قراءة في كتاب:الخلافات السياسية بين الصحابة

كتب :احمد العربي

رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ.
الكاتب: محمد المختار الشنقيطي.
الناشر: مركز التفكير الحر.
ط١ – ورقية- ٢٠١٦م.

محمد المختار الشنقيطي، مفكر ومجدد إسلامي. كتاب الخلافات السياسية بين الصحابة أول عمل فكري اقرؤه له.
الخلافات السياسية بين الصحابة، يتناول فترة مهمة من تاريخ التشكيل السياسي المؤسس للدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول ص. يتميز بأنه تناول معاصر للموضوع من داخل المدرسة الإسلامية السنيّة . حيث يعتمد الشنقيطي على حفريات معرفية كبيرة وعميقة واستقصاءات مكثفة للتوصل الى الاستنتاجات التي توصل لها.
كما قدم للكتاب “الرسالة” كما يفضل تسميته الشنقيطي كل من المفكرين المجددين الإسلاميين راشد الغنوشي في طبعته الاولى ويوسف القرضاوي في طبعته الثانية، وقد باركا الجهد واكّدا أهميته.

الفكرة المركزية للكتاب.
لقد أراد الكاتب في كتابه أن يعيد طرح ما حصل تاريخيا بعد وفاة الرسول ص وبداية تشكيل الحكم السياسي الإسلامي، بدءا من اجتماع سقيفة بني ساعدة ومبايعة أبي بكر خليفة للمسلمين، وبداية العصر الراشدي، والتطورات التي حصلت فيه بين الصحابة في عهود الخلافة الأربعة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وكيف كانت فترة حكم أبي بكر وعمر شورية بنسبة كبيرة. وما شاب فترة عثمان بن عفان من هيمنة بني أمية على مفاصل الدولة وحكم الولايات. الذي سبب بمقتل عثمان وجاءت خلافة علي حيث لم يقبل معاوية بن أبي سفيان والي الشام البيعة لعلي تحت دعوى الانتقام لدم عثمان اولا. وما تبعه من تطورات وصراعات وحروب، حيث شاركت عائشة بنت أبي بكر زوجة الرسول ص في ذلك وسميت المعركة التي شاركت فيها موقعة “الجمل” وكذلك حرب “صفين” حيث حصل الصراع بين أنصار علي وانصار معاوية وما حصل قبلها من “تحكيم” لم يثمر عن حل، بل ادى لمزيد من التشتت وضياع سبل الحل، وظهرت فرقة الخوارج، التي قتلت علي وحاولت قتل معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، حيث اعتبروا هم راس الفتنة، وبعد مقتل علي استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان وأصبح الحاكم المسلم الأول الذي يأخذ الحكم غصبا “ملك عضوض” وتحولت بعده حكما وراثيا، ولم يعد الحكم شوريا كما كان أيام الخلفاء الراشدين، مع ما صاحب فترة معاوية وبعده ابنه يزيد من صراعات مع الصحابة وأبنائهم، القتال مع الحسين بن علي ومقتله مع أغلب عائلته. ومقتل طلحة وعبد الله بن الزبير وعمار بن ياسر، واستباحة المدينة المنورة ومكة المكرمة.
إن الفكرة الجوهرية للكتاب هي الاقتراب من الموضوع بمحاولة فهم الحالة كما حصلت بالمعنى التاريخي. مع فصل مدروس بين العقائد الثابتة للإسلام والأشخاص الذين كانوا عمدة الحدث التاريخي برمته. مع محاولة حثيثة للاقتراب لحقائق الحال أكثر مع انصاف والفهم والتفهم، مع محاولة إسقاط كل العوالق التاريخية التي صاحبت سرد هذه المرحلة على أهميتها التأسيسية للتوسع الإسلامي بعد ذلك. ومع بداية تشكل الشيعة وأهل السنة مع ما حصل من تشعبات لكل فريق، وإعادة قراءة الحدث من منظور كل طرف. بل اعادة تشكيل الحدث في سرديات كل طرف ووفق مصالحه.
الكتاب محاولة علمية “ضمن المدونات الاسلامية” لتقديم اصح رؤيا لتلك المرحلة من منظور الاسلام السني، بالطبع على رأي الكاتب. اعتمدت الرسالة العودة الى مراجع “المحدثين” أهل الحديث مثل البخاري ومسلم وغيرهم من الدارسين و المنقحين وكان الاتكال بشكل مركزي على ابن تيمية واستقصاءات بحثه المستفيض.

