قراءة عاشقة تحليلية لقصيدة:”عند باب المذهبية”،للشاعرة: فلورا قازان…الناقد: أ./ محمد المهدي \( الجزء الرابع )

عند باب المذهبية…؟

ماذا بإمكان الشاعر أن يفعل ؟
أيغض الطرف ؟ موقف الحياد السلبي مستحيل…
أينغمس في الصراع ؟ أيتعاطف ؟ أيندد؟ أيكتفي بالتصوير ؟
أهو مطالب بتقديم الحلول والتغيير ، واقتراح البديل ؟
بصريح العبارة ما موقف الشاعر مما يدور في المجتمع ؟

 
لقد شارك الشعراء ، منذ القدم ، في معالجة المشاكل والقضايا التي شغلت أذهان الناس في مجتمعهم ، وحاولوا شرح جوانب منها ، وعبروا في أشعارهم عن آمالهم وآلامهم وهمومهم في الحياة.
ونلاحظ أن هذه القضايا التي عبروا عنها، ما هي إلا أمور إنسانية عامة عرفها بنو البشر على اختلاف وتفاوت في اتساع هذه المعرفة، وعمقها ، حسب اختلاف الزمان والمكان ، وحسب التكوين الاجتماعي والفكري.
وقد التقى الشعراء العرب بكل شعراء الإنسانية في التطلع إلى الخلاص من هموم الحياة وأثقالها ، وتجنب الألم ، و في محاولة لبلوغ السعادة والهناءة في الحياة.
وأعني بهذا أن الشعراء قد شاركوا في معالجة مسائل كانت منطلقا لمبادئ أساسية في تنظيم المجتمع الإنساني ، كالحفاظ على الحياة والدفاع عن حرية الإنسان وكرامته ، وتحقيق الخير والسلام بين الناس ، وتوفير أسباب العيش الكريم ، وتتييث مفهوم العدل والإنصاف .
وعلى هذا يمكن القول بأن الشاعرلا ينبغي له أن يكون غافلا عن قضايا مجتمعه ، بل هو مطالب بالإحساس بها ،والتعبير عن رأيه منها ، ومواقفه حيالها، بالاعتماد على تجاربه الخاصة، فهو اللسان الناطق في التعبيرعن فكر
المجتمع وشعوره ونبضه .
ولعل الدافع الأساس إلى التجمع والعيش معا ،
في تساكن وأمان، هو فكرة الإتحاد والتعاون والتآزر أمام المتاعب والملمات ، والتناصر اتجاه العدو المشترك، للحفاظ على حياة الأفراد من الهلاك ، ودرء المخاطر عن الأرواح والأموال .
فما سبب ظاهرة الصراع والخلاف بين الأطراف داخل جسد مجتمع معين ؟

أقول بإيجاز إن السبب مرده إلى غياب السلطان ، أي انعدام ،أو ضعف سلطة الدولة الحاكمة ،التي تضبط أمور الناس، وكذا الصراع العربي الإسرائيلي…
أما العوامل التي تدفع مختلف الأطياف إلى الخلاف والصراع فكثيرة ، ولكنها تنبع من مصدر واحد هو غياب السلطة المركزية.
وسأعمل على ذكر هذه العوامل:

عامل السفاهة والعدوان ، أي تعدي القوي على الضعيف؛
وعامل البغي والظلم والسعي إلى التسلط والنفوذ؛
وعامل الرغبة في الاستئثار بموارد الحياة.
وعامل الطمع في انتهاب الأموال والخيرات.
وفي كل هذه الحالات والعوامل التي ذكرتها وغيرها من العوامل التي لم أذكرها ، يكون هناك فريقان في الخلاف، أو فرقاء وطوائف متضامنة ، الفريق المغير القوي ، والفريق المغار عليه الضعيف.والنتيجة دائما هي التنازع والصراع الدائم…
فتذهب بهم المذهبية كل مذهب.
وتطوح بهم الطائفية والعصبية ، فيتناحرون وتطاحنون. والعدو يتربص بهم الدوائر ، ويزرع بينهم بذور الفتنة والتفرقة ، فأصبح من المتفرجين على ما آل إليه حال العربان، من بلاد الشام إلى الخضراء، مرورا ببغداد فاليمن وليبيا…

