قراءة في نص “الخروجُ مِنْ قلْبِي” للشاعر والاديب المصري صابر حجازي.بقلم جوتيار تمر

  النص 

*******

 

الخروجُ مِنْ قلْبِي

—————-

 

 قلبي العارفُ بالأيام

 مازال يُجازفُ بالأحْلام

يخترقُ ظلامَ الليل ، وصمتَ الألَم

 يشُقُّ طريقًا للإبْحار

 فِي الخوفِ السَّاكِنِ بالأقْدار

 يُنَقِّبُ فِي صَمْتِ الأعْماق عَن الأزهار

 يفتش في هذا العالم

يسبح ضد التيار

 

**

 

 مُحْتَالٍ خَدَّاع

.مَنْ قاَل بأنّ الإنسانَ الجَاسِر

لا يعرفُ إخْضاع

محتال خدّاع

مَن قال بأن الصُّبح الكاسرَ

 لا يعرفُ إخضاع

 

 فالحقّ

 الحقّ يُعَانِقُ صوتَ البَاطِلِ

يَرقُصُ

فَوْق أسي أوْتار الكذب

 يضاجع

جسم حقيقة حرف غادر

 

 مُحْتالٌ خدّاع

مَن قال بأنّ القاتَل

 يقتُل

 دون دِفاع

قتلوكَ أيا (يوسف)

 آه..لو نَظرُوا  في الجُبِّ

 لرأوْكَ حَزيِنا مُلْتاع

 

**

 

 قلبي قد عاشَ بِلاَ أضْلاع

 تمْخُرُة الدمعة ُ- والأعْوام…

ونبض الكلمة

 والبحث عن اللّقمةِ

 لكنْ فِي خوْف ِالعَصْر الأعْمَى

 مدّ ذراعا

ليفتِّش في نَبْضِ الأحْلام

عن موجةِ نُورٍ

 تَتخطَّي الدّيْجوُر

تمْحُو كل ظلاَمٍ طاف

تعيد ُخُطاَه

يَمُدُّ يديْهِ لِيَكْسِر َ

    قيْد الأسداف

 

………………………

 القراءة

 

يتمثل عنوان النص “الخروج من قلبي” ضمن العناوين القصدية التي تميل الى الايحاء والشروع في نفس الوقت،  فيتدرج المضمون في ما يشبه العنوان أو اللازمة التي تقوم على تدشين النص وتدفع حركته وتجعله يتمفصل حوله ” العنوان” ويتنامى ويتكامل، وعنه ينتشر وإليه يرتد فينغلق به على المساحات الرؤيوية فتتحول وتتوسع  تلك المساحات حسب ماهية القضية ،بالمعنى المنطقي التي تلازم الشعر، وتتخذ شكلا موحياً بالمعنى النحوي والدّلالي التداولي ” الخروج..قلبي..” .

 

قلبي العارفُ بالأيام

 مازال يُجازفُ بالأحْلام

يخترقُ ظلامَ الليل ، وصمتَ الألَم

 يشُقُّ طريقًا للإبْحار

 فِي الخوفِ السَّاكِنِ بالأقْدار

 يُنَقِّبُ فِي صَمْتِ الأعْماق عَن الأزهار

 يفتش في هذا العالم

يسبح ضد التيار

 يبدأ النص بمماهاة واضحة مع حركية العنوان ” الخروج من قلبي” فالقلب المقبل على تقبل فكرة الخروج، يحاول ان يتحرر من الحدث الاستباقي،   كي ينشأ خطاباً خاصاً به منحدر من الحالة الحلمية التي يعيشها، والتي من خلالها يتحدد رغبة دافعة لحركة ذهنية تصورية مشهدية ساردة، تنطلق من الشعور المتأثر بشكل واضح وكبير بالحتمية ” الخروج” وفي الوقت نفسه العائم فوق كم هائل من الانجرافات النازحة من الجوانيات المتلاحمة طوعياً مع حركية الحدث نفسه، والمؤدية في جملتها الى خلق نوع من الخلل في التوازن الوجودي المهدد بالحرمان ” يجازف ،ظلام ، الالم ، الخوف ، صمت، ضد,,” كلها ايحاءات واضحة المعالم التي تهدد الكينونة الوجودية للقلب، ضمن هيكلة وجغرافية الحلمية الناجمة اصلا من التأثيرات الاتية من الحتمية ” الخروج “، وبالتالي اثرت على الخطاب الشعري للذات الشاعرة حتى اكسبتها طابعاً رؤيوياً تأطيرياً مقترناً بتلك المفردات المتوحشة في صوريتها ودلالاتها.. والتي سنلامس امتداها وتأثيرها على المضمون النصي.

