قراءة على رواية (دوامة الأوغاد – لمحمد فتحي المقداد) بقلم الأستاذ أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة:

 

قراءة في رواية : دوامة الاوغاد.

الكاتب: محمد فتحي المقداد.

الناشر: دار عماد للنشر والتوزيع – عمّان

ط١/ ب د ف/ ٢٠١٦م.

 

محمد فتحي مقداد روائي سوري، ينتمي للثورة السورية، كنت قد قرأت له روايته الطريق الى الزعتري وكتبت عنها. هذه الرواية الثانية التي اقرؤها.

دوامة الاوغاد، رواية تعتمد أسلوب السرد على لسان راوي للحدث من خارجه، والرواية تتابع الحياة في قرية سورية لا على التحديد “أم الخنافس”، كقرية سورية نموذجية، تكاد تكون الرواية سجلّا مفصلا عن أهل القرية، أغلبهم ان لم يكن كلهم. يعمل أهل القرية بالزراعة، وهي صغيرة والكل يعرف الكل، ولا أسرار فيها، كل شيء تحت مجهر المتابعة من رجالها ونسائها وأطفالها. زمان الرواية هو ستينات القرن الماضي، حيث يستشف ذلك من التحركات العسكرية على الحدود مع الكيان الصهيوني قبل حرب حزيران ١٩٦٧م. أهل القرية منغلقين على أنفسهم، وعلى حياتهم الخاصة، يكادوا يظهرون منفصلين و منعزلين عن باقي المجتمع السوري، وكأنهم مكتفين بحالهم وقريتهم. فيهم “النمس” الكاذب المدعي، و”المنحوس” الفاشل في كل أعماله. فيهم التاجر المحترم صاحب الدكان الذي يلبي حاجات الناس المتواضعة. وفيه المدرسين الذين يمثلون خلاصة القرية وعقلها الراجح. قرية تعتد بعاداتها وتقاليدها. تحترم العشرة، والشرف قيمة عليا عندهم. الوقائع المعاشة بينهم تصبح على لسان نساء القرية موضوعا لحظيا للتداول والتعليق والتحليل، ولا شيء يخرج بعيدا عن العين الجمعية المترصدة لكل صغيرة وكبيرة في القرية. يدخل ممثل الأمن “رامز” عضو المخابرات إلى القرية ليكون عين السلطة و صوتها وسوطها. بدخوله تبدأ القرية تأخذ مسارات لم تكن تعهدها. يبدأ رجل الأمن بدراسة اوضاع اهل القرية، يجب أن يعرف كل شيء عن القرية ليدون تقارير للسلطة، ويعرف نقاط الضعف في القرية، وكيف يستدرج البعض ليكونوا مخبرين على أهلهم وناسهم، وكيف يبيعون ضمائرهم لمكتسبات صغيرة كوظيفة وغير ذلك. كما تحضر للقرية المعلمة الغريبة عن القرية وعن عاداتها وتقاليدها. لتكون مع رجل الأمن الثنائي الذي يقود عملية التخريب الاجتماعي. رجل الأمن يعشق المُدرّسة، يستخدم عملاءه المخبرين عنده، حيث يسهلوا له مكانا ليزني بها، وتعلم القرية وتحصل فضيحة لا تحتملها القرية، وهي فضيحة متراكمة مع عار اجتماعي آخر، حيث يلوط رجل الأمن بابن النمس، في مشهد رمزي واقعي، بأحد شباب القرية ليكون مخبرا، وعلى وعد بوظيفة تدر عليه المال. حيث كانت الوظيفة عند الدولة في ذلك الوقت مكسبا كبيرا، مستحيل الحصول عليه دون الواسطة من أحد رجال السلطة. كما ظهر حزب البعث بكونه الحزب الذي يمثل السلطة، والذي يلتحق به الناس للحصول على مكاسب انتهازية، لم يكونوا يحصلوا عليها لولا التحاقهم به. كما حصل مستجد آخر في القرية، حيث حضر “مصطفى” ابن القرية المهاجر إلى الخارج ، الذي كان يبحث عن خريطة كنز في القرية، ويحصل عليها، ويقع في أيدي الأمن، ويقبض عليه على الحدود السورية عند عودته من تركيا، ويعترف لهم بما معه ويأخذوا الخريطة. ويرسل أحد قادة الأمن ممثلا له الى القرية للبحث والتقصي “أبو غليون”، دراسة أحوال الناس والتأكد من وضع القرية ومكان الكنز. يتغلغل بالقرية معتمدا على دهائه المخابراتي، وطيبة أهل القرية ونيتهم الطيبة، رغم تحفظ البعض والشك أن وراءه هدف بعيد عن ادعائه بأنه شاعر، وأحب القرية والسكن فيها مع عائلته. لأطفال القرية “ماجد ورفاقه” دور في القرية في البحث والتقصي وكشف المستور، وفي فضح كل ذلك لاحقا. تتفاعل المتغيرات هذه كلها وتثار في القرية الوادعة زوابع من ريبة وخوف ومعاناة. رجل الأمن والمعلمة والزنى، ووصول الخبر للسلطة التي دعمت ممثل الاجهزة الامنية للبحث عن الكنز لمعاقبة رجل الأمن والمعلمة، بطرده من القرية، ثم لتحمل جنينها المعلمة ويقتلها أهلها، في جريمة شرف لا عقاب جدي عليها، كما يقتلوا رجل الأمن لأنه اعتدى على شرف ابنتهم؟ !!. أما السيئين الذين يخونون القرية وأهلها. مصيرهم السجن أو الموت او الفضيحة. رجال السلطة يتصارعون على الكنز وتسقط رؤوس كبيرة، قتل “انتحار” رئيس فرع أمن، وتنتهي حكاية الكنز بحضور جرافة كبيرة تحفر الأرض بموجب الخريطة ومن أحضرها، ويستخرج الكنز، وتحضر طائرة هليكوبتر للسلطة تأخذ الكنز وتغادر القرية.

