قراءة في رواية: زواج المتعة. بقلم. أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة

قراءة في رواية: زواج المتعة.

الكاتب: الطاهر بنجلّون.

الناشر: المركز الثقافي العربي.

ط١، ورقية، ٢٠١٧م.

 

الطاهر بن جلون روائي مغربي متميز مستقر في أوروبا. له عشرات الروايات والكتب. قرأت الكثير من رواياته.

زواج المتعة رواية تعتمد أسلوب السرد على لسان راوي يتابع متغيرات الواقع المغربي من خلال رصد حياة تاجر من مدينة فاس بدء من أربعينيات القرن الماضي. لتنتهي في العقد الثاني للقرن الحالي.

تبدأ الرواية بالتحدث عن أمير التاجر الفاسي الذي ينتمي لطبقة التجار العريقة في فاس المغربية. والذي يتاجر بالبهارات وبعض البقول التي يستحضرها من افريقيا. كان ذلك أيام خضوع المغرب لسيطرة الفرنسيين. الذين حاصروا الملك محمد الخامس و نفوه بعد ذلك. ومن ثم تمت اعادته من منفاه ليكون بطلا عند الشعب المغربي. أمير يسافر كل سنة عدة أشهر الى الكونغو في افريقيا عابرا الصحراء لعدة أشهر، يقوم بها بشراء بضاعته ومن ثم العودة الى فاس ويتاجر بما أحضره وهكذا كل عام. أمير متزوج من للا فاطمة وله منها ثلاثة أولاد ذكور وبنت. ابنه الأصغر كريم كان منغوليا، هؤلاء الأطفال يعاملون بقسوة عند البعض، و يعتبرونهم عند البعض الآخر رسل محبة وخير وسلام. كان أمير وزوجته والعائلة يعاملون كريم بكثير من الحب. كان كريم قد وصل الى سن النضج عندما طلب من والده ان يأخذه معه الى افريقيا جنوب الصحراء. قبل والده طلبه رغم معرفته بالصعاب والعناء الذي سيحل على كريم. وكان من المتعارف عليه أن يتزوج الرجل من امرأة افريقية زواجا مؤقتا في فترة تواجده هناك، ومن ثم يطلقها عندما يعود، يسمى زواج المتعة، حيث يكون محدود المدة ومتفق على انهائه بالتراضي. هناك من يحلله من المسلمين والبعض يعتبره نوع من الزنا المشرعن. كان أمير مثله مثل غيره يتزوج في كل سفرة من سفراته بامرأة افريقية تخدمه وتحل مشكلة الحاجة الجنسية عنده طوال فترة سفره. كان العهد مازال قريبا على إلغاء العبودية رسميا في المغرب. لكنها كانت مازالت حاضرة بصيغة استحضار النساء الافريقيات ليكنّ جواري وخدم. كنّ يقعن ضحايا الكثير من الظلم والاساءة. التمييز العنصري بسبب لون البشرة حاضر بقوة اللون الأسود للزنوج يعني العبد والخدمة.

