قراءة في رواية: حين نفخ في الصور. بقلم. أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة:

 

قراءة في رواية: حين نفخ في الصور.

الكاتب : معبد الحسون.

مخطوط، ب د ف، ٢٠٢٢م.

بقلم. أحمد العربي. سوريا

 

معبد الحسون كاتب وروائي سوري متميز، ينتمي للثورة السورية، قرأت له أغلب ما كتبه من أعماله الروائية، اضافة لكتابه المتميز الرقة والثورة، وكتبت عنها كلها.

حين نفخ في الصور رواية أخرى لمعبد الحسون مختلفة عن السياق السابق الذي كتب فيه أعماله الروائية، حيث كانت منصبة على الواقع السوري وأكثر تحديدا على حال الثورة السورية وخاصة في مدينة الرقة.

أما هذه الرواية فهي تتابع الحدث الروائي على ثلاث مسارات مختلفة ومتقاطعة ومتكاملة.

المسار الأول: يأخذ شكل الغوص في التاريخ الإسلامي سواء على مستوى الحدث العام في في نهاية القرن الرابع الهجري وبداية القرن الخامس، الموافق لنهاية القرن العاشر الميلادي وبداية القرن الذي يليه. حيث وضّح الكاتب أنه استفاد من مراجع تاريخية في التدوين عن تلك المرحلة مثل: كتاب الكاشاني الكبير والكاشاني الصغير وابن النقاش…  حيث لمع نجم السلطان محمود الغزنوي المسلم الذي كان يعلن تابعيته و ولاءه للخليفة العباسي في بغداد. حيث توجه شرقا فاتحا بلاد ايران والهند واسيا الوسطى، منتصرا على دولها ونشر فيها الاسلام. بدأ من نيسابور وفتحها وانتقل بعد ذلك الى مرو وقضى على الدولة السامانية، ثم انتقل الى كشمير وبعدها خوارزم وبست..الخ، حيث قضى على سلاطينها وهزمهم عسكريا. عبر نهر جيحون منتقلا إلى بلاد الهند مسيطرا على حواضرها بالتتالي، وكانت ذروة فتوحاته ونصره الوصول إلى سجستان في بلاد الهند حيث معبد الإله سومنات قرب نهر الغانج في ولاية كوجرات وهدمه وكان لذلك تأثير كبير على الهنود الذين كانوا يعتقدون بكون هذا الصنم “الالاه” يحميهم.

المسار الثاني حيث يتحدث فيه قتيبة الشخصية المحورية في الرواية عن نفسه وحياته في ذات الزمن الذي توسع به السلطان محمود الغزنوي وحصلت فتوحاته، وفي ذات البلاد. حيث لم يدري قتيبة من طفولته أي شيء. ولادته وأهله. لعله ولد لقيط، وعى على نفسه طفلا مشردا وكبر متنقلا بين كثير من المسالك والمهن. عاشر الاخيار والاشرار، سجن أكثر من مرة وكان يجد نفسه دائما أمام حياة جديدة يعيشها  دون دافع داخلي، رافق عصابة سطو، وعمل في ماخور للدعارة، سطا على متاع شخص رافقه في رحلة طريق. تعلم بعض العلم وحفظ شيئا من القرآن، كان يحس انه يفتقد شيئا ما يبحث عنه دون وعي أحيانا وفي وعي في احيان اخرى. لم يكن يشعر بأي معنى لحياته، وكل ما يعيشه كان أقرب الى التصرف وفق واقع الحال ولا دافع له في أي شيء. بالطبع كان يكره الظلم ويرفضه. توقف كثيرا في رحلته أمام امرأة شُنقت في غابة وعرف أن من شنقها ابن امير كان يراود الجاريات عن نفسهم وأنها كانت مسؤولة عنهن امام والده وانه قتلها لأنها لم تعطه احدى الفتيات، علم بذلك وكتمها بنفسه وكان مصير ذلك الأمير القتل على يده وذلك بعد ان وصل الى مبتغاه الصوفي…