تنتهي الرواية عندما قرر الأساتذة ترك القرية والهجرة منها ليأسهم من واقع القرية وأن لا أمل منها وفيها.

في التعليق على الرواية نقول:

إننا أمام رواية تسجيلية جدا، بمعنى أنها تتابع الأحداث من خلال تفصيلية فائضة لا نحتاجها، كقارئين. كما أنها توسعها بالتحدث عن أكبر عدد من اهل القرية، جعل التحدث عنهم لا يطال عوالمهم النفسية الداخلية، فكل انسان يعيش حياته اليومية، وفي نفسه ما يجول من آلام وآمال وعقد ومشاعر وطموحات، تلون حياته وتظهرها على حقيقتها. كما تظهر القرية وكأنها صورة مصغرة عن سورية في الستينات، حيث كان لحضور السلطة وأجهزة الأمن والجيش والتحكم في حياة الناس، الدور الأساسي في قلب حياة الناس، وجعلها ضحية الظلم والقهر والخوف والفساد وتشجيع الخطيئة وتجنيد المخبرين، وبائعي ضميرهم ومجتمعهم. كما تظهر كيف نهبت السلطة خيرات الشعب عبر نموذج تابعته الرواية وهو الكنز. كتعبير عن جميع خيرات البلد فوق الأرض وتحتها.

في الختام نقول ان الرواية تجيب جزئيا -بحدود موضوعها- عن سؤال لماذا قامت الثورة السورية؟ !!.

نعم قامت الثورة لرفع المظلومية المجتمعية، ومحاربة الاستبداد والفساد والقهر وسرقة خيرات البلاد. وإحقاق الحقوق، والانتصار للشعب السوري وحقه بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل.

 

احمد العربي.

٧/٩/٢٠٢١م

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!