 

 

 

 مُحْتَالٌ خَدَّاع

.مَنْ قاَل بأنّ الإنسانَ الجَاسِر

لا يعرفُ إخْضاع

محتال خدّاع

مَن قال بأن الصُّبح الكاسرَ

 لا يعرفُ إخضاع

 

 فالحقّ

 الحقّ يُعَانِقُ صوتَ البَاطِلِ

يَرقُصُ

فَوْق أسي أوْتار الكذب

 يضاجع

جسم حقيقة حرف غادر

 

 مُحْتالٌ خدّاع

مَن قال بأنّ القاتَل

 يقتُل

 دون دِفاع

قتلوكَ أيا (يوسف)

 آه..لو نَظرُوا  في الجُبِّ

 لرأوْكَ حَزيِنا مُلْتاع

 

تتمثل الحركية المعتمدة من قبل الشاعر في طرح الرؤية النصية حول الاستعارات التي فرضت عليه ضمن السياق العنواني ومن ثم النسق الاستباقي المنحني تحت وطأة التأثير الانفعالي والشعوري معاً، فنجده يستمر في توظيف المفردات المتوحشة التي تعطي انطباعات واضحة حول الماهيات التي يستقي منها الشاعر مفرداته، والمسارات التي يريد خلقها وفق تداعيات التنامي الحدثي من جهة، والتنامي الصوري المشهدي من جهة اخرى، وهذا بالفعل ما يمثله الفعل الافتتاحي هنا” محتال..خداع..” حيث الحدث له مؤشرات دلالية توجيهية، وكأن الخطاب يريد ان يكتسب صفة الرسالة لانه يأتي مواكباً مع صيرورة التنامي الحدصي العام، والذي ينغمس بالانفلات الذاتي، حيث الصوتية تبرز من خلال التأثير المحتدم للحالة النفسية النابعة من التحولات التي فرضها الشاعر على النسق الشعري العام وعلى النسق المشهدي التصويري للحلمية الضمنية الى الظاهرية.. فضلاً عن الانصياعات الخطابية للتوجه البلاغي الشعاراتي فكأن الرؤية هنا  تبرر الحدث ” الخروج ” بجملة ادوات تضمن للفكرة استمرارية ” ديناميكيتها” وانفلاتها،  ”  من قال…”  التي تضعنا ضمن دائرة التدوير البلاغي اللفظي والصوري معاً فارتباطها بالانسان مرة وبالصباح مرة اخرى اعطت للصورة مدايات تخيلية متداخلة مع الحراك السبقي للحتمية المذكورة سابقاً، فكأن الشاعر يريد ان يوجه من خلال خطابه هذا رسالة مضمونها بانه لاشيء يمكن ان يستمر ضمن الحال نفسه، لذا فهو يمتنع عن الانصياع للسبقيات والحتميات لانه يدرك انحلالها وانحرافها، وبذلك تتحرر الرؤية لديه لتخرج من الاطار الحلمي الى اليقظة، وتنفتح امامه مجالات التعبير عن الحق تعبيرا واعياً واضحاً واعياً اثناء نقله من خطاب الى اخر ..” فالحق ،،الكذب، غادر…”، ولكونها نقلة تحدث شرخاً في بنية الفكرة نفسها، نجد بان الشاعر اعتمد على الخطاب الرؤيوي النابع من مواجهة الحتمية بالحتمية نفسها، فالحكم على الحق جاء ضمن السياق الحتمي للخروج، وبذلك يجبرنا الشاعر على الانصياع لهذه الحتمية النابعة من منطقه المخصوص، وحين يزج بقصة يوسف في السياق الحدثي ويختمها بتلك النغمة الحزينة الدالة على انكسار الروح والنفس وصدمتها بالحق والخداع والغدر، فانها لاتأتي كأمر عرضي مبهم، غير مستدرك او مستوفي لرؤيته، بل نجدها تأتي من صميم الحدث الشعري نفسه، ومن صميم الحدث الحتمي السبقي ايضاً فالاستسلام لامر الواقع بات من الحتميات التي عليه ان يؤثث عوالمه ضمن دوائرها.. ولكن السؤال الذي يعتري ماوراء السطور.. الى متى الانقياد الحتمي..؟، وهذا بالضبط ما احال لغته من الخطابية المشبعة بالتمرد واليقين والشعاراتية الى الخطابية المنقادة للسكينة ” لرأوْكَ حَزيِنا مُلْتاع..”، وتلك هي النقلة الاخرى التي احدثتها المؤثرات السبقية في ذهنية الشاعر من جهة، وفي الاحداث من جهة اخرى .

