قراءة نصية لقصيدة “انتظار”للشاعرة التونسية بسمه الهواري

لصحيفة آفاق حرة 

        هاشم خليل عبدالغني – الأردن

   بداءة .. دعونا نشيرإلى أن الإنتظار ترقب وتوقع ، فقد نحيا في اتتظار الأمل والفرح ،وقد نحيا أيضا في انتظار ما لا يجيء، فنعيش حالة من الصراع مع النفس ورغباتها، فيرحل العمر رغماً عنا ونحن في انتظار حدوث شيء دون أن يحدث، وعندما يطول الانتظار نشعر بالحزن وقد عبرعن ذلك الشاعر الكبير ابراهيم نصر الله ” كل مايفعلة الإنتظار هو مراكمة الصدأ فوق أجسادنا”،خاصة إذا شعر المنتظر بالهزيمة أمام الشوق للحبيب أو الأهل أو الأصدقاء.

وقد كتب كثير من الشعراء العرب في وصف حالة الفرد عندما ينتظر ويشتاق، منهم ابراهيم ناجي،عبد الكريم الجنابي، نزار قباني ، ومحمود درويش ، للراحل محمود درويش  قصيدة جميلة تحكي عن الإنتظار، عنوانها” في الإنتظار ” .

في الانتظار، يُصيبُني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة:

ربما نسيت حقيبتها الصغيرة في القطار،

 فضاع عنواني وضاع الهاتف المحمول،

 فانقطعت شهيتها وقالت: لا نصيب له من المطر الخفيف

كما أن للشاعر نزار قباني العديد من الأبيات الشعرية في انتظَار الحبيب، وصَف الشوق واللوعة الكبيرة لمُلاقانه بعد انتظار طويل، في قصيدة ” سئمت الإنتظار “يقول:

سئمت الانتظار ولعبتى مع النار .. ولم يتبقى سوى دقائق خمس

وتغرب عن سما حبنا الشمس  .. وتستحيل أجمل أيام حياتى

بروايه تتكلم عن مأساتى وكان.. لى فيها دور البطوله وبيدى

 مفاتيح الرجوله .. وياليت الذى كان منى ماكان …
وياليت دموع الذنب تمنحنى الغفران

من القصائد التي قرأتها حديثاً وعبرت بقوة ولوعة عن الإنتظار، قصيدة ” انتظار ” للشاعرة التونسية بسمه هواري،التي عبرت من خلالها عن اصعب لحظات انتظار الحبيب .

في مطلع القصيدة تشيرالشاعرة لطول انتظارها وشوقها للحبيب الذي اشتد واستغرق أمداً طويلاُ ،وتتحدث عن اوقات الانتظار الصعبة وتبث من خلالها شكواها ومعاناتها، و كيف اصبحت كالطائر الجريح الذي أضاع الطريق لعشه و مأواه، خاصة وهي تعلم علم اليقين أن الحبيب  لن يأتي ،رغم زيادة فترة البعد بينهما عن الحد المعقول.

 احضرت الشاعرة معها وهي تنتظر على سجادة الانتظار، لقاحات مضادة لليأس من طول الإنتظار،منها حمولات كبيرة من الإشتياق والرغبة الشديدة لقاء الحبيب وقليل من الجلد والتحمل والرضا ،تنتظر في هدوء واطمئنان دون شكوى او تعجل  متخذة من إنتظارها للحبيب بشوق وحرقة ،الذي تسلل خفية بين خلايا القلب العليا مرتلة بتناسق وحسن انتظام وتألق رقية الهوى والوله ، لأن في تلابيب الذاكرة اعتقاد أنها تقي من الشر ، للتحصن من العين أو السحر.

تعيد الشاعرة ترديد اللزمة التي بدأت بها قصيدتها ، مؤكدة على أنها انتظرت الحبيب طويلاً وهي مدركة بحاسة الإنثى العاشقة أنه لن يأتي ، وبأنه تخلى عنها وخذلها وتركها على هامش حياته وهي بأمس الحاجة إليه ،وكأني بالشاعرة تردد قول الكاتب الجزائري الكبير واسيني الأرعرج ” أليس جنوناً أن أنتظرك وأعرف سلفاً أنك لن تأتي؟ ” .

