قراءة في رواية: زوج امرأة الرصاص

لصحيفة آفاق حرة

 

 

قراءة في رواية: زوج امرأة الرصاصش

وأبنته الجميلة.

الكاتب: عبد العزيز بركة ساكن.

الناشر: رؤية للنشر والتوزيع.

ط٢ . ورقية . ٢٠١١م.

 

عبد العزيز بركة ساكن، روائي سوداني متميز جدا، له الكثير من الروايات، قرأت له رواية الجنقو مسامير الارض وكتبت عنها.

زوج امرأة الرصاص وابنته الجميلة، رواية كُتبت عام ١٩٩٧م. معرفة تاريخ الكتابة والنشر في طبعتها الأولى مهم جدا لإدراك واقع حياة أبطال الرواية ومن ورائهم إدراك واقع السودان جنوبه وشماله.

تعتمد الرواية أسلوب السرد على لسان الراوي، متحدثا عن شخصيات الرواية الأساسية تباعا، الذين يمثلون كتلة عائلية متفاعلة و متعايشة، تخوض غمار الحياة، بحيث يتداخل المعاش المجتمعي مع النفسي، مع العمق القيمي لمجتمع متعدد الأعراق عرب وافارقة، متعدد الديانات الاسلام والمسيحية وديانات افريقية. كل ذلك في خضم صراع مرير بين شقي السودان الجنوبي والشمالي، مع عدم إدراك سبب هذا الصراع ولا  مآلاته، كأنّه مستهدف لذاته حيث يجعل حياة هؤلاء الناس مأساوية أكثر من واقع الفقر والفاقة، وكأن هناك أطراف خفية تتحكم بالصراع وتقوده، مطلوب من السودانيين القتال والموت ويجني آخرون ثمار الحرب المرّة.

في الرواية يتناوب الراوي بوضع شخصيات روايته تباعا على منصة التحدث والتعمق في كل شخصية، لتكتمل أحداث الرواية ونستوعب تفاصيلها وملامحها في خاتمتها، تماما مثل لوحة فنية تكتمل مع آر خط للفنان فيها.

نحن نعيد نسج حكاية الرواية بكثافة وبعد أن تجمعت خيوطها كلها لدينا.

الجد جعفر مختار، الجدة سلمى، الإبن محمد الناصر، زوجة الابن مليكة شول، أخو الزوجة ملوال، الأحفاد رياك ومنى… هؤلاء هم من تركز الرواية السرد حول حياتهم، مع ما يعنيه من تفاعلهم مع المحيط القريب حتى يصل الى السودان كله، شماله وجنوبه.

اكبرهم سنا الجدة سلمى التي ولدت من عائلة محافظة، وعاشت حياتها في ظل عائلتها الميسورة، زوّجها والدها عند نضجها من رجل يكبرها، مسلم مؤمن تقي كريم خيّر، لكنه كان شبه عاجز جنسيا، عاشت سلمى سنوات عنده، لم تحتمل استمرار عطشها الجنسي الدائم، طلبت الطلاق وحصلت عليه. سلمى تكبر جعفر مختار بالعمر ثلاثة عشر عاما. جاء الى بلدتها طفلا لم يُعرف اصله، لقد تخلى عنه أهله. كبر تحت عينها. وعندما نضج كان زوجها الثاني، عاشت معه فترة من الزمن، وتركته، لا تعرف إن كان هو والد ابنها محمد الناصر أم لا ؟. لقد عاشت حياتها بعد زواجات متعددة، دون ارتباط بزوج، ادمنت الجنس مع كل من تراه مناسبا، أو يدفع لها مقابل، أصبحت بالعرف المجتمعي عاهرة، وأصبحت ثرية بعد ذلك. عندما حملت بمحمد الناصر لم تجزم من يكون والده هل هو جعفر مختار أم غيره، رفضت الحمل، حاولت بأساليب كثيرة إسقاطه، لكنه نجا من كل المحاولات، ولد في الشهر السادس للحمل واستطاع العيش، رفضته سلمى وتخلت عنه، أخذه جعفر مختار وسلمه الى مرضعة ورعاه، وأصبح والده بحكم الأمر الواقع. أصبحت علاقة جعفر مختار ومحمد الناصر اقوى من أب وابنه، اصبحا اصدقاء، ادمنا المعرفة ووعي كل تفاصيل الحياة، يقرآن في كل المواضيع، يتبادلان الحديث والمشورة  وينظرون للحياة بعين العارف المدرك. ومع ذلك لم يستطع جعفر المختار أن يحرر ولده محمد الناصر من مشاعر الفقدان التي ولدها لفظ أمه له، و احتمال ان يكون ابن حرام، لذلك ادمن على المسكرات، رغم وعيه، وتصرف مع الحياة بلا مسؤولية، يرفضها كما اعتقد انها رفضته.

كانت مليكة شول ابنة الحي الذي يسكنه محمد الناصر، كبر تحت نظرها، أدركت مظلوميته، ومعدنه الطيب، لذلك قررت أن تخرجه من يأسه وضياعه، لذلك أرسلت له من قيده واحضره لها، اخبرته انها تحبه وتريده زوجا، وانه ليس مسؤولا عن ماضيه، والمهم ماذا يصنع هو بحياته، اقتنع محمد الناصر بذلك، كما بارك والده جعفر المختار ذلك، تزوجا وكوّنا اسرة.

