قراءة في رواية: جونتنامو. بقلم أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة..

 

قراءة في رواية: جونتنامو.
.الكاتب : يوسف زيدان.
الناشر : دار الشروق.
.ط1.و ط2. ورقيه. 2014.

بقلم. أحمد العربي. سوريا.

يوسف زيدان روائي مصري، قرأنا أغلب رواياته، وأهمها روايته عزازيل، وهو كاتب متميز يعيد قراءة هموم الواقع بلغة روائية تستحضر التاريخ تارة أو تغوص بالواقع تارة اخرى.
جونتنامو رواية مختصرة في اسمها، ذلك المعتقل الأمريكي في كوبا الذي وضع فيه من اعتقلتهم أمريكا بعد حربها على أفغانستان كرد على الهجوم عليها في 2001 وإعلانها الحرب على الإرهاب المتمثل بالقاعدة.
بطل الرواية شاب مصري من الجنوب قريب من حدود السودان، عاش بجوار النيل وقرب سد أسوان، يعمل في شركة اعلامية في الدوحة، ارسل الى باكستان وافغانستان ليغطي الأحداث هناك في أيام الهجوم الأمريكي على أفغانستان وتم بيعه (تسليمه) للأمريكان عن طريق ضابط باكستاني، اعتقل بداية في أفغانستان، وهاهو يرحّل الان الى جهة مجهولة بالنسبة له. صاحبنا يعيش مأساته التي وقع فيها، فهو مجرد صحفي، أكد لمعتقليه ذلك لكنهم لم يصدقوه، ذاق أنواع التعذيب جميعها لكنه لم يغير من أقواله، يغوص عميقا في ذاته يتذكر قريته قرب سد أسوان واهله، والديه واخوته، النيل والصباحات و زيارته لأم درمان المدينة السودانية، تتلمذه على يد الشيخ (نقطه) في اجواء صوفيه فيها من العمق الوجداني والوجودي والغوص عميقا في النفس والإسلام والقرآن الذي يحفظه كاملا، يعيشه في كل كيانه ويستعيد آياته،  يستحضرشيخه في محنته، يتقوى على مصابه بالصبر، وأن الله لا يتخلى عن عباده الصالحين، لكن الرحلة تطول، بعضها في البر من حافلة إلى حافلة، مقيدين من أيديهم وأرجلهم، وعلى رؤوسهم أكياس تمنع الرؤية وتعيدهم لظلام يذكرهم بالعدم، ومن ثم نقلوا لطائرة أقلعت بهم وأخذتهم من ذواتهم إلى احتمال أن يلقوهم من الجو، لكن الرحلة تطول ويعودون للأرض مجددا، حطّت الطائرة على أرض جرداء اقرب للصحراء، بجوار بحر وجدوا انفسهم، وضعوا في معسكرات اعتقال ضمن أقفاص حديدية كأنهم وحوش، منفردات او جماعيات، يعاملونهم على انهم خطيرين جدا، ويفرضون عليهم حياة قاسية جدا، ويقدمون لهم وجبات طعام وماء بأوقات محددة، ليستمروا بالحياة فقط، الحراس شرسين، ممنوع الكلام، ممنوع السؤال، متروكين بانتظار قدر لايعرفون ماهو ؟!، ستبدأ إدارة المعتقل باستدعائهم إلى التحقيق فرديا، وبين التحقيق والآخر عدة أيام، واجهوا صاحبنا بأنه يدعم ويمول ويحمل رسائل للمجاهدين في أفغانستان، وأن عليه أن يعترف ويقدم ما عنده ليخرج من هذا الجحيم، سيؤكد على براءته، يبرر وجوده هناك بأنه للعمل الصحفي، ويبرر تزوجه من فتاة هناك ليصون نفسه و لأنه أحبها، لكل سؤال يواجهه فيه لديه جوابه المقنع، في أعماقه احساس بانه متورط في موضوع لا علاقة له فيه، وقد يؤدي لهلاكه، زيادة على ما هو يعاني الآن اصلا، لكن حبل الود مع الله متين القرآن في قلبه وعلى لسانه دوما، لكنه خائف على زوجته التي تركها في الدوحة وليس لها أحد تلجأ اليه، وأهله الذين سيعرفون بغيابه وقد يعتقدون أنه مات هناك في أفغانستان، وهو لا يدري كيف التصرف. في المعسكر سيجد بمن يحيط به بعض سلوى لما يعيش، فالكل هنا بدأ يبحث عن التواصل مع الآخرين رغم منعه، للخروج من الجو النفسي القاتل الذي يعيشونه، يبدؤوا بالحديث فيما بينهم عن بعد، وسيعرف انهم في معسكر كبير وهم في احد اقسامه، تواتر التحقيق معه لا يؤدي لنتيجة، يرفع صوته بالأذان ويحاسب على ذلك ويعزل في منفردة بعيدا عن الآخرين، يحاولون تطويعه بطرق الترغيب والترهيب والاغراء الجنسي، الحارسة الزنجية تراوده عن نفسه ويعصمه الله، و ستحاول ان تستجرّه عبر الحديث أو تقديم الكتب والمجلات، وسيجد بالكتب نافذة يطل بها على عوالم مختلفة، سيعرف ان هناك روح للمكان، ومنها المعادي ومنها الودود، سيجد نفسه يغوص عميقا في استرجاع شيخة (نقطة) في يقظته وأحلامه، ويمثل له دوما باب امل يوصله مع الله والعالم واحتمال النجاة، ستمر الأيام