  

 

 قلبي قد عاشَ بِلاَ أضْلاع

 تمْخُرُة الدمعة ُ- والأعْوام…

ونبض الكلمة

 والبحث عن اللّقمةِ

 لكنْ فِي خوْف ِالعَصْر الأعْمَى

 مدّ ذراعا

ليفتِّش في نَبْضِ الأحْلام

عن موجةِ نُورٍ

 تَتخطَّي الدّيْجوُر

تمْحُو كل ظلاَمٍ طاف

تعيد ُخُطاَه

يَمُدُّ يديْهِ لِيَكْسِر َ

    قيْد الأسداف

 

من يقرأ للشاعر هنا سيشعر بأن الانفعالية والخطابية المتهيجة قد هدأت سواء على المستوى الدلالي ” الفكرة ” او على المستوى التوظيفي للبلاغة التصويرية، وهذه النقلة تحدث ضمن المتنقلات والمتحولات الرؤيوية فالخطاب المتهيج تحول فجأة الى خطاب يمزج بين الخبرية والمشهدية الساعية لختم الرؤية وفق نسق متحرر من المؤثرات السبقية، لينشأ في المضمون تاقبل بين الحدثية من حيث الزمنية وبين الحراك الارادي الا ان سعي الشاعر اصطدم بحاجز اللغة التي نجدها لم تزل  خاضعة لكينونة الحتمية، ولمنطق الرؤيا، فحين نجد ان الشاعر بدأ يلجأ الى ” قد عاش ” الى الزمنية الماضية فانه بلاشك لايريد استعادة الذكريات فحسب، انما يجري ضمن هيكلة الرؤية مقارنة بين ما كان وما هو عليه الان، ومايريد ان يكون عليه في الزمن الاتي وضمن النسق الخبري، وبذلك نجده يخضع لرهبة الزمنية، تلك الرهبة التي تفرض عليه الانصياع لمبدأ تخفيف الخطاب ” البحث عن اللقمة..العصر الاعمى..”، ومن ثم البدأ بايجاد سبل اخرى لتخريج الرؤية ووضع مسارات مغايرة لها وكأنه نفسه بعد الهيجان البلاغي الخطابي الشعاراتي يعود من جديد ليبحث عن هذا المخرج “ ليفتِّش…… تمْحُو كل ظلاَمٍ طاف،، تعيد ُخُطاَه ….يَمُدُّ يديْهِ لِيَكْسِر….قيْد الأسداف…”، انها بالفعل النقلة المهيبة ليس على المستوى اللغة فحسب، انما على المستوى التصويري المشهدي ايضاً، فمع وفق استعارة واضحة للمحاكاة السردية السيميائية ، ليبقى الحدث جاريا، واقعا فوق حكم الانقضاء والانصرام، كما يحدث في الأنواع السردية التقليديّة.

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!