قراءة نقدية في رواية البوابة الأخيرة للأديب الفلسطيني حسام أبو غنام / بقلم أميمة يوسف

هل جربت يوما أن تطرق بكفي قلبك أبواب السماء؟!

هل حاولت أن ترقى بروحك إلى السموات تلتمس منها كسفا؟!

هل داهمتك رغبة مجنونة أن تهتك أستار الجن وتفضح أسرارهم؟!

أن تتحالف مع الشياطين أو تتحداهم؟!

هل أرعبك يوما قط أسود يرمقك بنظرات لا تكاد تفهمها ولكنها كفيلة بأن تدب الرعب في أوصالك؟!

هل حركت لسانك محاولا التمتمة بتعويذة ما، لها أثر السحر ومفعوله؟!

هل أغرتك ذات صفاء حمامة بيضاء استقرت لثوان على كتفك حتى ظننت أنها تهمس لك سرا؟!

وقبل كل هذه التساؤلات وبعدها :

هل قرأت يوما لشاعر مجنون.. روائي مهووس.. رجل يمتلك بين جنبيه الكثير من المتناقضات.. وادع كالحمام.. متأهب كالنسور.. يدعى حسام أبو غنام؟!

أنت الآن تقف في هذه القراءة على (البوابة الأخيرة) خاصته، والغريب أنها رغم عنوانها فهي (البوابة الأولى) في مسيرته الإبداعية الروائية.

 

ولأن العنوان هو “العتبة الأولى للوُلوج لمفاد ومَغزى النص، أو الفهم الظاهر لما يُريد الكاتب الحديث عنه، أو إن شئت قل: هو اللحظة التنويرية المبدئية لفحوى النص، والعنوان مُقوِّم رئيس من مقوِّمات عُروج النصوص لمنصَّة الإبداع، أو هو البوابة الرئيسية ذات الجهات الأربع الأصلية اللواتي يصنعن المطابقة بين النص وشخصية الكاتب والبيئة المحيطة وميوله الأدبية.”

 

وبحسب جيرار جنيت فإن العنوان : (( مجموعة من العلامات اللسانية، التي يمكن أن توضع على رأس النص لتحدده ، وتدل على محتواه لإغراء الجمهور المقصود بقراءته … ))

 

فقد جاء عنوان هذه الرواية منسجما تمام الانسجام مع أحداثها.. كما كان محفزا للقارئ، مثيرا للكثير من التساؤلات التي ستدفعه بالتأكيد عبور البوابات أعني الصفحات وصولا إلى البوابة الأخيرة وحينها سيدهش أكثر حينما يدرك أن المطاف انتهى به عند بوابة السماء الأخيرة حيث المعركة مازالت قائمة بين الملائكة الشداد والشياطين المتسللة.

 

علاقة العنوان بنص الرواية إذن علاقة انعكاسية؛ حيث اختزل حسام عمله الروائي بناء ودلالة في العنوان (البوابة الأخيرة).

 

أما شخصيات الرواية فهي وسيلة الروائي للتعبير عن رؤيته، وهي من الوجهة الفنية بمثابة الطاقة الدافعة التي تتحلق حولها كل عناصر السرد، وقد تنوعت الشخصيات في هذه الرواية وتباينت مواقفها ومعتقداتها، غير أن اللافت في بناء الشخصيات في هذه الرواية جمعها بين الأديان السماوية الثلاثة :

الإسلام (الشيخ الحلبي) والمسيحية (جورج) واليهودية (ديفيد). واجتماعها تحت رابطة (الأخوية) المقدسة، ثم تنازعها واختلافها مع الإشارة الخفية من خلال الصراع في الأحداث إلى أدبية الاختلاف وأساليبه عند كل طائفة.

 

ولأن الشخصيات تتشكل بالضرورة عبر قوس عاطفي يخترق سياق الرواية ويؤطرها منذ بدايتها إلى آخر عبارة فيها، استفز حسام مشاعرنا تجاه شخصية الأم (مريم) والتي ترقد على سرير الشفاء في قسم العناية المركزة في إحدى المستشفيات، تعاني من غيبوبة تسلمها من وقت لآخر إلى نوبات شبيهة بالتشنج، وعيون الابنة (سارة) ترقبها بمحبة وحنو واشفاق، ورغبة الابن (حسن) في إيجاد العلاج تتزايد وهو يشاهد أثر هذه النوبات على جسد أمه المسجى على السرير حتى وإن كان العلاج على يد شيخ المسجد وترتيل بعض الآيات..

 

تتسع بؤرة الصراع لاحقا لتدخلنا طائعين / مرغمين إلى دائرة الشعوذة والأرواح وعوالم الجان والشياطين والملائكة.. وتلك المعركة الأزلية بين النار والنور / سكان الأرض وأهل السماء / البشر والحيوانات..

 

الكثير من الأسرار لم تكشفها الرواية فشخصية العجوز الغامضة وعلاقتها بالأحداث والشخوص لم يرفع عن حقيقتها الستار وبقي تأويلها شأنا خاصا بالملتقي..

 

كذلك نتيجة المحاكمة المزعومة لروح مريم.. ومصير حسن بعد أن أعادته (جورجيت) معها إلى الأرض عند انتهاء المعركة على حدود (البوابة الأخيرة)..

 

لكأن حسام ترك (بوابة) التأويل مشرعة ليظل القارئ حرا في اختيار بوابته الأخيرة التي تنتهي عندها الأحداث.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!