كان امير قد تعرّف على بانو الفتاة الكنغولية السوداء الجميلة والوفية لامير. وكان قد استأجر لها بيتا تسكن فيه وتعيش في غيابه. كانت جزء من مجتمع يؤمن بآلهة وثنية يعبدها الأجداد. بينهم بعض المسيحيين والمسلمين. كانت تؤمن بروح الأجداد التي تراها مجسدة في شجرة كبيرة معمرة. تعيش حياة جنسية منطلقة حسب تعايشها مع المحيط من الذكور، كان ذلك طبيعيا في مجتمعها.عندما حضر أمير قبل سنوات والتقت معه وتزوجها زواج متعة حسب اعتقاده الاسلامي، ثم توطدت علاقتهم وأصبحت تتصرف بحرية بغيابه وتكون له فقط في حال وجوده. امير يعيش مع زوجته فاطمة علاقة جسدية اقرب للواجب الجنسي للتوالد دون عواطف أو نتيجة مشاعر متوقدة، اكتشف مع بانو عواطف مختلفة، انه حب مع رغبة جنسية قوية مع تناغم جسدي اقترن مع أداء منفتح من قبل بانو. لقد اصبحت بانو حاجة حياتية دائمة عند امير، لذلك قرر حين سافر مع ابنه كريم الى الكونغو في سفرته هذه ان يصطحبها معه الى فاس وتعيش معه كزوجة ثانية، ساعده على ذلك قبول كريم وحبه لها. اضافة لكونه لم يعد يحتمل ان تكون بعيدة عنه أو متاحة لغيره حتى في غيابه، وانتهاء عقد زواج المتعة بينهم. اخبر امير بانو بنيته ان يصطحبها معه الى فاس وانه يتزوجها رسميا، قبلت رغم خوفها من زوجته الأولى، ومن معاملتها الدونية على أنها زنجية بشكل سيء مثل خادمة مع ظلم يصل لحد جعلها في موقع الدون. وقد تضرب وقد تطرد وتعود الى بلادها مذلولة. قبلت وهي على ثقة من حب امير لها، وانها تحت رعايته وحمايته دوما، وان كريم الشاب الطيب الخيّر يحبها ويحترمها ايضا. جاءت بانو مع أمير الى فاس كان استقبالها من زوجته فاطمة سيء جدا. كذلك تغيرت معاملة فاطمة لزوجها. تمنعت في علاقتها الجسدية معه. كذلك كان موقف اولاده سيئا من بانو تضامنا مع امهم. وان ذلك يشكل عارا اجتماعيا ان يتزوج والدهم من زنجية سوداء. تحمل امير هذا الواقع وكذلك بابو، واستمرت القطيعة العائلية. لقد تزوج بانو رسميا وسجل زواجه، وأعلنه اجتماعيا، وكانت ذروة معاناة زوجته فاطمة عندما علمت بحمل بانو فقد أصيبت بشلل نصفي وقاطعت هي وأولادها زوجها أمير. لم يبقى يعامل بانو بشكل إنساني غير كريم. حاولت فاطمة عن طريق السحر ان تجهض بانو او ان تسبب لها الموت، لم يفلح شيء من هذا، انجبت بانو توأمان ذكور احدهما ابيض البشرة والآخر اسود زنجي. سماهما امير حسن الأسود البشرة وحسين الأبيض البشرة، كان فرحا بأولاده. كما شكل الطفلين أفضل ما تعطيه الدنيا لنابو. لم تحتمل فاطمة ذلك، عانت كثيرا ثم ماتت بعد ذلك، لقد قيل أن سبب موتها هذا الزواج الذي ذلّها. كما قاطع اولاد امير والدهم بسبب هذا الزواج ومجيئ والطفلين من بانو وخاصة ان بينهم زنجي اسود. تزوجت ابنة أمير ورحلت بعيدا عن والدها. وأما ولداه الاخران ذهبا للتعلم في مصر ثم التحقا بالجماعات الاسلامية المتشددة، وقاطعا والدهما بالمطلق. بقي كريم مع والده امير وزوجته بانو والطفلين حسن وحسين. الذين كبرا في مجتمع لم يتخلص من إرث التمييز العنصري وعقدة تفوق البيض اتجاه الزنوج. كبر حسين واكتسب مهنة والده التجارة وبدأ يعمل ويكون نفسه بجوار والده، اما حسن الزنجي البشرة فقد نشأ وفي ذاته تساؤلات واحساس بالتمييز الاجتماعي ضده وضد أمه رغم كونه تحت حماية والده. كبر في السوق أيضا قرأ كثيرا وتعلم وبرع في العطور صار خبيرا بها يعمل في أحد متاجرها. استمر حسن يتساءل عن تاريخ أمّه وبلادها ويحن الى زيارة بلادها ويحلم ان يذهب الى هناك. تعرف على واقع الزنوج الذين وصلوا الى المغرب الذي كان قد تحرر وقنن تواجدهم، لكنهم كانوا يعملون بالخدمة والعمالات الدنيا. يعيشون في أحياء فقيرة يسيطر عليها منطق القوة للأقوى مع غياب سلطة الدولة. وجد أن المظلومية حاضرة بين الزنوج وهم ضحايا كل الوقت. كما كانت المغرب طريق عبور الأفارقة الهاربين من فقرهم ومظلومية بلادهم إلى الجنة في اوربا التي وصل إليها البعض وبنى حياة احس فيها بكرامته الانسانية. لكن الكثير منهم يقع ضحية المهربين من المغرب الى اسبانيا. من طنجة الى سبتة ومنهم من يبتلعه البحر أو السجون في المغرب واسبانيا. وقد يقتل البعض من قبل حرس الحدود. كان حسن الزنجي قد تعرف على فتاة بيضاء ابنة أحد الدبلوماسيين الكنديين احبته وحصل بينهم علاقة جنسية انجبت طفلا كان اسود البشرة، تخلصت منه الفتاة، حيث اعطته لحسن حيث حضنته جدته بانو ونشأ عندها. اسموه سليم. يكبر سليم ويعيش معاناة فقدان امه وانه اسود البشرة وأنه ضحية تمييز اجتماعي. يقرر ان يذهب الى اوروبا، لكنه يقع ضحية رصاصة من حرس الحدود الإسباني تقتله. ترفض الشرطة تسليم جثته، ويخلق ذلك ندبة جديدة في حياة حسن. الذي اصر ان يقترب من الافارقة السود في احيائهم ويتعايش معهم ويفكر ان يعود الى الكونغو ويعايش البلاد التي جاءت منها امه بانو. كانت احياء السود ممتلئة بالفقر والعصابات وكانت مداهمات الشرطة دائمة لها. كان حسن يعمل اضافة لبيع العطور في متابعات صحفية وتحقيقات مزودا بكاميرا يصور بها ما يحتاجه في تقاريره. وفي مرة حصل مشكلة في حي السود حيث حضرت الشرطة واعتقلت الحاضرين ومنهم حسن، صادرت كمرته، لم يصدقوا انه مغربي وأن اباه من الاثرياء وانه ابن مدينة طنجة. يوضع في السجن ويرحّل بعد ذلك مع آخرين الى الكونغو. إلى هناك حيث جذوره التي يحن ان يصل اليها. كان سعيدا بما حصل له. لكنه يكتشف أن الشباب هناك مسكون بهاجس الهجرة إلى أوروبا عبر المغرب عبورا الى اسبانيا، هربا من حياة ظلم لا يرتضوها في بلادهم. وهكذا يخفي حكايته واصله ويبدأ مع آخرين رحلة الهجرة الى المغرب مع شباب آخرين، يقطع الصحراء مهتديا بالنجوم وبحدث إنساني غريب. يساعدهم الناس حيث يصلوا. وعندما يصلون الى المغرب يكتشف أن فترة غيابه لم تغير من واقع التمييز العنصري والمظلومية ضد الزنوج. وانه لم يستطع أن يستمر متخفيا بشخصيته الجديدة خاصة أنه فشل مع من كان معه في عبور البحر من طنجة  المغربية الى سبتة الواقعة تحت الحكم الاسباني. وخسر كل ما يملك مع نصاب ادعى أنه مهرب يساعدهم في العبور. اضطر للعودة إلى بيته. استقبلته أمه وأخوه كريم بحنان. لكن السلطات لم تتقبله، كانت قد حصلت عمليات ضرب أمريكا في عام ٢٠٠١م ومن ثم احتلال العراق. وظهور القاعدة وأفعالها عالميا. فتحت الشرطة تحقيقا مع حسن حول الصور التي وجدت في كاميرته التي كانوا قد صادروها. واتهموه بأنه كان يعد لأعمال ارهابية. حيث اصبح للقاعدة حضور ووصلت للمغرب…

