طوبوغرافيّة القصّ في مجموعة “ذيــول” القصصيّة لأمين فارس ملحس

آفاق حرة 

أحمد البزور

أمين ملحس واحدٌ من الأدباءِ المغمورين، أثبت حضوره في المشهدِ الأدبيّ الأردنيّ في بداياتِ الخمسينيّاتِ من القرنِ العشرين، ولد عام 1923م، في القدسِ، وعاش بقيّة حياته بالأردنِ إلى أنّ توفّاهُ اللهُ عام 1983م. من أعمالهِ القصصيّة: من وحي الواقع 1952م، وأبو مصطفى وقصص أخرى 1973م، وذيول 1983م، وغيرها.

 

انطلاقًا من القولِ المأثورِ بأنّ النّقد كلامٌ على الكلامِ، سنحاول في هذه المقالة استكمال القراءةِ النّقديّةِ وإضافة رأي آخر زيادةً على ما ذكرهُ هاشم ياغي في مقدّمتهِ للمجموعةِ، ذلك من خلالِ تقديمِ قراءة ثانية للمجموعةِ، واستكناه طبيعة الخطاب القصصيّ.

 

ذيول

لا بدّ في هذا المقام من التّنبيه إلى أنّ الموتَ لم يمهل ملحس في جمعِ أقاصيصِ المجموعةِ؛ فالعنوان من اختيارِ هاشم ياغي، والعنوان يقودنا إلى محورِ الدّلالةِ، فالذّيول تنصرف إلى معنى الانتشار، والامتداد، والتّوسّع.

تتكون المجموعةُ من ستِ عشرةِ قصّة، موزّعة على خمسِ وسبعين صفحة، والمتتبع لتواريخ القصص في المجموعةِ، يُلاحظ أنّها مكتوبة في الفترةِ بين 1955م ـ 1973م. على أنّ الإشارةَ مفيدة هنا، إلى أنّ المجموعةَ تتراوح بين القصّةِ والسّيرة، وما يمكن ملاحظته أيضًا، ارتهان المجموعةِ للخطابِ التّاريخيّ السّياسيّ فيما يتعلّق بصورةِ الحاكمِ العثمانيّ.

قصة “أتخن شنب في المدينة“، قصّة رامزة في جوهرها، ولا تخلو من السّخرية. إنّ محورَ القصّةِ يدور حول شخصيّة (أبو مجدو)، مدمن خمر، تراكمت الدّيون وعجز عن تسديدها، فلم يجد ميخالي صاحب الخمّارة بدًّا من تنفيذِ وعيده ورفضه رفضًا قاطعًا تقديم قطرة واحدة من الخمر.

جلسَ أبو مجدو في مقهى الحارة في حالةٍ لا تسرّ الصّديق، وكان يحسّ بنفسهِ على وشكِ الجنونِ وهو ينظرُ إلى الدّنيا شاردًا بعينينِ جاحظتين. سارَ جمهورُ المتظاهرين إلى سراي الوالي؛ ليرفعوا إلى مقامِهِ ظلامتهم، يهتفون للعدلِ وسقوطِ الظلم. ما إن سمعَ الوالي الجلبةَ والهتاف حتّى اصفرّ وامتقع وجهه. خرجَ رسولُ الوالي من السّراي إلى جمهورِ النّاسِ؛ طالبًا اختيارَ ممثلٍ عنهم، وكانت المفاجأة؛ إذ إنّهم لم يكن في الحسبانِ مجابهة الوالي في مثلِ هذا الموقف، وعمّ الحرج.. وإذ بالأنظار تتوجّه إلى (أبو مجدو) كونه صاحب أتخن شنب في المدينةِ، ولا يقابل الشنب إلّا شنب مثله، فأخذه الزّهوُ وراح يبرم شاربيه ويحيي النّاس. هبّ الوالي من مجلسه مرحبًا لاستقباله، وعندما سأله عن المطالب، لم يعثر أبو مجدو على جوابٍ وتمنّى لو يستطيع الإفلات، وحاول أن يتكلّم لكنّهُ أحسّ جفافًا في حلقه ولسانه معقودًا، وشجّعته لهجةُ الوالي بأنّه على استعدادٍ لتلبيةِ مطالبه. في هذه اللحظة، حانتْ منهُ التفاتة إلى المنضدةِ، فوقعَ بصره على كؤوسِ الشّرابِ، فحكى لهُ مشكلته مع خمّارِ المدينةِ، فانفجر الوالي بالضّحكِ الذي هزّ القاعة، وأصدر أوامر بأن يقدّم ميخالي على حسابِ الدّولةِ إلى (أبو مجدو) كلّ ما يريده من الخمر،ِ في أيّ وقتٍ يشاء دون مقابل إلى يومِ يبعثون. خرجَ أبو مجدو إلى جمهورِ النّاسِ وقد طمأنهم بأنّ كلّ شيءٍ تمام، ودوّت عاصفة التّصفيق والهتاف حاملين (أبو مجدو) على الأعناق.

