فهم الرواية (مقال)  بقلم. إبراهيم سبتي. العراق

لصحيفة آفاق حرة:

 

فهم الرواية

(مقال)

بقلم. إبراهيم سبتي. العراق

 

  • ثمة سؤال جوهري يوجهه القارئ او الناقد بعد الانتهاء من قراءة الرواية : ما الذي اراد قوله الكاتب في روايته ؟ هذا السؤال سيجّر الى اسئلة كثيرة ومعطيات على الكاتب ان يفهمها قبل الشروع بكتابة روايته وعليه ان يدرك بانه سيكون بمواجهة امام قارئ وناقد وفضاء من التحليل والتشريح لما كتب . ان فصول الرواية التي تغرق في طرق واروقة ومتاهات ودهاليز، وتتشابك فيها الاحداث وتتعدد الشخصيات وتتوالى الامكنة وينتقل فيها الزمن من حال الى حال . كل هذا يضع الكاتب امام اختبار الموهبة وقوة السيطرة والتركيز على سرده ، ولكنه قد تفوته الغاية والاهداف التي يرمي اليها من كل ذلك . ان انجح الروايات هي التي تنساب احداثها بشكل مريح وتنقل قصد الكاتب وما يريد قوله فيها مما يمنحها بعدا جماليا وفهما لمجرياتها على مستوى القراءة او النقد . لقد قرانا الكثير من الروايات بل الكثير جدا ، وميّزنا بين الروايات المكتوبة لغرض الكتابة واثبات الوجود ليس الا ، وبين تلك التي تمنح المعنى والقصد والهدف الذي نبحث عنه . وبالتالي فان الروايات التي تكتب لغرض تسويد بياضات الورق وتأخذ وقتا وجهدا من الكاتب ، ربما لا تعطي الفهم الواضح المتوخى منها وستؤول الى رفوف المكتبات دون ان يلتفت اليها اي احد . ان هذه المحنة التي نجدها قد لا تعطي الكاتب حقه رغم كل ما كتبه ولا اعتقد بانه يستطيع معالجة الامر بعد ذلك لانه لا يستطيع ترميم جسد الرواية المنقوص . فيما تكون الروايات التي تنتج افكارا ومعطيات ونواتج واضحة ونهايات مفهومة واسئلة لقضايا معينة ، هي التي ستقرأ بشغف وستبقى في الذاكرة لمدة طويلة وسيكون الكاتب قد حجز له مكانا في قائمة الكتاب المتميزين . فلو عدنا الى سيل الروايات الهادر المكتوبة منذ عقود وحتى اليوم ، سنجد ان تلك المكتوبة بنفس واضح وسرد سلس وميسر وسهل وواضحة الفكرة ، هي الباقية في الذاكرة ، لأنها ستعطي فسحة من التخيّل لدى القاريء وتغرقه بالفائدة على اساس العاطفة المتبادلة وقوة البناء وتفعّل العقل والتفكير وايجاد الاجوبة لكل ما طرحه الكاتب. واعتقد بان الافكار والرؤى المتزاحمة داخل السرد دون تبويب او توجيه او ترتيب وبلا صراع معروف ، ودون ان نعرف كنه المقصود منها ، ستكون مجرد سرد لا يعطي متعة القراءة المنتظر منها ومضيعة للوقت ولا يتعاطف معها القارئ او ستمنحه فسحة من الخيال التي يرغب. ان حجم الرواية والتي تدخل في متاهات من اللغة الباذخة والمشاهد الكثيرة والاحداث المتزاحمة وكثرة الشخصيات ، لا يعني بالضرورة ان تكون الرواية متميزة او ستدخل قائمة الروايات الخالدة ، مالم تكن مفهومة من قبل الكاتب اولا قبل القاريء او الناقد لأنها يجب ان تدخل حيز المضمون المكشوف الواضح والمقبول قبل اصدارها . ان الرواية باعتبارها احدى فنون الكتابة السردية التي يعصر فيها الكاتب افكاره وموهبته من اجل انتاج متميز ، ينتظر منها ان تفتح النوافذ والدروب ، للحياة والواقع الاكثر جذبا ، اضافة الى حوارا تها الممتعة الساحرة وتنوع الامكنة التي تتجول بها والازمنة المتغيرة وفق تجدد المشاهد . ناهيك عن انها تمنح الية خاصة لإطلاق الخيال والحلول وتوقع النهايات .. انها روايات تخاطب العقل وتفكك دهاليز الغموض وتحلل النوازع البشرية وتضيف الاشياء الجديدة التي يتمنى القارئ ان يجدها ويتمسك بها وتأخذه بعيدا للتفاعل والتعاطف مع الشخصيات حتى بعد انتهاء القراءة . حتى ان بعض الروايات الان توجهت نحو السرد المحمل بالمعلومات وفك الاحجية والالغاز التي تضيف للقاريء واقعا لم يألفه من قبل ، تجعل منه مشاركا في وضع الحلول ومعرفة الاجوبة التي يبحث عنها اضافة الى انها ربما تكون محملة بفلسفة خاصة تعكس الوجه الآخر للكاتب وتجعل منه كائنا موجودا بأفكاره واسئلته بين ثنايا سرده .

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!