(كاريلا ) ورواية كي تقرّ عينها  للروائي الأردني فايز عابد

آفاق حرة 

بقلم الناقد والقاص / محمد رمضان الجبور // الأردن

صدرت الطبعة الأولى من هذه الرواية عام 2017 ، وكانت من الروايات التي شاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب  ، ولقيت إقبالاً شديداً من قبل رواد المعرض ، وتقع الرواية في مائة وسبع وتسعين صفحة من القطع المتوسط ، وقد تناص عنوان الرواية ( كي تقرّ عينها ) مع الآية القرآنية في سورة القصص ، قال تعالى : ” فَرَدَدۡنَٰهُإِلَىٰٓأُمِّهِۦكَيۡتَقَرَّعَيۡنُهَاوَلَاتَحۡزَنَوَلِتَعۡلَمَأَنَّوَعۡدَٱللَّهِحَقّٞوَلَٰكِنَّأَكۡثَرَهُمۡلَايَعۡلَمُونَ   ١٣

فالعنوان يحمل دلالات ووظائف متعددة ومختلفة ، ومن هذه الوظائف جمال العنوان  الذي غالباً ما يشدّ انتباه القارئ أو المتلقي للوقوف  ، فهو العتبة الأولى والأهم للنص ، فمن خلاله نستطيع أن نضع أيدينا على بداية الطريق للنص ، يقول الناقد أمبرتوإيكو ” العنوانللأسفمفتاحتأويليسلفا. فلايمكنناتجنبالإيحاءاتالتييولدهاهذاالعنوان”

وقد وفق الروائي فايز عابد في اختياره لهذا العنوان ، الذي أرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنص وحمل دلالات متعددة ومختلفة .

وقد قسم الروائي فايز عابد روايته إلى عناوين متعددة ومختلفة وصلت إلى ثلاثين عنواناً ، وكان كلّ عنوان منها يُشكل لوحة لها علاقة وثيقة بسرد الأحداث وتتبعها ، ومن العناوين على سبيل المثال لا الحصر ، ( حلمي البسيط ، الطغاة يسكنون بيننا ، تحت خط القهر ، زهرتي تغيب ، …….)

ليس جديدا على الأدب أن يتقمص الرجل دور  الأنثى في عملٍ أدبي ، ففي هذه الرواية قد تقمص الكاتب والروائي فايز عابد دور الشخصية الرئيسية في العمل (مريم ) وتحدث بلسانها ، وقد سبقه إلى ذلك الكثير من الأدباء سواء من العالم العربي أو الغربي كما فعل ليو تولستوي في روايته ( آنا كارنينا ) ، والروائي الفرنسي جوستاف فلوبير في روايته ( مدام بوفاري) وغيرهم ، فمريم الساردة تبدأ الحديث بحلم بسيط ” عندما كنّا صغاراً ونحن في مقتبل العمر !! عندما كنا نجلس مع صديقاتنا في المدرسة ، ونتبادل أطراف الحديث ، كن جلّ حديثنا عن الزواج والمستقبل ……”

الأحداث الرئيسية :

