قراءة في قصيدة { اللوحه } للشاعرة الاديبة ناهد الشمري بقلم الكاتب: تقي مطشر

عندما يعيش الشاعر حدث ما , فإنه يحلق في ملكوت عقله الباطن مستعرضا أحداث ذلك الحدث لينقله لنا على شكل صور هي كالحلم لا يراها غيره . فيبدع في وصفها لأنه يعيشها ويتفاعل معها .وهكذا فعلت الشاعرة المبدعة ناهد الشمري بقصيدتها اللوحة ..حيث حلقت بأجنحة الحلم حول موقع معركة الطف لترسم لنا لوحات مفعمة بالبطولة والحزن ولكن بلوحات رمزية لا يمكن أن يرسمها إلا شاعر باذخ الاحساس رقيق القلب مرهف الشعور لوحات روت لنا الملحمة ليس كما يصفها أرباب السير بالسرد التقليدي ولكن على شكل قصيدة نثرية رائعة مفعمة بالرمزية أو لوحة مقطعة إلى لوحات صغيرة كل لوحة تحكي لنا قصة من قصص الطف فتقول …هاهي أمامي…أرض كور بابل …أو النواويس ..مشيرة إلى موقع المعركة الذي حدده الحسين عليه السلام بقوله { كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكريلاء } وتتصور الشاعرة المعركة وهي محلقة بأجنحة حلمها ولكن برمزيتها الرائعة …فأغمضت روحي …لأسترق النظر ..وتمضي في تحليقها واصفة لنا المعركة المأساة …تطايرت رؤوس النجوم …قلوب تجري حافية إلا من رعب …تستشف كل مخاوف الأرض …عيونا تحتضن أجسادا مسرعة نحو الذبج ..ثم ترسم لنا صورة لايمكن رسمها إلا من شاعرمتمكن من أدواته حين تقول …كانت الأرض قد هيأت رحمها لاحتضان ساكنيه … مشيرة إلى الآية القرأنية { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } أما حين تمرعلى شاطئ الفرات فترى العباس وقد صرع وهو يناضل للوصول الى الشاطئ وقد قطعت يداه ترسمها لوحة تراجيدية لا يقدر عليها إلا ناهد الشمري …رأيت قربة ترفرف في سماء روحي …كأن جناحاها ذراعان يقطران عطشا … لم تقل دما لأنه استشهد عطشانا مثل أخيه الحسين .لم تنس وهي محلقة أدق تفاصيل الطف حتى خنصر الحسين المقطوع حين قطعه سالب خاتمه …خنصرا هناك تعبث به ذرات الرمل …أما القائد حلم الانسانية بالتحرر فتصفه هذا الوصف …حلما هناك تركله …حوافر الظلم … وتمضي في تحليقها لترى زينب أخت الحسين تشاهد مصرع أبناؤها وأهل بيتها …ورأيت جبلا …يقف على تل قريب … بانكسار يلوح لله … لله درك أيتها الشاعرة كيف جمعت النقيضين في أن واحد , الجبل وصلابته ثم انكساره ,ونحن نعلم أن الجبال أعصى شئ على الانكسار إلا حين يمر بها أمر خطير لا يحتمله بشر فانها حينئذ تصبح دكا …أما الصغار الخائفين المرعوبين فتصفهم وقد علقت نيران المخيم بثيابهم …نار تلتهم ما تبقى من أمان…طيور جفلت بلا حول ولا قوة … فلم تترك النار لهم أجنحة … وتنتهي المعركة وقد صرع معسكر الحق عن آخره فتنتهي معها لوحة ناهد الشمري , بابداعها وجمال صورها الرمزية الرائعة التي رسمتها لنا بحرفية عالية …في ساعة أو يزيد … هدأت الأصوات …إلا من الريح …وهي تذرو بقايا الوقت …

ألف شكر لك أيتها المبدعة التي أتحفتنا بهذه اللوحة العبقرية وإلى إبداع آخر

عن أيمن قدره دانيال

كاتب - شاعر - اعلامي - عضو الاتحاد العام للاعلاميين العرب 2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!