قراءة في رواية: ملابس عسكرية. بقلم. أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة

 

قراءة في رواية: ملابس عسكرية.

الكاتب: عصام ابو شندي.

الناشر: المؤلف نفسه – عمّان – الاردن.

ط١، ب د ف، ٢٠١٩م.

بقلم. أحمد العربي

عصام أبو شندي كاتب أردني، هذا أول عمل أقرؤه له.

ملابس عسكرية، رواية تعتمد أسلوب السرد بلغة المتكلم، على لسان الشخصية المحورية زهدي الأردني، الذي يتحدث فيها عن نفسه وحياته، وما حصل معه على مدى عامين ونصف. في وقت كانت سوريا قد دخلت في ثورتها في ربيع ٢٠١١م، وتكالبت عليها كل قوى الدنيا مع النظام السوري، ودخلت في دوامة القتل والتدمير والتهجير وخُلقت مجموعات إرهابية، وأضاع العالم -عن قصد- حقيقة الثورة السورية.

في هذا الظرف دخل زهدي في معترك الوضع السوري.؟ !!.

زهدي شاب أردني عادي، من بيئة فقيرة، يعيش في مدينة الزرفاء ومن ثم انتقل إلى منطقة رويشد ذات البيئة الصحراوية القريبة من الحدود السورية الأردنية.اختار منذ طفولته أن يسير وفق أهوائه وما يدركه عقله انه مصلحته. لم يتورع عن الإتيان بالأعمال الخاطئة مثل سرقة محتوى حقائب رفاقه في المدرسة، وأن لا يهتم بدروسه وأن يصاحب رفاق السوء إلى أن انتهى به الأمر للفشل في العلم وترك المدرسة. وضعه والده عاملا يخدم في مطعم كان يسرق بعض المال منه. وهكذا كبر زهدي على هذه الحال نفس أمارة بالسوء، و صحبة سيئة تعلّم شرب الدخان، وكذلك الخمر، كان يعيش تناقضات في نفسه، فتارة يخطئ كما تهوى نفسه، وتارة أخرى يعود إلى الله خوفا وطاعة، يصلي ويذهب إلى الجامع. كبر زهدي على هذه الحال وفتح له دكانا صغيرا يبيع فيها الفلافل. لا أفق مستقبلي له، فما يوفره من مال يكاد يؤمن عيشه اليومي. عنده آصدقاء في المسرات والموبقات، وآصدقاء في أوقات الطاعة والعبادة.