شاهد قتيبة الشيخ ياكتين الشيرازي في رؤيا في منامه، طلب منه الحضور إليه. عاش قتيبة مشاعر غبطة وامتلاء وشحن نفسي وعاطفي وعقلي وروحي ادى لإعطاء حياته معنى وهدف. وبدأ رحلة البحث عن الشيخ الصوفي الكبير ياكتين. الى ان وصل اليه، لقد عاشا أحوال صوفية لا يدركها إلا أصحابها. ياكتين الذي أصبح يعيش إحساس الإنسان “الإله” يعلم كل شيء السابق واللاحق و صار ممتلئا بذاته مكتفيا بها. أما قتيبة فقد وجد نفسه بحضرة شيخه وقد وصل الى منتهاه. عاش معه بعض الوقت. طوى معه بعض الزمان وبعض المكان، عرفه شيخه بما سيحل عليه من قادم الأيام. وانهما توحدا في عالم الدنيا صحبة ابدية وفي عوالم الأرواح هم واحد متحد. عاشا في غار منقطعين عن العالم ينتظرون اجلا لا نعلم انه سيأتي ام لا؟!!. حيث أن ياكتين كان قد قتله سيده في زمن ماضي، وأحياه الله واعاد قتل سيده الذي كان قتله من اجل كنز كان ياكتين قد وجده. ياكتين أصبح خالدا ولم يعد الموت يأتيه وهكذا عاش احساس الالوهية والخلود والمعرفة المطلقة. أما قتيبة فله أيام محدودة عاشها مع شيخه وبعدها موت سعيد لجسد ومن ثم اتحاد في عالم الارواح.

المسار الثالث المسمى البدوات والالهامات، كان ذو طابق صوفي وجداني تأملي يسرد من خلاله قتيبة ما أتاه من وحي وإلهام صوفي يقدم له رؤية متكاملة في كل موضوع يعيشه الإنسان في عالم المادة والروح والعقل والعاطفة والنفس والحياة والموت والوجود والخلود… وكل ما يخطر على بال. انه نوع من الرسالة الملقاة على قتيبة تجعله يدرك ما يجب إدراكه على حقيقته، وتجعله أقرب لماهية الحالة الصوفية التي يعيشها والتي هي غوص في عمق الذات بأبعادها العاطفية والنفسية والروحية، والتسامي والتعالي بها ومعها إلى التوحد مع الوجود وخالق الوجود بحيث يحصل الشهود والاتحاد ويصبح الكل المتعدد واحدا في ذات قتيبة المتصوف يسعى إلى ربه… ليلقاه…

وهكذا تنتهي الرواية بلقاء قتيبة بشيخه يكتين الشيرازي وعيشهم سوية مع ما يعيشه كل منهما كما اسلفنا سابقا…

في التعقيب على الرواية نقول:

ها نحن نعايش عمقا معرفيا هامّا عند معبد الحسون. معرفة موسوعية في التاريخ  منذ أكثر من ألف سنة، تتبع مسار التوسع الإسلامي في شرق آسيا صنعت امتدادا اسلاميا أصبح يعد مئات ملايين المسلمين في عصرنا. وما تبعه من متغيرات وتحولات كثيرة.

كما تتبع واقع الوعي والحال الصوفي، كيف كان وكيف عاشها البعض سواء عند ياكتين الشيرازي كنموذج وغيره الكثير في التاريخ الإسلامي والعالمي قبل ذلك وبعده. وأن التصوف من حيث هو بحث في الوجود والماهيات والما قبل والما بعد في عالم الوجود في هذه الدنيا، بحث عن الله والمعنى والتجلّي والخلود والتوحد. الإجابة عن سؤال الوجود وإلى أين نسير؟ ، يجعل الصوفية عالم قائم مستمر إلى قيام الساعة لأن مبررات وجوده لن تنتهي طالما أن اجوبة تساؤلات الحياة والموت والآخرة والله والوجود لم يجب عليها بشكل حاسم …

اننا وان اردنا ان نربط بين الرواية وما نعيش كسوريين من حال، ظلم واستبداد وثورة وقتل وتشرد وبحث عن خلاص. نجد أن الرواية تطل في جانب من جوانبها على ما نعيشه وما نفتقده وما نحتاجه. وليس اعتباطا أن تختم الرواية بدواتها وإلهاماتها بالوحي لقتيبة أن يعيش الحرية وينتصر لها ويقدسها وينتمي لها لانها وجوده الحق الذي يجب أن يُعاش في مواجهة كل عبودية في الحياة…

 

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!