هنا تنتهي الرواية.

في تحليلها نقول:

اننا امام رواية متميزة جدا، ممتلئة بالموضوعات تغطي فترة زمنية تمتد الى قرن تقريبا من حياة المغرب وافريقيا وامتداد ذلك دوليا. المغرب أيام الاحتلال الفرنسي والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين المغرب وامتداده الأفريقي جنوب الصحراء، وظاهرة زواج المتعة واستجلاب الزنوج كعبيد وخدم وجواري بشكل علني ثم بشكل مقنع بعد إلغاء العبودية. تسليط الضوء على التمييز العنصري ابيض – اسود. والذي ما زال ظاهرة عالمية طاغية تطال كل العالم. اتجاه السود والعرب والمسلمين والمختلف في اوروبا وامريكا وفي اغلب دول العالم. كما يسلط الضوء على أزمات افريقيا الطاردة لابنائها الذين يذهبون للغرب بصفته الجنة، هاربين من نار بلادهم التي لم تتقدم ولم تصبح ديمقراطية ولم تستثمر طاقاتها لصالح ناسها. الهجرة والمخاطرة والموت في البحر أو في الصحراء أو بسلاح الشرطة او ان يكونوا سجناء في الدول حيث يصلوا. لم تستطع مئة سنة من مآسي الزنوج ومثلهم المظلومين ان يعدلوا من واقع ظلمهم واضطهادهم الدائم، فمن كونهم عبيد ونساؤهم جواري الى الخدمة الدنيا والإذلال، حتى تحولوا ليكونوا ضحايا الدول في معاركها مع الإرهاب وليكونوا هم ادواتها وضحاياها كل الوقت.

لا تغيير في ميزان العدالة الدولي في كل موضوعات المظلومية العالمي. الأبيض والأسود. الأوروبي وغير الأوروبي ، المسلم وغير المسلم. النظم المستبدة القاتلة والشعوب الضحية كما هو حالنا في سورية والعراق وفلسطين المحتلة. وغيرها من الدول العربية.

كلهم يتحركوا لذات المطالب الانسانية للعيش الكريم وأن تنتصر إنسانيتهم وحقهم بالكرامة الانسانية والحرية والعدل والديمقراطية والحياة الأفضل…

اليس قرن من المحاولة الدائمة من المظلومين كافية ليأخذوا حقوقهم؟ !!.

أم مازالت الأرض تحتاج لمزيد من دماء الشعوب والمظلومين…؟ !!.

 

احمد العربي.

٤/٦/٢٠٢١م

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!