تنطلق الرواية من الأحداث التي تصاحب الشخصية الرئيسية في الرواية (مريم ) الشخصية الساردة في الرواية ، ومن خلال  إلقاء الضوء على هذه الشخصية ، نرى هذه الشخصية وما تحملت من هموم وأعباء ، فقد بدأت حياتها بحلم بسيط ، وسرعان ما بدأت الأحداث التي تقتل هذا الحلم رويداً رويداً ، فالمهندس خالد الذي تقدم لها وتزوجها ورحل بها إلى مدينة المنامة في البحرين لم يسعفه ذوقه لجلب السعادة لها مما أضطرها للرجوع إلى بلدها مرة أخرى وترك زوجها الذي انشغل في جمع المال دون أن يسأل عنها أو عن ما تحمل في أحشائها ، وتأتي إلى الدنيا الأبنة (كاريلا ) التي هي محور الرواية ، بل هي الرمز الذي أختاره الروائي لسبك أحداث الرواية ، فمكان الرواية  مدينة فلسطينية ، وأحداث الرواية تنطلق من هذا المكان ، الذي يعج بالمستوطنين اليهود وجنود الاحتلال ، فالكاتب يعرج على الهموم التي يتحملها الفلسطيني من وجود هؤلاء الذين جاءوا لاحتلال أرضه وقتل شعبه ، فهو يصف لنا بشاعة هؤلاء المستوطنين يرافقهم جنود الاحتلال ، وتبدأ الحبكة التي أرادها الروائي باختفاء الطفلة ( كاريلا ) أبنة مريم ، فقد تم خطفها من قبل المستوطنين في غفلة من جدتها ، وتزداد الهموم على مريم ، وتتواصل مع صديقة لها (ديانا) لتعمل معلمة في أحدى المدارس ، ويصور لنا الروائي ما يعانيه الناس من عدم الاستقرار الأمني والوضع السياسي ، فالانتفاضة ومقاومة العدو الصهيوني  الغاشم أصبح الهم الوحيد للشعب الفلسطيني ، والاعتقالات كل ليلة والجنود يطاردون الشباب في الشوارع ، وإغلاق المحلات  والأسواق والإضرابات  ، أوضاع سيئة للغاية ، وتبرز شخصية مناضلة مجاهدة لا ترضى بالذل والهوان ، زياد أبن خال مريم ، ويبدأ زياد في البحث عن (كاريلا ) الضائعة المخطوفة من قبل عصابات المستوطنين ، كاريلا الرمز ، ويعود الأب الغائب ، المهندس خالد  من سفره ، ويعلم باختطاف أبنته (كاريلا ) ، ولكن يتم اعتقاله ووضعه في السجن تحت التعذيب ، حتى يفقد عقله ويُنقل إلى مصحة نفسية في مدينة (سلفيت ) مدينة فلسطينية ، وهنا ينتهي دور المهندس خالد ، بعد أن أصبح فاقدا لعقله ، وما يلبث أن يفارق الحياة في مستشفى الأمراض العقلية .

يرسم لنا الروائي مجموعة من المشاهد التي تتكرر يومياً من قبل جنود الاحتلال وتنكيلهم بالشعب الفلسطيني ، مشاهد تتكرر يومياً على الأراضي المغتصبة ،” اقتربنا من تجمع من الجنود ، فإذا بهم يحيطون بفتاة صغيرة لا يزيد عمرها عن ثلاث عشرة سنة ترتدي ” مريولاً مدرسياً” وتحمل على ظهرها حقيبة مدرسية …الجنود يصرخون عليها يقولون : أرمي الحقيبة !!إفتحيها…الفتاة ترتجف من شدة الخوف وتصرخ ”

وتمضي ثلاث سنوات على فقدان (كاريلا ) ، وتتراكم الهموم والأحزان على كاهل مريم ، موت زوجها ، فقدان (كاريلا) اعتقال اخوها وليد بلا سبب ، وموت أم مريم ….هموم كثيرة . وكما يوجد الشرفاء الذين يدافعون عن الحق والعدل يوجد الخونة ، فشخصية المختار أبو هلال الشخصية الخائنة التي عاونت جنود الاحتلال على قتل الشاب زياد ، مما اضطر حركة تدعى ( بحركة الرد السريع ) من إعدام المختار أبو هلال وتعليقه على عمود كهرباء  ، ويظل فقدان (كاريلا ) الهم الأكبر لمريم ، وتعمل في جمعية مع صديقة قديمة لها ، وتتعرف على امرأة يهودية (سارة ) تسكن في أحدى المستوطنات ، تكون هي الوسيط في الوصول إلى (كاريلا) المفقودة .

لغة السرد :

هذه مُجمل أحداث الرواية ، وقد صاغها الروائي فايز عابد بأسلوب رائع ينم عن الذائقة الأدبية لهذا الأديب ، فتحديد أسلوب الكاتب يتطلب تحديد اللغة الموظفة داخل الخطاب السردي ، لأن اللغة داخل الرواية والعمل الأدبي ، ما هي إلا الوسيط الذي يعمل على البناء والتنظيم وتثبيت المفردات دون المماس بباقي عناصر السرد .