 تتابع الشاعرة .. أعرف أنك لن تأتي، وأنا الملازمة لعتبة السفر،وأنا في أول خطواتي لإتخاذ قرارالفراق بإرتياح، في حالة الحب يصعب اتخاذ قرارالفراق خاصة إذا كان القرار بخصوص الحبيب … وفي هذا المقام يقول الأصمعي :

وهل الحب الا زفرة بعد زفرة          وحر على الاحشاء ليس له برد

 

وفي حالة نفسية من أبرز مظاهرها الحيرة وغياب الهدف والتشتت الفكري والشعور بالوحدة والحرمان والضياع ، تتساءل الشاعرة بمرارة ماذا افعل بقصيدة انتظاري، وباستفهام بلاغي الغرض منه توصيل انطباع إلى المخاطب، يستتر وراء هذا الاستفهام، (الاستنكار والنفي )، وليس الهدف منه معرفة الإجابة .

هل سأقرأ ضمناً بين سطور اهمالك ولهوك، ملامح ميولك وحنينك وضياع حياتي !؟ أم التصق واحتضن احلاماً وأمالاً ، تعمق من أوجاعي ، أم أعلن أنتهاء  قصيدة الانتظار بإنفصالٍ وفراق، (طالما لعبت كلماتها بقلبي ومشاعري) وأنثر بقايا رمادها في وجه الريح.

تكرر الشاعرة ترديد اللازمة ( انتظرتك وأعرف أنك لن تأتي ) وأعرف أنك لم تعد بحاجة لي، وأعرف أيضاً أنك لم تعد تشتاق لي، وأنك لم تعد تتذكرني أبداً، وأعرف أنك لن تسترجع أو تستحضر أحاديثنا ومحادثتنا في احضان غفوة الليل .

وفي نهاية القصيدة تقرر الشاعرة التحرر من الإنتظار، لأن انتظارها طال ولم تعد قادرة على التحمل ، لأنها فقدت الأمل فيما يمكن أن تنتظر من أجله ، لذا قررت الشاعرة أن تبحث عن أفراح تغنيها عن انتظارمجهول لن يغير شيئا مماهي فيه.

بما أن الشاعرة قررت الخروج من غرفة الإنعاش (الإنتظار )، ودفن ذلك الألم الذي تربع على عرش قلبها ، لذا قررت أن تبدأ حياتها من جديد ،فتشيرالشاعرة إلى أن ما تتمناه وترغب فيه بدأ يظهر بهدوء في حدائق الصفاء والنقاء ،كما تشير إلى أنها ستبدأ من جديد هاجسها التغلب على متقلبات الحياة بكل عزيمة وحزم ، سلاحها القوة والصبر، غايتها التنصل من الماضي والابتعاد عنه .. وبدء حياة ملؤها الحياة .

وأخيرا نذكر بقول باولو كويلو :الإنتظار مؤلم والنسيان مؤلم أيضاً، لكن معرفة أيهما تفعل هو أسوأ أنواع المعاناة .

القصيدة:

*… انتظار…***

انتظرتكَ.. طويلا وأعرف أنكَ لن تأتي..

أحضرتُ معي سلال الشوق

وقليلا من شراب الصبر..

افترشتُ لهفتي المندسّة في عيون القمر

ورتّلتُ تعويذة العشق في سراديب الذاكرة..

انتظرتكَ طويلا.. طويلا.. وأعرف أنكَ لن تأتي..

ولن تمدّ يدكَ إلى سبائك الضوء

لتنير مسالك العمر..

أعرف أنك لن تأتي

وأني القابعة  على أعتاب  …السفر..

ماذا أفعل .. بقصيدة بطعم الإنتظار …؟!!

هل أقرأ  تقاسيم هواكَ

بين سطور الضياع.. أم أحضن عيون الشفق

لتعانقني الأوجاع.. ؟ هل أعزف حروفها

على تلة الفراق..أم أنثرها هباءً في وجه الريح…؟!!

انتظرتكَ.. وأعرف أنك لن تأتي

وأنك لن تغازل جفون الشمس

حين يغفو الليل في حضن الذكريات..

من جديد..

يورق الأمل في حدائق الصمت المبحوح..

وتنبت من عيون الصخر عراجين المنى..

تتدلى من روحي الهاربة

من مشانق انتصبت لتغتال فرحي..
بسمة الهواري

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!