قواعد الكتاب وضوابطه.
لقد وضع الشنقيطي اثنان وعشرون قاعدة منهجية لضبط دراسة الموضوع تبدأ من التثبت من النقل والرواية، وفضل الأصحاب “اصحاب رسول الله ص”، والتمييز بين الذنب المغفور والسعي المشكور، والتمييز بين المنهج التأصيلي والمنهج التاريخي، والاعتراف بحدود الكمال البشري، والإقرار بثقل الموروث الجاهلي، وان اجتماع القوة والامانة في الامة قليل، وضرورة الأخذ في النسبية الزمانية، وعدم الخلط بين المشاعر والوقائع، والابتعاد عن اللعن والسب، والابتعاد عن التكفير والاتهام بالنفاق، والتحرر من الجدل وردود الأفعال، وضرورة إدراك الطبيعة المركبة للفتن السياسية، وضرورة اجتناب الصياغة الاعتقادية للخلافات الفرعية، الابتعاد عن منهج التهويل والتعميم. والتمييز بين السابقين وغير السابقين، واجتناب التكلف في التأول والتأويل، وضرورة التدقيق في المفاهيم والمصطلحات. والتمييز بين الخطأ والخطيئة والقصور والتقصير. والتمييز بين الخطاب الشرعي والخطاب القدري، واخيرا الحكم بالظواهر والله يتولى السرائر.
لقد وضّح الشنقيطي أنه اعتمد على متون ابن تيمية كمرجعية أولى في إنجاز كتابه هذا. وان له بعض الملاحظات عليه وكلها كانت فرعية لا تتعارض مع اهم ما ذكره ابن تيمية. كما حاور القاضي ابن العربي الذي دون في كتابه العواصم من القواصم تلك المرحلة وأنه برر أفعال معاوية وابنه يزيد بعده وكذلك ولاته، وظهر هذا في سياق الدفاع عن السنة في مواجهة الشيعة، حيث سماها الشنقيطي “التشيع السني”، كتعبير عن المغالاة في التغطية عن أخطاء بني أمية.

ماذا أراد ان يقول الكتاب ؟.
إن اعتماد الكتاب على مرجعيته المستمدة من علماء الحديث وطريقتهم في التواتر والجرح والتعديل والتحقق من الأشخاص والحوادث، جعله يبتعد عن المؤرخين الذين خاضوا بهذا الموضوع، على فترات طويلة ومتباعدة، وكان مرجعه المركزي ابن تيمية الذي اصل للموضوع في كتاباته وكان أقرب للمنظر الذي يريد قراءة الوقائع التاريخية بعين الباحث المدقق مستفيدا من علم الحديث والأحاديث التي بين يديه دون تبعية مباشرة لأي مؤثر إلا خدمة الإسلام والحق كما رآه.
توصل الكاتب الشنقيطي إلى مجموعة نتائج أراد أن يثبتها في كتابه. أهمها ضرورة الفصل بين الإسلام كشريعة ثابتة، وبين المسلمين المتبعين مع ما يعتري تصرفاتهم من أخطاء. وأن المسلمين الأوائل كانوا على درجة من المصداقية والصدقية تجعلنا نتحرج عن الخوض في أفعالهم دون تحقق وتأكد وتمكن. وأن الثغرات التي حصلت في فترة حكم عثمان وأدت إلى مقتله، وبيعة المسلمين لعلي بعد ذلك وامتناع معاوية ومعه عمرو بن العاص عن البيعة فيها بوادر العمل للوصول إلى حكم المسلمين، وإن ما حصل بعد ذلك من صراعات، في الجمل والتحكيم وصفين، حيث حاول الكثيرين من المحدثين تخفيف هول ذلك لكن ذلك أدى أخيرا لانتهاء حكم الخلافة الراشدة وبداية حكم الملك العضوض، الحكم الوراثي الجبري، بدء من معاوية مع ما صاحبه من تصفية لكل مختلف ومقاوم لسلطة بني أمية، راح ضحيتها آلاف المسلمين الاوائل في صفين والجمل بداية ثم كربلاء والحرة ومقتل الحسين وعمار بن ياسر وطلحة وعبد الله بن الزبير ومعهم كثير من المسلمين.

