.قراءة في رواية: الأيام لا تخبئ أحدا. الكاتب: عبده خال

لصحيفة آفاق حرة:

_______________

 

.قراءة في رواية: الأيام لا تخبئ أحدا.

الكاتب: عبده خال.

الناشر: منشورات الجمل.

ط 3 في 2010.

الأولى 2001. ورقية.

 

بقلم. أحمد العربي

.عبده خال كاتب سعودي متميز ، قرأنا معظم رواياته، اغلبها ينبع من متابعة مباشرة للواقع الاجتماعي، والتغيرات الحاصلة في السعودية عبر العقود الأخيرة.

رواية الأيام لا تخبئ أحدا ، تتحدث عن بنية اجتماعية وعلاقات وشباب يعيش مرحلة المراهقة، وحب يسعى أن ينتصر، وفتوات (يابات) وصراعات شبابية في ظروف مجتمع مغلق، مجتمع ضيق وحب مستحيل. وصراعات تأخذ مدى يستهلك عمر أصحابه، والنتيجة سدى، حيث يدخل الجميع بالغياب ، أو الانتقام الأعمى، أو الضياع.

.تبدأ الرواية من راو، له شريكين يتابع حكايتهما، وهم ثلاثتهم بالسجن. يتابع بتأني رسم حياة  شريكيه بالسجن؛ أبي مريم وأبا حية ، وشذرات من حكايته ضمن مسار حياة الاثنين.

.ابا مريم شاب من  مدينة الطائف يرابط كغيره من شباب الحي أمام نافذة الصبية الجميلة آمنة التي يفكر بها كل شباب الحارة والتي يتمناها له حبيبة وزوجة، الكل يربض أمام نافذتها منتظرا إطلالتها أو بعض اشاراتها التي تفهم على انها رسائل حب واهتمام خاص لأحدهم وكلهم منتظرون. بندر الشاب الفقير الذي يعيش مع والدته و الذي سيصير لقبه أبا مريم لاحقا؛ أحد هؤلاء الشباب، سيختلف مع خالد أحد شباب الحي  الموسرين المنافسين على حب آمنة، سيحصل بينهم شجار، ويضرب بندر، ويشعر بالعار ويتوارى عن الحارة ونافذة آمنة، وترسل له آمنة ما يؤكد حبها له،  و يلتقيان ويتفقان على الزواج، لكن شباب الحارة يسخرون منه وخاصة خالد، وأم آمنة تؤلب ابنتها على بندر لفقرة وضيق حالته، وهو يستدين ليرضي ام آمنة بالهدايا، ويكذب عليها بأنه ثري وامه تحجر على المال، ويبيع بيته ليتمكن من الزواج بآمنة، ويكتشف ليلة زفافه فقدان عذرية آمنة؛ وتعترف بأن خالد قد لعب عليها ووعدها بالزواج وتركها، وذرفت الدموع وغفر لها لكونه يحبها، لكنه لم يغفر لخالد وضمرها بنفسه بأنه سينتقم منه مستقبلا، وبقي يتحمل سوء معاملة ام آمنة لامه العمياء، وسرعان ما ماتت بعد سقوطها عن سطح بيتهم، وهناك من اتهم زوجته وامها بقتل أمه، وصبر هو على كل ذلك لحبه لآمنه، لكونها تشبعه من جسدها دوما، وتطفئ رغبته وعطشه. وكان غريمه خالد قد رحل لمصر ليدرس ويعود ضابطا بالشرطة، و يعود، وتعود معه الحكاية ومنغصاتها له، وسرعان ما تعود العلاقة  الجسدية بين آمنة وخالد بالسر ، حيث سيعمل بندر حارسا ليليا ، وستنجب آمنة طفلة وتسمى مريم، ويكتشف بندر خيانة زوجته واعترافها لخالد بأن مريم ابنته، ويفاجئهم في بيته وعلى سريره، ويضربهم بشومته (عصاه)، يصاب خالد ويهرب، ويقتل آمنة وابنتها مريم ، ويحفر لهم في أرض بيته ويدفنهم به ويهرب إلى جدة. سيعيش في جدة عيشة المشرد يخفي حكايته، وسرعان ما سيعمل عند العمدة حارسا ليليا، يحمل في قلبة لوعته، مما فعل وكيف ضاعت حياته، وأعلن اسمه الجديد ابو مريم، ودارت الايام وثمانية عشر عاما، ويموت المأمور و يأتي مأمورا جديدا هو خالد غريمه السابق، جاء خالد ومعه كل عيوبه ،غير متزوج، قاس، سفيه ،عدواني، لا يحترم الآخرين. عرفه ابو مريم وفكر بطريقة يختفي معها ، ولا يتواجه مع خالد، لتحصل محاسبة على الماضي؛ مقتل آمنة ومريم . وعلى مستوى خالد ستكون حياته أقرب للجحيم؛ كيف ترك آمنة وابنته مريم بين يدي بندر وهرب، اين اختفوا ؟، بحث في كل مكان عن آمنة ومريم وبندر ولا أثر، وعند وصوله لجده بدأ بالبحث في كل بيت عن اي امراه اسمها آمنه و صبية اسمها مريم. اما ابا مريم فقد جلس يتبادل المشورة مع صديقه الوحيد هنا عبد الله الذي يلقب (أبا حية)، عبد الله كان قد ضبطه أبا مريم امام نافذة حبيبته مها ليلا، عبدالله الذي فقد عائلته كلها من جراء حريق أصاب بيتهم واهله فيه، وعجز أهل الحارة عن انقاذهم، وهو كان مع حبيبته  مها على شباكها ، وعندما عاد وجد أمامه مصيبة أهله فكان الحل له، استمرار حبه وإدمان الكحول. تحدث ابا مريم مع عبد الله عن سره وفراره وشخصية المأمور الجديد، فوعده  عبد الله بمساعدته لتحويل حياة المأمور إلى جحيم، وبداية الانتقام منه، وهكذا حصل. لكن المأمور سرعان ما سيتعرف على عائلة مها ويخطبها لابن أخيه، وعندما علم عبد الله بما حصل، قرر ان يقايض سر ابا مريم مع المأمور ويقول له إن آمنة ومريم قتلهما أبا مريم، وان ابا مريم هو غريمه بندر، ويتخلى عن مها له بالمقابل. قبض المأمور على ابا مريم وأودعه السجن، وأكمل ترتيبات زواج ابن اخيه من مها، وحاول عبد الله التدخل، مما أدى لسجنه، وهكذا اصبح ابا مريم وعبد الله من رواد السجن، ويوشم عبد الله حية على يده ويسمى أبا حية، ويستمر أبا حية بين سجين وطليق، ينتمي ليابات الحارة وينتقم لنفسه وخسارته لمها وخيانته لأبي مريم، بالإدمان على الكحول وصناعة صراعات مع البايات،  تخلف قتلى وجرحى معلولين. وتدور الأيام، تعود مها إلى جدة بعد سنوات مطلقة، تبحث عن أبا حية في السجون وخارجها، محاولة مداواة جراحه، لكنه يطردها، وعندما يخرج من السجن يعيش بين القمائم (مكبات القمامة)، يأكل من بقاياها ويشحذ ساطوره متوعدا الكل واي احد، واخيرا ؛سيوقع بالمأمور و يقتله ويرميه جيفة في القمائم  ، ويعدم أبا مريم قصاصا بقطع رأسه لقتله آمنة ومريم.