كان يذهب في صحبة أصدقائه الى الصحراء المجاورة لبلدتهم للقنص والصيد. اتفق مع أصدقائه على رحلة، تحركوا بسيارتين. ثلاثة أصدقاء ودليل يقودهم في مسارب الصحراء وطرقها. كانت هذه الرحلة بداية حياة مختلفة عند زهدي؛ فقد تحركت السيارات و أوغلت في الصحراء، وتبين أن الدليل أضاع الطريق. استمروا بالحركة ليلا بعد نهار. وفي لحظة شاهدوا في الأفق آثار إطلاق نار، خافوا، وما هو إلا وقت قليل حتى تعرضوا لإطلاق نار أصيب صديقه المرافق له في السيارة مباشرة ومات، توقفت سيارته. وهربت السيارة الأخرى، هاجم سيارته مسلحون. تبين أنهم جنود سوريون، و قائدهم من الساحل السوري أدرك ذلك من لهجته المتميزة. اعتدوا عليه بالضرب والسب والإهانة. أخذوه دون أن يسألوه أي سؤال. احتجزوه في زريبة للحيوانات، تبين أنهم يجمعون أغنام مصادرة من المهربين عبر الحدود رين البلجين. تأتيهم عبر طائرات هليكوبتر ويعيدون توزيعها، حيث أنهم نقطة أمنية وعسكرية للنظام السوري. عاملوه بقسوة وحرمان طعام وشراب. وبعد أيام من الاحتجاز  إحضروه وخلع أحدهم ملابسه واغتصبه جنسيا أمام الكل. كان ذلك قاسيا جدا على زهدي يئس من حاله، تمنى الموت، وأضمر انه سينتقم، ولو بعد حين. وبعد فترة نُقل زهدي والمجموعة التي احتجزته إلى مكان آخر أوسع وفيه جنود اكثر ومعتقلين أكثر. أدرك زهدي أنه قد دخل الأراضي السورية مع صديقه بالخطأ ووقع ضحية لهؤلاء العسكر التابعين للنظام السوري، وأن الصراع داخل سوريا وصل إلى ذروته. وأنهم محتجزين ولا يعرفون لماذا؟ !.ولا ماذا سيحدث معهم بعد ذلك. أغلب المعتقلين مثله ليس لهم علاقة بما يحصل في سورية. ومضت فترة وجمع كل المعتقلين في سيارات كبيرة وذهبوا بهم إلى مناطق يبدوا انها منطقة صراع بين النظام والقوى المسلحة التي ثارت عليه. علم أنه قريب من منطقة تدمر السورية. اتخذهم النظام دروع بشرية لزجهم بمعركة يكونوا فيها قتلى دون أن يدافعوا عن أنفسهم. وهكذا حصل، قتل الأغلب، ومن لم يمت؛ أجهز عليه العساكر السوريين. زهدي لم يقتل، أعيد تجميع زهدي مع أمثاله في معسكر اعتقال في منطقة تدمر. وهناك استمروا لفترة يعيشون حياة السجن والاعتقال والتعذيب والجوع والمرض. وبعد فترة حصلت معارك خارج السجن بين جيش النظام وجماعات إسلامية تحاربه. انتصرت الجماعات المسلحة، نُكّل بالجيش السوري، قُتل أغلبهم وهرب الباقي. انتقل زهدي من سجن النظام إلى سجن الامارة الاسلامية الجديدة، واستمرت حياته أقرب للجحيم. وبعد فترة تم استدعاؤه؛ ليكون معاونا في الطبخ في بيت الأمير؛ لكونه كان لديه مطعم للفلافل. وهناك تحسنت حياته. عادت هواجسه و مشاعره المتوقدة جنسيا تجاه النساء اللواتي حرم من رؤيتهم لفترة طويلة، وهنّ الآن بجواره حريم الأمير وجواريه. وما أن مضت فترة من الزمن. أصبح مقرّبا من الأمير ويقوم على خدمته. تم استدعاؤه من نائب الأمير، ليكون جزء من مؤامرة على الامير لإقصائه والانقلاب عليه. وافق معهم خوفا، وبعد ذلك أخبر الأمير بذلك. افشل الأمير المؤامرة وقتل الخونة. وكافأ الأمير زهدي: بأن جعله نائب قائد قواته العسكرية التي تعد بالآلاف. وهكذا تحول زهدي من سجين لخادم لقائد عسكري، عرف أن الإمارة تمتد على مساحة واسعة بجوار دير الزور وإن فيها بئر نفطية يباع نفطها  للنظام وللناس، وأن المجموعات المسلحة التي ترفع راية الإسلام متوزعة في المناطق المجاورة. تتقاتل فيما بينها أحيانا، وتعقد الهدن أحيانا أخرى، وأنها على صراع مع النظام، و تهادنه أحيانا أخرى أيضا. وقد تتبادل معه المصالح، مثل النفط وغيره. رفع راية الدين الإسلامي مجرد ستار لحقيقة أنهم يتصرفون كمرتزقة، وان حياة الناس عندهم مستباحة. وخاصة النساء اللواتي أصبحن جواري، وبعضهن يُبَعن في الأسواق كالعبيد. وما إن مضى وقت في دور زهدي كقائد عسكري، حتى أدرك أن هناك مخطط من الأمير للقضاء عليه. فبادر هو و معه بعض المتعاونين، وقام بانقلاب على الأمير وقتله وقتل من كانوا حوله، وأصبح هو الأمير. لديه القصور والجواري والعبيد والمال الوفير من ذهب ونفط ودولار . وهكذا زاد شرعيته بمشايخ يلقبون شرعيين. يحاسبون من يشرب الدخان مثلا. ويمارسون في خلواتهم كل أنواع الرذيلة. لم تعد الحرب تعنيهم إلا للدفاع عن اماراتهم وممتلكاتهم ومكاسبهم. يقاتلون النظام ويتلقون براميله وقصفه شبه الدائم. وعندما يحدث صدام بين امارة ما والنظام يغض الطرف الآخرين عن المعركة، لأنها ليست معركتهم. لقد قسمت المنطقة إلى إمارات ومواقع مكاسب لكل على حدة، قد يهاجمون بعضهم ويحتلون إمارات بعضهم، مع ما يصاحب ذلك من قتلى كثر من الطرفين، يموتون دون أي معنى، وفقط لأجل مصلحة الأمراء وحاشيتهم…