في واقعِمنطوق القصّ السّابق، تغدو تجربة أمين ملحس القصصيّة فرصة مناسبة للتّعبيرِ عن موقفهِ السّياسيّ وتوجيه سياط النّقدِ للشّعوبِ في طريقةِ اختيارِ ممثليه. وبالرّغمِ من جماليّةِ التّعبيرِ الأسلوبيّ في القصّةِ، إلّا أنّ القاصَ يفوّت على القارئ الفرصة في اكتمالها، حيث يقول في النّهاية: أمّا ماذا حصل بعد ذلك، والله علمي علمك.

 

وبالأسلوبِ السّاخر ذاته، تحفل قصّة “أنا فاهم وأنت فاهم” بالصّورةِ المضحكة؛ جاسم حمّال في سوقِ المدينةِ، معروف بصمتهِ، وصبرهِ، وجلدهِ، لم يفكّر في موضوعِ الزّواجِ؛ فالعين بصيرة واليد قصيرة والفلوس التي يجمعها لا تكفي لسدّ رمقه ورمق أمّه العجوز. فكّر جاسم في الفتاةِ التي تسرُّ خاطره، في مقابلِ ذلك فكّرَ بأمّه، ووجدَ نفسَهُ في صراعٍ عنيف. اتخذّ قرارًا نهائيًا بأنّه لن يعطي أمّه فلسًا واحدًا بعد اليوم، فلها الله، وهو كفيلٌ بعبادِهِ. جنّ جنون أمّ جاسم حين انقطعَ عنها مورد رزقها الوحيد، وعجبتْ أشدّ العجب من هذا العقوق المفاجئ! ولم تستطع أن تجد لهُ تفسيرًا، كما لم تنفع توسّلاتها لجاسم ودعواتها لهُ وعليه ولا وساطة الجيران والأصدقاء والأقارب، ولم تجد مناصًا من الالتجاءِ إلى والي المدينةِ تشكو لهُ عقوق ابنها. كان الوالي مرهوبَ الجانبِ، يقبضُ على زمامِ الأمورِ بيدٍ من حديدٍ لا تعرف الرّحمة. غضب الوالي أشدّ الغضب، وصرخَ صرخةً مدوّية، قائلًا: هذا لا يجوز شرعًا، وعرفًا، وذوقًا، وتلا قوله تعالى: واخفض.. واخفض واخفض. لم تسعفهُ الذّاكرة في معرفةِ بقيّةِ الآية، فالتفتْ إلى الملّا عبد الحفيظ الذي يلازمه، وقد غالبه النّعاس وأفاق مذعورًا على لكزةِ الوالي صائحًا: ألا تعرف ماذا يقول الله في كتابهِ العزيز؟ فسارعَ الملّا إلى القولِ: واخفض لهما جناح الذّلِ من الرّحمة. بلعتْ أمّ جاسم ريقها من الخوفِ حين سألها عن ابنها، وعمله، ومكانه. صفّق الوالي بيديه، فهبّ قائد الجندرمة تنفيذًا لأمرَ الوالي بأخذ المرأة لتدّلهم على ابنها والقبض عليه حتّى ينال عقابه. خرجت أمّ جاسم من السّرايا محاطةً بثلّةٍ من الجندرمة الأشدّاء، وأخذت تقلّب كفّيها مستشعرةً النّدمَ على ما أقدمت عليه. رأتْ ابنها مسندًا ظهره على جدارٍ في نظرةٍ ملؤها العطف والحنان. عبثًا حاولت الهرب والإفلات من الجندرمة المدججين بالسّلاحِ، إلى أن وقع بصرها على أحدِ الحمّالين مشيرة إليه. انقضّ الجندرمة على الحمّالِ المسكين، فأذهلته المفاجأة وصرخ مذعورًا لا يدري ما الخبر. مَثُل الحمّال مندهشَا ومتعجبًا بين يدي الوالي وهو يرتعد خوفًا. أقسم الحمّال بأنّها ليست أمّه وقد ماتت بالأمس، فغضب الوالي وصرخ في وجهه مزمجرًا: تتمنّى موت والدتكم أيّها الولد العاق والكذاب، وأمر بجلده عشر جلدات، وعندما لم يعترف بأنّها أمّه أمر بجلده عشر جلدات أخرى إلى أن استسلم للأمرِ الواقع. أصدر الوالي حكمًا بأن يحملها على كتفيه ويدور بها في جميعِ أسواقِ المدينةِ؛ ليكون عبرة. اتّسعت حدقتا صديقه حميد عجبًا ودهشة يسأله عن المرأة التي يحملها، فأجاب بأنّها أمّه. ردّ صديقه: أمّك ماتت بالأمس ودفنّاها. نظر إليه، وقال: أنا فاهم وأنت فاهم لكن روح فهّم الوالي.