ولا جديد  وبعد أكثر من سنتين، و تسرب بعض صور المعتقل للعالم الخارجي، سيعرف بذلك من الجنود ، أنه في غوانتانامو. ويعرف ما يعانون فيه من معاملة قاسية وأسباب عيش لا إنسانية، تبدأ الادارة بتحسين ظروف حياتهم فتبني لهم مهاجع كبيرة، بزنزانتها المتقابلة واسرتها الجيدة وفراشها المريح و مرحاضها الخاص، لقد وضعوا في ظرف إنساني افضل، انهم هنا متحلقين في زنزانتهم بجوار بعضهم يتحدثون يؤذنون للصلاة ويصلون، إنهم يتواصلون انسانيا ويبدؤون بمعرفة بعضهم بعضا، وظروف اعتقالهم وبلادهم و أفكارهم وبنيتهم الإنسانية. ادارة المعتقل تخفف الضغط عنهم، لا تراجع عن استدعاؤهم للتحقيق ودائما هناك جديد، إنهم يزرعون في نفوسهم اليأس، ويقدمون لهم حبل النجاة عبر الاعتراف أو التعاون، صاحبنا يفهمهم ان لا جديد عنده، وهم يقروا بذلك . الوجوه المحققة كثيرة ولكل رسم دور؛ القاسي والعنيف والمتفهم والطبيب، الكل يتصرف في خطه مرسومه، كيف نحول هذا العدو لصديق ثم متعاون، المعتقلين مسكونين في أفكارهم المسبقة عن الدين والحياة والمستقبل، وعندما أخذوا فرصتهم بالتفاعل بين بعضهم ظهر اختلافهم وتناقضهم ايضا، وعندما يكون الأمر حول الدين يعني صراعا واستعداد للموت أو القتل، سيتحول صاحبنا من مؤذن إلى خطيب في أيام الجمع، لكنه يعود مجددا بعض رفاق المعتقل، البعض انهار  الى درجة الهلوسات النفسية عن الجن وغيره، والبعض قرر الانتحار وانتحر، خوفا ان يعاد لبلاده ويعيش هول التعذيب، البعض يتعامل مع المعتقل وادارته بمنطق العداء الكامل، والبعض يتقرب منهم لعله يخرج من هذه المتاهة ويعود لحياته الطبيعية، لذلك هم بحالة صراع دائم، والمحزن انهم يأخذون شرعية ما يتصرفوا من اعتقاداتهم الدينية يعطونه صفة المقدس، بالنسبة لصاحبنا يواجههم بالتحقيق انه بريء وأنهم ظلموه ويطالبهم بإطلاق سراحه، ويؤكد لهم عدم ملاحقتهم قضائيا أن أفرج عنه، سيقبلون ذلك لكن سيضعون أمامه عقبة اخرى، الى اين سيذهب.؟، هل يسلّم للسلطات السودانية ام المصريه.؟، وكيف سيتم التعامل معه كخارج من غوانتانامو؟، وسيكون ضحية اعادة اعتقال وتعذيب ونتائج كارثيه عليه، طالبهم باعادته الى باكستان اخبروه ان الظرف اختلف وهناك الاسوأ، وقدموا له طوق النجاة، أنهم سيخرجونه إلى مصر حيث يلتحق باهله، ويؤمنوا له الجنسيه المصريه مجددا، وسيصنعون له قصة حياة مختلفة، لكن عليه أن يتعاون معهم، سيرفض لن اكون جاسوسا وعميلا، ويدخل في صراع نفسي، يستنجد بالله وشيخه وينتظر ما يقرره قلبه، سيخبروه عن أهله وعودتهم لمصر، وعن زوجته وهروبها مع شاب جزائري الى الجزائر، ينهار ويعاد تأهيله نفسيا، تدخل الطبيبة النفسية الضابط في الاستخبارات “ساره” الى عالمه معالجة له، وسيجد فيها ومعها منفذا ما، ستجعله يتقبل ما حصل مع زوجته على انه لاحل لها امام غيابه وظروف الحياة القاسية الا ان تفعل ما فعلت، تقنعه انه عليه ان يختار أهون الشرين؛ أن يتعاون مع الأمريكان خير من العودة إلى أنظمة تنكّل به، وتهون عليه أمر التعاون مع الامريكان، بانه قد لا يقوم بأي عمل معهم. لقد تكامل العمل عليه وعلى غيره، اعتقال وتعذيب في شروط حياة قاسية ولا إنسانية مع تيئيس مستمر، ففتح أمامه احتمال وجود مخارج، فطرح عليه فكرة التعاون، أو تسليمهم لدولهم، البعض سلّم فعلا والبعض رضي بالتعاون، وهكذا حصل مع صاحبنا الذي رضي بالتعاون. سيعود إلى مصر ليلتحق بأهله وبالعمل مع احد اقربائه التاجر والداعية الديني والمتعاون ايضا، وهذا سيحصل ايضا مع زميله في الزنزانة التونسي الذي سيطلق سراحه ليعود ويكون جزء من الإسلاميين في فرنسا، وهكذا سيعاد تأهيل من تجاوب في ظروف حياة طبيعية وبمتابعة المعالجين النفسيين، و سيتحولون الى تابعين للمخابرات الامريكيه حيث هم، سيسلم للمخابرات الانكليزية ويذهب لإنجلترا ويصنع له حكايه، يعيش هناك شهرين يتعلم بها العيش الطبيعي، ثم سيتوجه الى مصر ليبدأ حياته من جديد بعد اعتقال لسبع سنوات في غوانتانامو؛ عميلا للاستخبارات الامريكيه.
بذهابه للمطار وعودته الى مصر تنتهي الروايه.
في قراءتها نقول:

أن لغة الرواية ممتعة وعميقة وخاصة في مسحة الصوفية لبطلها  وانها تضيئ على الإسلاميين الذين التحقوا بالجهاد في أفغانستان ومن ثم تحولوا (لارهابيين)، تنصفهم حيث تقرأ ظروفهم وأفكارهم وايمانياتهم وكيف وصلوا لما وصلوا إليه، حياتهم الخاصة والعامه وظروف بلادهم و السلطات القمعية المستبدة، ستضيء ظروف المعتقل ووحشية التعامل واستخدام الاعتقال للوصول الى غاياته، انهيار المعتقل او موته او يأسه او تسليمه لبلاده فيلقى معاملة سيئة، او تحويله لمتعامل يخدم في اجندة امريكا واستخباراتها. سنحس بالمضمر في الرواية: اننا شعوب تحت الاستعباد عبر انظمة قمعية تابعه ومسيطر عليها، نعيش حياة قاسية، واننا وبلادنا مجرد مواد للاستخدام في خطط امريكا و المهيمنين على العالم.
سنكتشف ان بحثنا عن الحرية والعدل وتحقيق الكرامة الإنسانية والديمقراطية وبناء الحياة الأفضل يحتاج منا العمل الكثير، وإن لنا كشعب أعداء كثر يقفون في مواجهتنا على الطريق، وان معركتنا طويلة ومستمرة.

…….

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

تعليق واحد

  1. الحصول على مقالات من افاق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!