.اما شخصية الراوي المختبئة وراء تدوين حكاية أبطالها، فهي شخصية مبهمة نلتقط: أنه كان مسيسا ويحمل أفكارا وقرأ كثيرا وحلم  كثيرا؛ سيكشف زيف الأفكار المدعاة ، وعدم مصداقية من يحملونها، ويظهر أن سجنه لكونه من المنتمين لإحدى هذه المجموعات العقائدية، التي كانت تحلم بتغيير مجتمعاتها والعالم، خسرت عمرها قتلا ،أو في السجون، أو هروبا ، وهو سجين استعاض بقصص السجناء عن حياته فأصبحوا قضيته وأصبحت حياته متماهية معهم، احب آمنة رغم موتها، واحب مريم، وعندما خرج بحث عنها ووجدها، ولكن لم يعرف كيف يقدم نفسه لها، أنه ككل سياسيي تلك المرحلة على هامش الحياة والأحداث وهم ضحاياها.

.تنتهي الرواية عند هذه الخواتم، وفي قراءتها نقول : إنها رواية تقرأ مجتمعا عربيا (السعودية) في مرحلة محددة ، عبر تركيبة اجتماعية خاصة، واقرب لقاع المجتمع، وهي شهادة عن عصر ماضي، تجاوزته المجتمعات وتطور مشكلاته؛ غادر الحب (القاتل) هذا ، وغادر معه زمن اليابات (الفتوات) ، انتهت عزلة القرى والمدن، وأصبحنا رغما عنا جزء من العصر ، وضحية له، زادت قوة السلطات وسطوتها وقمعيتها، وتهشمت قوة البدائل السياسية وانعدمت، ودخلنا في عصر القطيع الاجتماعي، الراكض وراء لقمة عيش، او امان، او لحظة حب وسعادة.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!