 

تشكّل السّخريّة مدار قصّة “الفنّ للفنّ“؛ عبّاس مشغول في حقلِ فنّ التّمثيلِإلى حدّ الهوس والجنون. جمعَ نفرًا من أصدقائه وأطلق عليهم اسم “فرقة النّهوض بالمسرحِ في المشرقِ”. كان يشتغل في إذاعةِ رواياتِ تمثيليّة من الرّاديو، وكثيرًا ما واجه صعوبات في إيجادِ فتيات يتنازلن فيقبلن التّمثيل. وسبب اعتزاله التمثيل بأنّه حدث يومًا تعيين لفرقته رواية فيها دوران نسائيّان، وقد باءت جميع محاولاته لإيجاد فتاة ثانية بالفشل.

ما إن توجّه عبّاس إلى بيت الممثلة الأولى عطيات ليخبرها إلغاء الرّواية، وإذ عثر على فتاة جميلة جالسة وهي الآنسة لوسي، جاءت لتقوم بالدّور النّسائي الثاني في الرّواية. نظر عبّاس إليها وإذ بسذاجتها تظهر جلية في فرحها، وليس لديه الوقت الكافي لتدريبها، فالأمر متروك إلى حسنِ تصرّفها ومقدرتها. جاء دور لوسي وأخذت تمثّل. أحسّ عبّاس بدوارٍ، وودَّ لو أنّ الأرض تنشق وتبلعه من سخفِ تمثيلها، إضافة إلى أنّها لم تكن تجيد قراءة العربيّة. لمّا أنهت تمثيلها، انتظر عبّاس رأي المسؤول؛ ليحكم على إعدام الرّواية! وإذ به يثني على الآنسة لوسي دون أن ينال أحد ممثلي الفرقة أدنى كلمة ثناء وتشجيع إلّا المدمزيل لوسي. وما كاد عبّاس يغادر محطّة الإذاعة حتّى رفع يديه إلى السّماء قائلاً: اللهم إنّي أتوب إليك من الاشتغال بالتّمثيل.

وإذا ما أعدنا قراءة عنوان قصّة “الفنّ للفنّ” قراءة معرفيّة، سنلاحظ أنّه من الواضح في مضمون القصّة، أنّها تحمل نقدً معارضًا على فكرةِ الفنّ للفن، على أنّ الإشارة مفيدة هنا بأنّ الفكرة مستوحاة من المذهب الفنّي الذي ينادي باستقلالِ الفنّ؛ بحيث إنّ الأدبَ في ضوءِ ذلك يصبح غاية في ذاته وليست وسيلة للتّعبيرِ.