حافظ زهدي الأمير على إمارته ومكتسباته وتحالفاته، وما إن مضى وقت على ذلك حتى استعاد النظام المبادرة بمعية الغرب والروس والإيرانيين، وبدأ يهاجم هذه الإمارات ويسقطها تباعا. واستمر الحال هكذا حتى وصل إلى إمارة زهدي. الذي قاوم وعناصر إمارته، لكنه انهزم ومن معه في النهاية، وعندها هرب متخفيا وعاد الى شخصيته الأخرى الأصلية يبحث عن حدود بلاده ليعود إلى بلدته لعله يعمل في بيع الفلافل… هذا إن لم يقتل قبل الوصول الى الحدود.

هنا تنتهي الرواية.

وفي التعقيب عليها أقول:

إننا أمام رواية مختلفة في إطلالتها على الثورة السورية. إنها تتحدث من خارج الثورة، وما تبعها ومن معها ومن ضدها. لقد نجح الكاتب في إظهار بطل روايته على أنه إنسان عادي بسيط مؤمن وفقير وبلا أفق ولا أحلام، له موبقاته الصغيرة. لا تعنيه سوريا ولا ثورتها من قريب أو بعيد. لكنها أخذته إلى عمقها رغما عنه. فها هو يطل على القتل والتدمير والقصف الذي ينهال على البلاد والعباد من فعل النظام. وهاهو النظام يستبيح كرامة بطل الرواية كما يستبيح كرامة السوريين. وهذه سورية تقع كلها ضحية تكالب القوى الخارجية التي تسمح للمجموعات الارهابية من القاعدة وداعش.. الخ، وأن تهيمن على أغلب مساحة سورية في وقت ما. ممارسة أسوأ حكم ومعاملة متوحشة تسيء للناس وللإسلام على السواء. لتتحول الثورة السورية والشعب السوري إلى ضحية لعبة دولية، ويحضر العالم ليحارب الإرهاب؟!. وليعود النظام بظلمه وبصمت دولي، يؤسس لدولة البطش والقتل والاستبداد والطائفية. ويعود الشعب السوري مجددا عبيدا في مزرعة النظام المجرم.

لا شيء تغير؟ !!. بل ما حصل بحق الشعب السوري كان أسوأ مما يتصوره عقل…

ملايين بين ضحايا ومصابين و معاقين و معتقلين، ملايين المشردين، بلادنا سوريا مدمرة ومهجورة، مستباحة من روسيا وإيران والأمريكان ومرتزقة ال(ب ك ك) حزب العمال الكردستاني وال( ب ي د) الانفصاليين، جوع وفقر وفاقة تحصد ما تبقى من الشعب السوري، وتشرد و معاناة وغربة ويأس أصاب من غادر إلى بلاد الله التي لم تقبلهم…الا ما ندر…

لقد أصبح حلم أسقاط النظام المستبد المجرم وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية دولة الحرية والعدالة والكرامة والحياة الافضل… أكثر بعدا.

لكن الأمل مازال قائما…

١٩/٢/٢٠٢٢م.

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!