استخدم الروائي فايز عابد في روايته اللغة المحكية أو اللهجة العامية أثناء الحوار مع بعض الشخصيات ، وهذا لم يقلل من شأن العمل الإبداعي ، بل زاده تماسكاً وقوة ، يقول الناقد محمد المنقري ، “الرواية كما أظن عالم يتوازى مع الحياة ، بكل تنوعها وأطيافها وحراكها وناسها ، وأساليب تعبيراتهم واللهجة الشعبية جزء أساس من اليوميات وعبرها تفيض الدلالات الأكثر ثراءً وعمقاً في نقل الواقع والتعبير عن إيقاعاته ولذانجدكثيراًمنالأعمالالعربيةتميلإلىاستخداماللهجاتالدارجةفيثناياالسردلتعميقالصوتوالصورةبكلأبعادهاليعيشالقارئفيعمقالشارعوضمنتفاصيلالصراعوتطوراته،والروائيبذلكينجزنصاًممتعاًلكنهمحفوفبعلاماتاستفهامشائكةأحياناً.”

ولست بصدد بحث استخدام اللهجة المحكية في الرواية ، ما لها وما عليها ، فهناك الكثير من الأدباء من استخدم اللهجة المحكية في أعمالهم الأدبية وهذا كما أسلفنا لا يقلل من شأن العمل الأدبي ، وقد أسند الروائي فايز عابد السرد للشخصية الرئيسية (مريم) للحديث عن الشخصيات والأحداث والوصف والتصوير ، فكانت شخصية مريم هي الشخصية الرئيسية والمحورية التي تدور حولها أحداث الرواية ، وقد تخلل ذلك الكثير من أنواع الحوار في الكشف عن نوعية الشخصيات التي أراد الكاتب تصويرها وربطها بالأحداث المتسلسلة .

وقد وظف الروائي بعض الأمثال الشعبية المتعارف عليها ليزيد من تماسك الأحداث وتقريبها من ذهن المتلقي .

الشخصيات :

تظلّ الشخصيات من أهم العناصر في بناء أحداث الرواية ، وقد تنوعت الشخصيات التي وظفها الروائي فايز عابد في روايته هذه ، فبرز في الرواية شخصية رئيسية محورية ظهرت في كل أجزاء العمل ، بل نستطيع أن نجزم بأنها قادت العمل منذ البداية حتى الوصول إلى النهاية التي أرادها الكاتب ، فهي السارد لجميع أحداث الرواية ، يساعدها مجموعة من الشخصيات التي كانت تظهر بين الحين والأخر ، مثل شخصية الأم ، التي رسمها الروائي شخصية حزينة متألمة صابرة ، شخصية المهندس خالد ، ظهرت في مشاهد بسيطة مقتضبة وظفها الروائي لبيان شدة الهم والحزن الذي ألم ببطلة الرواية مريم ، شخصية المناضل

(زياد ) الذي استشهد لوجود الخونة الذين يقفون ضد المجاهدين أمثال شخصية المختار الخائن ، وهناك شخصيات أخرى ساهمت في تحريك أحداث الرواية مثل شخصية (خولة ) ، و (سارة ) اليهودية  ….وشخصيات أخرى هامشية كان لها دور بسيط إلا انها أثرت العمل .

الحبكة ( العقدة ) :

القضية الفلسطينية هي المحور الذي دارت حوله أحداث الرواية ، فقد صور لنا الروائي الكثير من الأحداث التي سببها وجود هذا الغاصب المحتل ، فالقتل والخطف والاعتقال والجرائم البشعة التي يرتكبها حرمت المواطنين من الأمن والأمان ، حتى وصل بهم الأمر لخطف طفلة صغيرة حديثة الولادة وحرمانها من أهلها ، وتكاد تكون هذه الحبكة هي المحور الأهم في الرواية ، فالطفلة (كاريلا ) رمز اتخذه الكاتب ليبني عليه ، ومن خلال هذا الرمز وهذه الحبكة  تتفرع منها عقد ثانوية أخرى ، كان الكاتب يضع لها الحلول ، مثل زواجها من المهندس خالد ، خيانة المختار لوطنه ، سجن أخوها وليد …..وغيرها من العقد الثانوية التي سرعان ما كان يجد لها الكاتب حلاً .

تظل رواية ( كي تقرّ عينها )  عمل أدبي له الكثير من الأهمية فهو يلقي الضوء على بعض القضايا الهامة التي يتعرض لها في الأرض المحتلة ، ولكن يبقى أن نؤكد أنه لا سبيل للتعايش مع هؤلاء  الصهاينة  مهما كانت الظروف ، وربما ما أراده الروائي في نهاية روايته (كي تقر عينها ) هو مما يسمى في الروايات بالنهاية المفتوحة فهي أكثرإثارةللقارئودفعالفضوله.

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!