 

تظهر صورة السّلطة العثمانيّة المتمثّلة بالحاكم ظاهرة للعيانِ في قصّةِ “السّجين الطّليق“، وفي رغبتها وضع رعاياها، خاصّة المعارضين، في حالةٍ من الإذلال والطّاعة، وتغدو أداة سهلة في متناول السّلطة. قصّة تتحدّث عن شيخٍ جليل، لهُ مكانة ومحبّة في نفوسِ النّاس، وصاحب فضل وعلم. ومهما تعاقب على المدينةِ من حكّام، لم يسبق أن خرجَ للتّسليمِ عليهم، ولا ينصاع لحاكم. في يومٍ من الأيامِ، قدم إلى المدينةِ حاكمٌ تركي، فهرع الأعيانُ والوجهاءُ وذو المكانةِ لاستقباله ورفع آيات الولاء والإخلاص، ولمّا سأل الحاكمُ رئيس ديوانه فيما إذا بقي أحد في المدينةِ لم يقدم إلى السّراي للتّسليم؟ أجابهُ بأنّ الشيخ عبد الحقّ تخلّف عن الحضورِ دون سائر النّاس، وقد أسدى إليه النّصيحة بألا يسيء للشّيخ؛ لأنّه سيستفزّ مشاعر النّاس. عزم الحاكم على إحضاره بنفسه لا بالجندرمة ولا بالقوّة. كتب رسالةً وأمر أحد رجاله تسليمها إلى الشّيخ، ولم يمضِ وقتٌ طويل، حتّى شوهد الشّيخ مهرولًا وغاضبًا صوب السراي، في دهشة واستغراب من الحضور! فقد أصدر الحاكم على الشّيخ حكمًا بالسّجن مدّة سنتين كاملتين في بيته.

 

قصّة “ذيول” تومئ إلى أساسٍ خفي، وترمز إلى خيبة التّوقع والاستغلال، وتنهض على ثنائيّة الاقتراب /الاغتصاب، القداسة /الدناسة، وتشكّل شخصيّة (حمد) الشّخصيّة المحوريّة في القصّة، حيث انضمّت عائلته إلى جموعِ النّازحين، خرّ أبوه صريعًا وهو يدافع ببندقيته عن بيته، وأرضه، وعائلته، ووطنه، ولحقته زوجته، واحتضنته أخته الكبرى مع أخته الصّغرى تحت خيمة. كان  أبو عليان متعطلًا، واستغلّ أخته الكبرى هاجر، وصدّقته أنّه سيكون زوجًا صالحًا وأبًا رحيمًا لأخيها وأختها. أُكرهت الأختان على العملِ في البيوتِ وحمد في ورشة، والويل لهم إن لم يدفعوا أجورهم كاملة له. بلغ حمد أشدّه وعقد العزم على السّفرِ؛ لينتشل أختيّه المعذّبتين من يدي أبي عليان الجشع. عاد من السّفر بعد أن أمضى أربع سنوات، وإذ به يتفاجأ بما لم يكن في حسبانه، حين أشاح النّاس بوجوههم عنه. سأل أبو عليان عن أختيه إلّا أنّه لم يجبه. ولم يبق إلّا عبد السميع، وما إن بلغ كوخه حتى سمع لغطًا وضحكًا عربيدًا ينبعث من الدّاخل، فأرهف السّمع، وإذ بأحدهم يقترح أن يقضوا ليلة سمراء عند هاجر وأختها هنيّة! وفقًا لمنطوق القصّة، يغدو اللجوء والمحتل عاملاً مساعدًا في الكشفِ عن معادنِ النّاسِ، حتى وقعت الأختان ضحيّة جشع واستغلال جسدي، كما تغدو الذّيول إشارة غير خفيّة على واقع تشرّد الإنسان الفلسطينيّ وضياعه، وما يعانيه من معاناة، واضطهاد، وخذلان.

 

تقدّم قصّة “متروبوليس” عالمًا ماديًا وقاسيًا ومخيفًا، لا يراعي قيمة الإنسان وكرامته وأحاسيسه ومشاعره، ويظهر الخوف من خلالِ مصيرِ الإنسانِ المجهول، وهو عبارة عن نملةٍ حقيرةٍ تسحقها عجلة متروبوليس مع المسحوقين.

وتوجّه القصّة نقدًا للحضارةِ الغربيّة، وتبرز القصّة ما تعرّضت له سونيا ذات السبعة عشر ربيعًا من بؤس، وإحباط، واكتئاب، وحزن، واغتراب، ووحدة، ويأس، وضياع.

