قراءة في رواية “الفناء الخلفي” بقلم أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة

 

قراءة في رواية : الفناء الخلفي.

الكاتبة: لميس الزين.

الناشر: رياض الريس للكتب والنشر.

ط١ . ب د ف . ٢٠٢٢م.

لميس الزين روائية سورية ، هذا اول عمل اقرؤه لها.

الفناء الخلفي رواية تعتمد طريقة السرد على لسان الراوي، وتبدأ من حدث مفصلي في حياة الحاج قدري التاجر الحلبي العريق، موقفه من ابنه الأصغر سامي، الذي اكتشف أثرا على رقبته يظهر علاقة غرامية ما حصلت معه. معتبرا هذا السلوك بمثابة عار لا يمكن تجاوزه، و يطرد ابنه من البيت والعمل.

تتابع الرواية عالمين متوازيين يتقاطعان بعد ذلك في الحدث الروائي، إنها حياة عائلة الحاج قدري، وحياة الفتاة الحلبية أيضا شمس.

الحاج قدري تاجر خيوط ومصنّع اقمشة، له أعماله  الكبيرة، يعمل وفق آلية دقيقة جدا، ملك جبار مقتدر في بيته وعمله، حاضر في كل جزئية تتعلق بحياته العائلية وعمله، له ثلاثة أولاد يعملون معه في تجارته ومصانعه، له متجر في سوق حلب ومعمل يؤسسه في الليرمون. متديّن بطريقة تقليدية متزمتة، ابنه الأصغر سامي هو الوحيد الذي تابع تعليمه الجامعي ودرس الشريعة الإسلامية في دمشق.

كانت الثورة السورية قد حدثت، ولم يكن الحاج قدري وعائلته مكترثين بها، فهم تجار والاولوية لتجارتهم ومصالحهم، والسياسة لا تعنيهم، محكومون بمقولة “الذي يتزوج امي اقول له عمي” ويعرفون كيف يؤمنون مصالحهم دوما، ففي دولة يستشري فيها الفساد، يمكن شراء كل شيء بالمال، وهم يعرفون كيف يستفيدون من أموالهم.

كانت المظاهرات وحراك الثورة قد بدأت في أغلب محافظات وبلدات سوريا، ووصلت للريف الحلبي، تأخرت قليلا حتى وصلت الى حلب.

سامي الوحيد الذي كان مهتم قليلا بما يحصل، بسبب علاقته مع احد اصدقائه الذي كان قد تعرف عليه ايام ترداده على دمشق لمتابعة دراسته الجامعية. كان الناس منقسمين بين مؤيد لحراك الناس ومطالبهم العادلة والبعض معارض لها. والكل يعتمد لغة الصمت فهم في حلب التي مازالت تحت سيطرة النظام، والكل يعرف ان اي شبهة بمعاداة السلطة يعني عواقب وخيمة، خبرتها حلب وسوريا كلها عبر عقود، من عنف وقتل واعتقال وسجن لكل معارض للنظام. مع ذلك استطاع سامي الهروب من رقابة أبيه وشارك مع صديقه في إحدى المظاهرات. وراقب أحاسيسه  في تنفس الحرية وكيف هاجمتهم الشرطة والشبيحة وكيف هربوا منهم…

على محور آخر سنتابع حياة شمس الفتاة الحلبية التي تعمل في إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، إنها ابنة اسرة حلبية تقليدية، حيث النظام الأبوي والهيمنة للذكور في العائلة، تتذكر طفولتها و بداية مراهقتها و اسرار الانوثة التي تلقفتها من صديقتها، كانت حريصة على ذاتها، تهرب من اي علاقة غير شرعية، تتحسس ذاتها وحاجات جسدها، تعلم الكثير من حياة الاسرة الحلبية، والهيمنة الذكورية، يأتيها الكثير من الدعوات الى علاقات عابرة، ترفضها لأنها تعتبرها امتهان لها، تنتظر حب وزواج واولاد وعائلة، وصلت الى سن الاربعين ولم تتمكن من الزواج، حيث للزواج في حلب شروطه التقليدية، مع ضرورة الجمال والموقع الاجتماعي، إضافة للسمعة الحسنة. غادر أخو شمس وعائلته حلب هروبا إلى ألمانيا واستقروا هناك. لم يبقى لها من عائلتها احد، تعيش في بيتهم وحيدة، تتابع عملها، مع المنظمة الدولية. شكّل عالم التواصل الاجتماعي في الانترنت الفيسبوك وغيره المنفذ الوحيد الذي بقي لها للتواصل مع العالم الخارجي، خاصة بعدما وصل حراك الربيع السوري الى أطراف حلب وبعض أحيائها. تعرفت على أحدهم، بادر إليها بالكلام الجميل والإصرار على التحدث، هي تمنعت بداية، ثم استجابت لاصراره، وبعد ذلك استمرأت التفاعل معه، لقد استجابت لنداء ذاتها بالحاجة للآخر الحبيب الرجل، ووصل اخيرا الى دعوتها لعلاقة مباشرة مفتوحة، لم يقترب من الزواج، لأنه متزوج، يعني يبحث عن عشيقة، رفضت شمس ذلك واعتبرته امتهان لها كامرأة وإنسانة وقطعت العلاقة معه. بعد ذلك تعرفت على سامي بشكل عابر في مكتب صديق سامي المناصر للثورة، كانت تعد بحثا للمؤسسة التي تعمل بها. سامي توقف عندها، واحسّ بمشاعر خاصة اتجاهها، تكبره بسنوات كثيرة. التقى بها هناك مرارا، وفكر أن يتزوجها لكن في السر. يحفظ حقوقها، ويخفي ذلك عن عائلته التي تعتبر ذلك من المحرمات.

