوارها تنطلق حشود الفرسان. يقتحمون بلاد العرب، والدماء بحور، وبعد سنين وسنين يصيب العالم الجنون، وتقوم حروب ضحاياها بمئات الملايين وبعد ألف وثلثمائة عام تسرق مياه النيل، ويجري فيه العطش والعويل، والناس في الشرق والغرب، والشمال والجنوب، كالدجاج المريض يتساقطون، تشيعهم ضحكات الطغاة إلى القبور في العراق والشام وفلسطين ومصر واليمن والحجاز ..

اختنق الهادي بكلماته الذبيحة:

– كفى .. أوجعت قلوبنا.

جزع العجوز وصمت. ”

…………………..

أيضا  نرى ذلك في بداية مشهد “المهدي يقول ”

“شعرت بحاجتي إلى إجازة قصيرة للعقل لأسمع صوت المستقبل من العجوز حتى وإن كذب “ص164

وحكى له  الحلم الذي رأه  وطلب من العراف تفسيره وقد تحقق بعدها بعشرة أيام بموته ص 150،151

” – هل هو حلم عن الماضي.

– كلا .. إنه يفسر ما سوف يكون، هذه الأحصنة أناس قريبون منك، لكنهم يكيدون لك، أما الحصان الأسود فهو أنثى تكرهك، ولا شفاء من كراهيتها..

– والبحيرة التي ظهرت فجأة

– إنها دماء من يصاب.

– من هو؟

– قد يكون أحدا يشبهك.

– أنا فقط .. أشبه نفسي.

التزم العجوز الصمت، فتيقنت من دلالة الإجابة .. قلت له:

– على لسانك كلام كثير حبيس.

– نعم .. مولاي .. أقول: الحية تلدغ من مكان قريب، والأقربون مكانا أو نسبا يجيدون التصويب .

قلت وقد داخلني خوف بارد:

– غدا يا شيخ، يحدث زلزال في القصر..”

التناص التاريخي في الرواية :

التناص التاريخي يعني”تداخل نصوص تاريخية مختارة ومنتقاة مع النص الأصلي للرواية تبدو منسجمة لدى المؤلف مع السياق الروائي أو الحدث الروائي الذي يرصده ويسرده، وتؤدي   غرضا   فكريا   أو فنيا     أو كليهما معا”.

يتكون النص التاريخي غالبا  من أحداث ترتبط بأزمنة وأمكنة محددة ، لا بد أن تقودها  عناصر إنسانية، ومن  هنا تكتسب أهميتها وتجلي  عنصر من العناصر التاريخية المذكورة في  في أي نص نثري يعبر عن وجود التناص التاريخي   ، ويستدعي مفهوم التناص التاريخي ، أي نص نثري يعبر عن وجود النص التاريخي داخله أننا لا نستطيع تخيل الفكرة  دون أن نلم بتلك العناصر في الذهن .

التاريخ وفقا لهذه الرؤى ليس مجرد سرد  للأحداث لأن الأحداث ليست هي التاريخ  إنها   اللغة أو”ثروة الإنسان”التي تستحضر التاريخ وتعيد إنتاجه  – فإن سرد الكاتب ، وتبعا لهذه الرؤية  للتاريخ ليس مجرد استعارض مكونات الواقع الزماني والمكانى، لقد اتكأ  الكاتب على الشخصيات التاريخية والأحداث التاريخية في تشكيل الأبعاد الدلالية

التناص في الرواية :

رواية دماء جائعة هي رواية تاريخية فسرد فيها الكاتب  عن زمن العصر العباسي في فترة محددة فيه وهي فترة حكم الخليفة المهدي وهناك أمثلة تدل على تغير الأحدااث التاريخية داخل الرواية بما يناسب الوقت في تلك الفترة مثل حادثة مقتل كبير الوزراء على يد خالد والذي هو في الأساس شخصية متخيلة

ظهر السرد المغاير أيضا في حادثة قتل الخليفة المهدي فكتب انه تم قتله على يد الجارية سلافة على الرغم من أن كتب التاريخ فيها خلاف على سبب الموت وسلافة أيضا شخصية متخيلة ولكن جاء بها الكاتب ليخدم فكرته

الصراع في الرواية :

الصراع في رواية دماء جائعة هو صراع نفسي بدرجة أولى بداية من الخليفة  وصولا  للشخصيات التي حوله ،حتى نرى أن المشهد الأول عبارة عن صراع بين الخليفة ونفسه ،صراع العدل ،صراع الملك ،صراع الدم

زوجته ريطة التي تنازعها نفسها بين حب زوجها وكراهيته بسبب اغتصاب حق أخاها في الحكم

سلافة أيضا التي أحبت الخليفة في النهاية على الرغم أنها كانت تتحين الفرصة لقتله وتتمنى أن لا يكون هو من قتل أخاها وأباها .. إنها روايةلا تغيب عن خاطر قارئها لفترة طويلة جدا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

تعليق واحد

  1. احسنتى النشر والتشويق لاستكمال القراءه حتى النهايه وكان الزمن يعود مره آخره فهو أشبه بزماننا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!