لدى مليكة شول أخوين كانا قد التحقا بجيشيْ الصراع الغير مفهوم، ملوال مع جيش الشمال يعني الحكومة، والآخر مع جيش الجنوب، الذي يسميه الكاتب جيش الغابة، كانت موزعة القلب بين أخوين عدوين، لا تدري هل تفرح لنصر احدهم ام تحزن لهزيمة الآخر. كان خوفها الحقيقي من الحرب ونتيجتها الاهم الموت لاحد اخوانها او الاثنان معا. لم يتعمق محمد المختار ولا ابنه محمد الناصر رغم عمق معرفتهم وثقافتهم بالبحث حول سبب هذه الحرب التي تظهر أنها عبثية تضر الكل ولا تنفع احدا من اهل الشمال والجنوب، نعم تنفع السلطات التي تنام على حقوق الناس وعن الديمقراطية والعدالة، طالما هناك حرب، هي الأهم بعرفهم. كما أن هناك قوى ترعى مصالحها في الجنوب والشمال السوداني، تحتاج الى الحرب لتغطي على النهب المنظم للسودان، وتخلق مبررا لتقسيم قادم يصيب السودان، شمال وجنوب. ينفع الكل ويضر السودانيين.

لقد قتل جيش الحكومة ملوال الاخ الاكبر لمليكة شول بتهمة الخيانة، وصفته الدولة شهيدا. تأخر الخبر ليصل إليها، ولتعيش نكبة مقتل اخيها.

أنجبت مليكة شول من زوجها محمد الناصر ابنها الأكبر رياك، وبعده ابنتها منى، كبروا في حضرة جدهم وأبيهم ووالدتهم. رضعوا الوعي والمعرفة، كبروا و راهقوا وأحبوا، منى احبت  محمد عبد الله، سليل العائلة العربية المسلمة، بلون بشرته الحنطي، وكذلك أخيها رياك احب اخت محمد ياسمينا. لم يتقبل والد محمد هذا الحب وهذا الاختيار. ان محمد جعفر وزوجته سلمى وابنه محمد ناصر وزوجته مليكة شول وولداهما رياك ومنى من العرق الزنجي الأسود، ولا يعرف حقيقة دينهم هل هم مسيحيين أم على الديانات الأفريقية القديمة. لم يستطع والد محمد عبد الله الضابط الكبير في الجيش السوداني أن يقبل هذا الخيار لأولاده. لكن ابنه لم يستسلم واصر على الزواج من منى اجمل النساء، لذلك طلبها له صاغرا. اجابه محمد جعفر كبير العائلة على العين والرأس لكننا نطلب ابنتك ياسمينا لابننا رياك، ارتبك وطلب الانتظار ورفض، ثم لم يستطع الا ان يقبل استجابة لرغبة الأبناء الذين لن ينهزموا لمجرد رفض العائلة لزواجهما لأسباب عرقية أو دينية. لأن التعايش العرقي في السودان موجود منذ مئات السنين، لكن هناك من يتلاعب به لمصالح تضر السودانيين. والتزاوج الديني ليكن مرة حسب الشرع الاسلامي واخرى حسب المسيحية أو الشرائع الافريقية القديمة.

تنتهي الرواية بانتصار الأبناء وقبول الزواج بين منى و محمد عبد الله وبين رياك وياسمينا…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها نقول:

نحن أمام رواية اخرى متميزة للكاتب عبد العزيز بركة ساكن، حالة من الشغف تنتاب المتابع، حميمية في تناول الواقع والمشاعر، ورصد تطور الأحداث وتكشّف الحياة، عمقها في الماضي، آفاقها المستقبلية، الشفافية والمصداقية، غير المسفّة، لا مستور في الرواية، الحياة فيها الجنس، بمقدار حضوره في الحياة حاضر في الرواية، لكنه مبرر بوظيفة المعرفة والفهم وترصد حقائق المعاش.

تغوص الرواية عميقا في الذات الانسانية لابطالها بكل همومهم وطموحهم وآلامهم وآمالهم، كما تتعمق في رصد المناخ السياسي العام، صراع وتفاعل الأعراق والديانات ، صراع الشمال والجنوب والقاتل والمقتول سوداني. والمآل الذي لم ترصده الرواية لأنه سيأتي في الزمان القادم على تاريخ كتابة الرواية، وهو تقسيم السودان الى دولة السودان شمالا ودولة جنوب السودان جنوبا، وعدم رضى الشعب السوداني عن ذلك ومجيء الربيع السوداني ولو متأخرا عن الربيع العربي. والذي يصارع اليوم العسكر الذين يريدون مصادرة الثورة الوليدة…

والأيام حبلى بالمتغيرات لكن النصر للشعب السوداني سيكون ختام الحراك القائم…

 

احمد العربي.

٢٧ . ٧ . ٢٠٢٢م.

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!