حسبنا أن نلاحظ ملامح السّيرة الذّاتيّة في قصّةِ “جيوب خاوية“، وتتأكد الملاحظة أكثر لو تمعنّا القصّة وصوت المؤلف الأكثر حضورًا في التّعبير. إنّ عنوان القصّة لا يخلو من دلالة العوز، والفقر، والحاجة؛ حيث تظهر القصّة جانبًا من تصاريف القدر وعجائبه، وحالة الإنسان الّذي يعيش ضمن ظروف قاسية؛ بحثًا عن فرص العيش والعمل.

تمثّل طبوغرافيّة قصّة”نظرة ملؤها الأمل” امتدادًا للقصّةِ السّابقةِ شكلاً ومضمونًا، من حيثُ ارتكازها على السّيرةِ الذّاتيّة.

إنّ المتأمّل في طبوغرافيّة قصّة “عيد جديد” يستنتج -إلى حدّ ما- اشتراكها مع قصّةِ “ذيول” شكلاً ومضمونًا، بحيث تقيم القصّة بناءها السّرديّ على التّداخلِ بين الزّمانِ والمكان، حيث الحضور والغياب/ المخيم والوطن.

تدور أحداث قصّةُ “أبو السّعيدين” في زمن الحكم التّركي، وتتذرّع بشخصيّةِ أبي السّعيدين السّاخرة؛ لنقد واقع النّاس المعاش، حيث الفقر والجوع. إنّ قصّة “مصير” قائمة على السّرد بضمير الغائب، وتتناول القصّة نهاية الطّبقة المخملية، وتلاشيها وسقوطها الأخلاقي، تلك الطبقة التي تملك المنصب والمال في مقابل استحقارها الشّديد للطبقة الخامّة والمتمثّلة بالفقراء.

إنّ فضاءَ العلاقة في قصّةِ “قبضاي” امتداد لقصّة “أثخن شنب” في بنائها القصصي، حيث تتأسس على التّناقض والسّخرية، حيث إنّ (أبو شدّاد) قبضاي الحارّة، ومرهوب الجانب، إلّا أنّ الحقيقة عكس ذلك.

تعرّف (أبو شداد) على حمد الله، رجل شاحب، رزي الهيئة، في المهجر، وبحكم أنّ حمد أمضى زمنًا طويلاً، أخذ يسدي لأبي شدّاد النّصيحة بالإقلاعِ عن عاداتِ القبضايات في المهجرِ، والرّجولة ليس في طولِ الشّاربين ولا بالنّفخةِ والصّوتِ العالي. لم يسمع أبو شدّاد النّصيحة. تعرّض أبو شدّاد في المهجرِ إلى الضّربِ من شابٍ نحيل حتّى شارف على الموتِ، وتوسّل إلى حمد ألّا يبوح لأحدٍ بما جرى. عاد أبو شداد من سفره إلّا أنّه لم يقلع عن عادته. ارتعد أبو شدّاد خوفًا لمّا رأى حمد وأراد أن يقتله غدرًا؛ كي لا يفتضح أمره؛ فيفقد هيبته بالحارة، وما إن تنبّه حمد لأبي شداد ونذالته وتلاقيا وجهًا لوجه، حتّى طلب حمد من أبي شدّاد مبلغًا من المال، وما كان من الأخير إلّا أن ينصاع لأمره.

وفي النّهاية، نذهب إلى أنّ طوبوغرافيّة النّصّ في مجموعةِ “ذيول” القصصيّة لأمين ملحس، شكّلت ما يشبه التّأريخ؛ بحيث ألقت مزيدًا من الضّوءِ على واقعِ الحكمِ والسّلطة العثمانيّة، أضف إلى ذلك، ظهر الطّابع السّيريوالحكائيّ بشكل غير خافٍ في المجموعة، كما أنّ موضوع السّخرية في بنائه المفارق والمتناقض، حاضر في القصصِ جليًا وخفيًا.

  • باحث وناقد مستقل ـ الأردن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر

أمين ملحس: ذيول، منشورات رابطة الكتّاب الأردنيين، عمّان، 1983م.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!