في هذا الفلك تسبح قصيدة شاعرتنا الملتزمة ،
عند باب المذهبية…

الذات الشاعرة المرهفة في صراع ، وعدم توافق مع الواقع.ويتجلى هذا واضحا ، في ثورتها وصراخها ، في وجه من أوقفها ، بنبرةمفعمة بالصرامة والتحدي.وكأن الشاعرة لا حق لها في الخوض في المسائل السياسية.
والحق أن أهل الثقافة والفكر مطالبون بالقيام بدور الموجه للسياسة ، وتنوير المسار لها ، فحال البلاد والعباد موضوع يخص المجتمع بكل مكوناته وأطيافه.
قرار الأمر بالوقوف عند باب المذهبية أمر مرفوض ومردود…
كيف يراد بالشاعرة الوقوف بذلة ووقاحة ، رافعة للراية البيضاء !
الوقوف والتوقف موت وإذلال…والعبور … إطلاق الرصاص…
وكان رد الفعل جريئا وحازما…بل قف أنت يا لعين ؟!
انت تجهل من أكون ؟ ومن تكون ؟ ياربيب …
ما انت إلا ربيب في هذا البيت…أمك مطلقة أو ميتة …
ولست ابن الزوج الثاني لأمك…
فلا تقترب مني ولا تحاول المس بحرية الفكر والتعبير.
ولا التنكيل بحملة القلم والفكر النير.
فمواقفي وأفكاري حمم بركانية و رمال متحركة تبلع كل من حاول الدنو منها…جريئة انا لا أخشى لومة لائم….أعبر عن أفكاري أنى شئت وكيفما شئت …
أنا رمز الحرية .ألا تعرفني ؟!
أنا كيلوباترا على عرش الدمار استويت ،
مستعدة للقضاء على أي تسلط ، ثائرة.
وكيف لا أدمر وأخرب وأنا والأوجاع توأمان،
حملت أوزارها وإثمها ، ثمنا للسكوت…
طفح الكيل ، ووصلت إلى درجة الإعياء والانهيار.
فاض التنور واستيقظ البركان الذي تظنونه نائما ، غارقا في سباته….أنا تكملة الحلقة واللبنة الناقصة لاكتمال البنيان.
أنا من خونة التاريخ …
انا الأندلسية ، الفردوس المفقود، الغانية ، الإغريقة / رمز الحضارة وانهيار صرح المذهبية … أنا الفتنة والبلد غارق فيها إلى أذنيه، وانا الحنكة تولدت عن تجارب اكتسبتها وصقلتني وعلمتني الحكمة …
وانا الشائعة المنتشرة كالنار في الهشيم ،
أنشر الفوضى على رؤوس الأقطار…
إنها فوضى بناءة تثور على الواقع ،
وتنثر رماده مع الرياح لتحتفظ بالنور ، تضئ به دروب الوطن المظلمة ،من جراء تبعات الصراع والحروب الأهلية…
ولكل أمر أبواق دعاية ، وللحروب طبول تقرع ،في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.وما أكثرها !…

ما المطلوب من الشاعر ؟
الالتزام واستنهاض الهمم ، فهو الناطق باسم القبيلة،
والمنافح عنها قديما وحديثا.
فكيف بنا نطلب منه الوقوف عند الباب، والتخلي عن دوره؟!
السلطة تسعى إلى تكميم أفواه الشعراء ، حرصا منها على إخراسهم ، لا لسبب سوى أنها تعلم ،علم اليقين، أن الكلمة سلاح دمار شامل ، وأداة تحريض ووسيلة تغيير ناجعة…
أما عن الاعتراف بحقوق الشيطان. فمن هم هؤلاء الشياطين ؟
هم مشجعو المذهبية والإرهاب …
الشعر صواعق نار في وجه السماء ، و ضد كل التعاليم والتعليمات، والإملاءات والولاء والانتماء والأمالي…
أنا لبؤة هائجة !….وويل لمن يدنو من العرين .مفقود أشلاء،ممزق كل ممزق.
وأنا شاعرة رقيقة المشاعر ، شجاعة القلب أدافع عن حقي ، وحقوق كل الناس في حرية التعبير…
وأنا جبار طاغية ومتمردة. سعوا إلى إذلالي. وقد عرفوني…
وذاقوا من أسلي وعسلي …بعد أن حاولوا حصري في زاوية الطاعة العمياء والخنوع والانحصار في الظلام الدامس…
ومن أخبرك أننا نريد تنوير عقول الشعب؟!
اتركيه في جهالته وظلامه ينعم.
ناموا جياع الشعب ناموا…..ما فاز إلا النوم….؟!!!…
حتى وإن سجنتموني جسدا في حدود الوطن ، ففكري نور يتسلل عبر ثقوب العتمة ، لتنوير العقول ونشر الوعي.
وأنتم ترونه سما ،وهو كذلك، مادام سيكون سببا في وضع حد لحياة العبودية والاستبداد. ويتمخض فتتولد منه أضواء وأنوار وسلام وحرية وأمان…

ماهي الدلالات الرمزية للأضواء التي تحدثت عنها الشاعرة في النص ؟ من أخضر وأحمر وأسود ؟
هذا ماسأتناول بعد حين….

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!