سامي ابن العائلة العريقة الملتزمة التي لا تناسب إلّا مثلها وعن طريق الامهات ومن خلال توافق مصالح بين ابناء التجار والصناعيين الكبار. كان سامي متمردا في اعماقه على كل ذلك. وجد في شمس بعضا من ذاته التي تحتاج للحرية والحق بصناعة خياراتها الذاتية. لكن شمس رفضت العرض واعتبرته مهينا. “كيف اتزوج بالسر ودون علم اهلك وكأننا نخفي عارا”. وانقطعت العلاقة، لكن مضي الأيام وزيادة وحشة الوحدة والانوثة التي تحتاج لارواء عند شمس، إضافة لتصاعد الصراع بين النظام والثوار، جعل شمس توافق على مطلب سامي ويتزوجان بالسر، يسكن معها في بيتها شبه المدمر الذي تركته لفترة وعادت إليه واصلحته مع سامي وسكنا فيه.

سامي الذي ادرك والده ان ابنه على علاقة غرامية ، جمع العائلة كلها واجه سامي بفعله، وهو اخبرهم انه تزوج، طالبوه بتطليق شمس، لكنه رفض، وطُرد على إثرها، وتم سحب مفتاح البيت والمتجر منه، وهدد بالحرمان من الميراث، كانت أمه الحاكم الفعلي في البيت، قاطعته. عاش سامي مع شمس في بيتها، هي في عملها. وهو بدأ رويدا رويدا العمل في البيع على بسطة انتشرت مثيلاتها اثناء الاحداث كثيرا. تعثر في البداية ومن ثم نجح وبدأ يعمل تاجرا بين المدن يؤمن بضائع وتحسنت أوضاعهم واصبح مستورا اقتصاديا في حياته مع شمس التي قدمت له واحة حياته النفسية والجسدية ، كما كان لها جنتها الموعودة.

اما اوضاع اهل سامي فقد ساءت كثيرا خاصة بعد ما احترق سوق المدينة وفيه متجر الحاج قدري. حيث أصيب الحاج بعارض صحي. وسرعان ما استجمعوا أنفسهم، وباعوا مصنع الليرمون وجمعوا ما لديهم من مال وارسلوا الاخ الاكبر لسامي الى تركيا لتأسيس عمل تجاري هناك، طبعا بعد تزويجه من ابنة الحسب والنسب، ابنة أحد كبار التجار الحلبيين. وهكذا حصل حيث ذهب إلى تركيا وانشأ اعمالا وسجلها باسمه حارما اخوته من أي حصة بدعوى أنه هو من كان يعمل. الوالد توفي والام لم يعد لها سلطتها السابقة وأخاه الاوسط انتقل الى الطرف الشرقي من حلب حيث سيطرة الثوار، باحثا عن الرجل الذي كان يعمل أمينا للمكتبة ايام طفولته واعتدى عليه جنسيا أكثر من مرة، ولم يخبر أهله خوفا. ذهب الى هناك لقتله، وجاءت اخباره انه مات هناك، وماتت معه حكايته.

اما سامي وشمس وبعد ان زادت الحياة قساوة في حلب وانتقل الصراع بين النظام والثوار الى السلاح وأصبحت حلب نفسها مقسمة بين النظام والثوار. بدأ الكثير من الحلبيين التفكير بالهجرة الى تركيا واوروبا. وهكذا شجعت شمس سامي بالسفر إلى ألمانيا ومن ثم استدعائها عبر آلية لم الشمل. وهكذا حصل، سافر واُنقذ من الغرق عند الذهاب من تركيا الى اليونان عبر البحر. وصل إلى ألمانيا وبدأ تعلم اللغة والعمل لاستدعاء شمس، التي سعدت بما وصل اليه سامي، وقررت ان تضحي بحبها وعلاقتها معه لفارق السن لأنها لم تستطع أن تنجب له ولدا.

ارسلت له رسالة تخبره فيها انها ستبقى في حلب حيث هي وانه عليه ان ينظر لمستقبله ويجد من تحبه ويبدأ حياته من جديد.

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

الرواية ناجحة من حيث قدرتها على خلق العلاقة الحميمية بين النص والقارئ او بين روح الكاتب وروح القارئ. كما انها تتميز بالصدق والعمق والسبر لاعماق شخصياتها وأمثالهم في واقع الحياة.

كما انها رواية اجتماعية ونسوية بكونها تغوص عميقا في عالم المجتمع الحلبي، وعالم المرأة الذي مازال يحتاج الكثير من التنوير. الجرأة في طرح الموضوعات النسوية وحتى واقع الحميمية الجسدية دون ابتذال كان ناجحا في الرواية.

حدث الثورة السورية كان هامشيا في الرواية، لم يحضر الا بصفته خلفية لما حصل في حلب ومع اهلها بعد ذلك، لكل حسب حاله وواقعه. الناس العاديين والتجار وتقسيم حلب بين النظام والثوار، الدمار والقصف، كل ذلك خلفية…

لماذا ثار الناس؟. وماذا عن النظام الاستبدادي الظالم والناهب للدولة والمجتمع منذ عقود ؟. لم تجب الرواية عنه إلّا إشارات باهتة، لكنها حاضرة عبر بعض الشخصيات الثانوية في الرواية التي شاركت في الثورة وعاشت فرحة احساسها بالحرية، وشاركت نشاطها السلمي وشارك البعض في العمل العسكري مع الثوار…

تبقى الرواية سجلا لواقع حلب في زمان ملتبس في سنوات الثورة الأولى، ومعرفة حلب العريقة بواقعها الاجتماعي وحتى الاقتصادي والإنساني في تلك السنوات العصيبة.

 

احمد العربي.

٢٧/٤/٢٠٢٢م.

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!