قراءة في قصيدة للشاعر إياد حلمي بقلم أحمد وليد الروح

حين تكون الأحلام 

مؤجلةً
الى موسمٍ
جرحته الريح
قديما
نرسمُ أبواباً
لانعبر منها …..
كثيرةٌ هي العتبات
الفارغة….!!!!!

الشاعر إياد حلمي

*****************

هو الحنين و الشوق لبلوغ الأحلام .. هي ليست مؤجلة فقط بل قد تكون مستحيلة ..فهي قائمة فعلا ليس بذهن الشاعر و مخيلته فقط بل هي قائمة  في مكان ما ، لا بد أن يتراءى يوماً… وفي ذات زمان لا بد أن يأتي .. و كأننا بالشاعر عليه فقط أن يضغط على زر لتتحقق أحلامه فهي سهلةالبلوغ لكنها بذات الوقت مستحيلة …

هكذا يطلبها الشاعر و يريد تحقيقها بشدة .. و يتكرر عنده الطلب و تكبر الرغبة بنفسه يوما بعد يوم .. 

كثيرا ما كان يرسم أبوابا ليعبر من خلالها إلى عالمه الآخر عالم الأحلام ، بفعله هذا هو يعلن أن أحلامه ليست مستحيلة و أنها قابلة التحقيق و يثبت بنفس الوقت سيطرت الأحلام على فكره ، و وجودها في باحة الذات الحالمة  الشيء الذي ينتج عنه إثبات الذات في فضاء الوجود فهي ( أي الذات ) إنعكاس الأحلام بمرآة الوجود ، و كأن الشاعر لا يعيش إلا ليحلم و لا يحلم إلا ليعيش ، فهو يعيش جدلية ” الحلم /الواقع ” ففعل الرسم ـ رسم الأبواب ـ ليس سوى إستحضار الأحلام للخلاص من  جحيم الواقع فهو إنعثاق روحي للخلاص .

ثم إن لفظة ” الريح ” تلعب دورا مهما للتعبير عن الجرح ـ القديم ـ  فهي تقسم الجرح إلى إثنين ، شقاء فكري مقيد  ( الفكر يقيده الواقع ) و شقاء روحي مطلق يظهر ويتجلى في التوق للوصول إلى الغاية الكبرى : تحقيق الأحلام المؤجلة …

يقول الشاعر : “قديما .. نرسم أبوابا .. لا نعبر منها ..”  فهو يؤكد على أن الأبواب مغلقة ، هي مجرد رسم لا يمكن العبور من خلاله ، و بهذا الرسم للأبواب تتجلى صورة الانغلاق والقيدية التي تمارسها الأبواب  على الذات الشاعرة ،  فهي تقيد حركة الشاعر و تجبره على الرضوخ للواقع ، فعبثا يحاول تحقيق أحلامه إلا أنها لا تتحقق ” لا نعبر منها ”  فالأبواب هنا هي بؤرة الخلاص ، المنفذ و النقطة الوحيدة البيضاء للتفاءل داخل ظلام اليأس .. لكنّها رُسمت ( أي الأبواب ) فقط للتأمل و إمعان النظر فالعبور منها مستحيل و لو بالحلم ، فهو غير متححق حتى بالخيال .. 

هكذا يتبلور عالم الانغلاق والقيدية في إطار تصور ثنائية “الأبواب المغلقة / و العتبات الفارغة”، إذ تبرز صورة العتبات فارغة .. مهجورة ، منظرها يوحي بأحاسيس و مشاعر كثيرة ( البؤس ، الشقاء ، الألم .. الحزن ..)  و تتعمّق الصورة و تتوحد بينها و بين الشاعر و بينها و بين المتلقي فيصبح الكل يعبر من خلال صورة واحدة ـ فهي رمز الخيبات المتكررة و الأحلام المستحيلة ـ  تتكامل و تتفاعل بتفاعل الداخل والخارج والذات والموضوع .

إذن لم يكن الشاعر محظوظا مادام فعل الرسم يتكرر بإستمرار فهو قائم  في ذاته جاثم في مكنوناته الداخلية لكن جزمه و قناعته بإستحالة الأحلام لا تسمح له بالإستمرار في تفاؤله و المضيء في محاولاته المتتالية  ، أحلامه تكاد تكون مستحيلة و ليست في المتناول و بعدها عن التحقق بات بديهيا .
 في الواقع أراد الشاعر أن يجد منفذا للخروج من دائرة المستحيل و الأحلام المؤجلة معتقدا أن الأبواب ستُفتح  بفعل دورة الزمن ، و كل المستحيلات في قرارة نفسه تنتهي  بإنتهاء دورة المتغيرات في عالم الواقع و أن تحقيقها يقتضي السعي و المتابرة ..  و يعتبر هذا التفكير من بين الحلول الحاضرة في نفس و ذهن الشاعر فهو يظن أنه بالجهد المستمر تسقط  كل المعوقات التي تحول بينه و بين تحقيق أحلامه لكن الزمن يؤكد عكس إعتقاده .. تبقى أحلامه مؤجلة لا يتسع لها العمر ، رغم أن التسليم بعدم حدوثها يشكل نوعا من ” الصدمة ” إلاّ  أن مجرد الحلم يعد عنصرا مهماً في إثبات الذات على رقعة الواقع .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!