قراءة لنص الكاتب الدكتور  عبد المجيد أحمد المحمود/ بقلم دكتورة سوزان اسماعيل

النص:
======
قصَّة قصيرة جدًّا
فصام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الطَّريقِ الملتويةِ يركضُ بأقصى ما يستطيع…فجأةً يعترضُهُ سربٌ طويلٌ من النَّمل.
يجفلُ حينَ يكادُ أنْ يسحقَ العشراتِ منها…يتوقَّفُ برهةً ليطمئِنَّ عليها، يشكرُ ربَّهُ أنَّه لم يؤذِها…
ثمَّ يحثُّ الخطا من جديد باتجاه جبهةِ القتال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.عبد المجيد أحمد المحمود

 

 

القراءة:
======

عنوان النص ” فصام ” يأخذنا إلى عالم علم النفس، ويدخل الناقد إلى الاشتغال على النص الإبداعي من كلمات ومركب الصور، أي تحليل العناصر المتماثلة المكونة لشبكة من الدلالات المتصلة باللاوعي، والممثلة لواقع خفي يلج به الكاتب ويتحرر به النص.
الإبداع على اختلاف أنواعه هو الرحم الذي يحتضن النفس الإنسانية بحالاتها ومتناقضاتها، فغالبا ماتكون الظاهرة حقلا في الحياة أو الطبيعة إلى أن يفيض لها كاتب عبقري يخرجها للناس في صورة نص قصصي.
وقد توصل فرويد إلى غريزتين أساسيتين توجهان السلوك النفسي هما:
– غريزة الحب أو الحياة ” الايروس ” وتمثل الحاجات النفسية البيولوجية التي تتيح للفرد الاستمرار في حياته والمحافظة على البقاء والنوع.
– غريزة الموت أو الفناء ” الثنتالوس ” وتمثل مختلف الرغبات التي تدفع الفرد إلى العدوان أو التدمير.
فهاتان الغريزتان هما اللتان توجهان السلوك الإنساني.
برع الكاتب هنا في ابراز حالة انفصام الشخصية إذ أن البطل يتصارع بين الرحمة وحب الحياة، وبين الشر واستمرار عملية قتل الإنسان والموت.
فهو يسرع في الطريق الملتوية ( وهنا ليست وصفا ظاهرا لشكل الطريق، ربما قصد الكاتب هنا بأن وجهة هذا الطريق ليست صحيحة وهي تعني خيار).
يسرع متوجها للقتل وهذا ما أدركناه في نهاية النص، فجأة يعترض طريقه سربا من النمل، وهنا ظهرت روح الرحمة والخير، حيث جفل وتوقف ليطمئن بأنه لم يقتلها دهسا.. ويستعيد أنفاسه بالوقوف لشكر ربه لأنه لم يفعل، وما لبث أن سارع الخطا في طريقه ﻹزهاق أرواح بشر، توجه إلى جبهة القتال، ليقتل الإنسان بقسوة بلا رحمة.
فهنا التناقض والانفصام، بينما ظهرت الرحمة لحيوان ضعيف، والوجه الآخر الشر والموت وعدم الرحمة تجاه الإنسان.
فهذه هي تداعيات الحرب اللعينة ومنها الأثر النفسي على الإنسان، فجعلته يحمل في باطنه جميع المتناقضات.. رحمة- قسوة، خير- شر، شرف – عهر…
وجبهة القتال هنا تحمل معنيين، إما هي ساحة لجندي يدافع عن بلده وكرامته، أو مكان لمص الدماء والتشفي والحقد والإجرام من قبل إرهابيين.
هنا أظهر لنا الكاتب أيضا أن القتل له لونان أو صفتان، إما شر أوخير.
حتى الجنود تعرضوا لضغوط نفسية شديدة وهي ممارسة القتل التي تنفر منها الروح الإنسانية الرحيمة، فهنا الجندي يقع تحت الشد العاطفي بتضارب تلك المشاعر.
وأخيرا النص من النسيج الأدبي ” القصة القصيرة جدا ” ولقد برع الكاتب في إظهار البطل مصاب بفصام فهو يحمل متناقضات ويتصرف بغرابة.
كتب بسرد مشوق وبمفردات إيحائية تأخذنا لتأويلات عدة.
القفلة مفاجئة ومدهشة ومكملة وهي عقدة القصة، ويحمل أكثر من دلالة.. فجبهة القتال ممكن أن تكون لجندي يدافع عن وطنه، أو إرهابي يتلذذ بدماء الأبرياء.
نص رائع بكل المقاييس

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!