ولنا رأي.
اولا: يعتبر الجهد الذي قدمه الشنقيطي في كتابه مهما في التقصي عن هذه المرحلة التاريخية، من داخل المدرسة السنية الاسلامية، حيث كانت هذه المرحلة مسكوت عنها، او متروكة للتهويل والاستخدام السياسي والمدح والذم بحسب المقام والاستخدام. ضمن سياق تاريخي صراعي بين الفرق الإسلامية، مازال مستمرا للآن.
ثانيا: نعلم أن هذه الفترة من التاريخ قد درست من كثيرين آخرين يعتمدون المناهج العلمية التاريخية، بعضهم يعود للمستشرقين مع ما يعتري هذه الدراسات من مقصدية مصلحية بعضها استعماري ويقصد التشويه والاساءة لتاريخنا وعقائدنا. وبعضها الآخر يعود لمفكرين عرب ومسلمون قدموا أبحاثهم المتميزة التي غطّت الموضوع وما قبله وما بعده. منهم هشام جعيط ومحمد عابد الجابري وحسن حنفي …الخ. هؤلاء المفكرين الذين أطلّوا على الموضوع ذاته لكن من باب التأريخ وليس من باب علم الحديث كما فعل الشنقيطي. وقدموا لنا الفهم الأقرب للموضوعية لتلك المرحلة التاريخية والمؤسسة في امتنا العربية والاسلامية.
ثالثا: المهم بالنسبة لنا ونحن في القرن الواحد والعشرين، أن نحدد كيفية تعاطينا مع الإسلام في الجانب السياسي لحياتنا، مع ان بعضنا مازال يختلف في الجانب العقائدي والعبادي.
الجانب السياسي الذي فتح الباب واسعا ليدخل منه أدعياء الدفاع عن الإسلام، يطرحون تصوراتهم ويقومون بأعمال يرون أنها تؤدي لعودة الحكم الإسلامي، مع ما ترتب على ذلك من بطش الانظمة المستبدة الحاكمة في بلادنا العربية والاسلامية بهذه الحركات والمجتمعات ذاتها، وقامت بمجازر واعتقالات وإعدامات وبطش عشوائي. مع ما صاحب هذه الحركات من عنف مسلح أرادت من خلاله الوصول للحكم لكنها اوغلت في الدم الحرام. واصبحت بعد وقت ادوات بيد بعض الانظمة والقوى الاستعمارية العالمية، وانتجت اخيرا نماذج ارهابية كالقاعدة وداعش اساءت للاسلام والمسلمين واعتمدت افعالها للاساءة للعالم الاسلامي قاطبة.
رابعا: لقد اجتهد علماء الأصول المسلمين وبحثوا في مناط الحكم الإسلامي واكدوا ان هناك مجال عقائدي وعبادي قطعي ثابت بالنص القرآني و بحديث رسول الله ص وأفعاله، وهناك مجال سياسي دنيوي تم احالته الى مقاصد الشريعة التي تحافظ على النفس والدين والمال والعرض والعقل، والتي عنت بالمفهوم العام المتعلق بالجماعة والمجتمع الحفاظ على المصالح العامة وتوفير الحياة الكريمة الحرة والعادلة للناس وتأمين سبل الحياة الأفضل لهم. والتي أصبحت مرتبطة بمفهوم الشوروية المعاصرة التي تعني النظام الديمقراطي التشاوري التعاقدي بين أبناء المجتمع. وان مرجعية ذلك معرفة قوانين الحياة والكون وسنن الله في خلقه وكونه، وبهذا أصبح المجال السياسي مرتبطا بمعادلات الواقع وكيفية التعامل معه وعلاج مشكلاته لتحقيق الحياة الافضل للجميع.
اخيرا: مرة اخرى مهم هذا البحث الذي قدمه الشنقيطي لكونه داخل المدرسة السنية الاسلامية، على أنه خطوة أولى على طريق عقلنة التعامل مع الإسلام كدين ودور مجتمعي عام، ومع قضايا المجتمع والناس، ورفع الغطاء والمشروعية عن من يدعي انه يمثل شرع الله ويعمل لتحقيق حكمه على الارض، وان هذا الادعاء أصبح من رواسب استخدام الدين من غير وجه حق، ومن الماضي، وأن نعمل لحل مشكلاتنا وفق ما وهبنا الله من قدرة علمية وعملية لتناول واقعنا ومعالجته على احسن حال.

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!