لمحة في نص للشاعر خالد على عجيل.مصر/ بقلم الناقد احمد وليد الروح المغرب

.. ذات يوم قريب … !!
قد أرانى خيطَ أطيافٍ ترفُّ
محض أذكارٍ تحُــــور …..
قبسأً من رؤىً كانت تَمور
بعض آمالٍ صغار
بعض أحلام قصار
واشتهاءاً للعدم..
ذات يوم هناك.. !!
أدع الماء وبقيّاتِ التّراب
أنفض الغيم وأستار الضباب
وأمض سائرا بعد الحُجُب..
ذات إصباحٍ شفيف !!..
أو عبرَ مساءٍ رفيف
أطوِ عابرا بين الكهوف
لدروبٍ من رجاء
لجسورٍ من نجاء
حاطها المَلَكٌ الجسيم
طُوّقَت بشرارات الحميم
تقذف الهول ..
جمراً من جَحيم
ذات يوم أقوم ..!
!هائلاً مثل النجوم ..
عبر مَجرّاتٍ أحوم ,,
صاعدا صوب المليك
……………………….
خالد على عُجيــــــل
………………………
.
.

يعبر الشاعر عن تجربته و انفعالاته بالصورة الشعرية عن طريق اللغة التي كانت وسيلته للتصوير و التعبير، و هي التي تنقل لنا الفكرة الأساسية التي انفعل بها، أما الصور و الأخيلة التي كونها الشاعر ما هي إلا وسيلة من وبين الوسائل التي يستخدم فيها اللغة بطريقة يضمن بها انتقال مشاعره للمتلقي ، لذلك تبقى اللغة هي أداة التعبير عن المشاعر و الإنفعالات .فالشاعر ينظر لنفسه من خلال هذه الدار الفانية للدار الأخرى ، دار الخلود و الجزاء ،يعقد موازنة بين عقله و جوارحه ، فالقصيدة توضح إتزان العقل و ثبات الجوارح لدى الشاعر ، و رابط روحي وثيق يصل الشاعر بربه ، ما ينتج عنه غليان القلب و الحواس عند ذكر المحبوب ( الله) و هذا ما نلمسه في أشعار خالد علي عجيل فحين يقول : ” ذات يوم قريب … !! ــ قد أرانى خيطَ أطيافٍ ترفُّ … ” نوقن أنه يدرك أن الموت قريب و لابد منه بل قلبه يهزّه الشوق للصعود لدار الخلود ، لينعم بقرب مالك الكون و مليكه ، لحظة تشهد له بالإنفعال و تداخل المشاعر فحواسه متأججة و قلبه يشتعل لهفة ، شوقا و حنينا لملاقات ربه .
الأبيات مليئة بكل معاني الحب و الشوق ما يولد بقلب الشاعر الأمان و الارتياح صاعدا بروحه في رحاب ربه ، و هذا الصعود الروحي يعطيه القدرة على التعبير عن مشاعره و انفعالاته الروحية و الإفصاح المباشر عن خبايا نفسه و كأنه بلحظة و زمن غائبين عن الوجود ، و كأنه ليس هو إذ يصبح شخصا آخر تطغى فيه الروح على الماديات المحسوسة فهو في مرحلة إدراك كلي تأخده بعيدا في الملكوت ليصف لنا نفسه الآن و المراحل التي يمر بها في حياته الفانية و التي لا تساوي عنده شيئا بقدر ما قد تكون ذكرى عابرة ، قبسا من رؤى ، بعض آمال و أحلام قصار … اشتهاء للعدم ، إذ يقول :
قد أرانى خيطَ أطيافٍ ترفّ
مححض أذكارٍ تحُــــور …..
قبسأً من رؤىً
كانت تَموربعض آمالٍ صغار
بعض أحلام قصار
و اشتهاءاً للعدم
إنها نشوة روحية تفيض بها نفس الشاعر تملأت كيانه ما يجعله قريبا جدا من خالقه ، فلا يتردد في التعبير عما ينتابه من شعور و عاطفة جياشة تملأ روحه نشوة و فرحة تملك كل كيانه كشاعر مرهف الحس رقيق المشاعر .
فالشاعر حين يدخل عالمه الروحي المرتبط بربه لا يمنعه مانع و لا يفيق من غفوته التي يتخدها وسيلة لولوج عالمه الروحي حتى تتشبع نفسه و تذوب حبا و شوقا و تضرعا في تحقيق الإتصال الروحي بخالق الكون ، مع العلم أن الله قريب جدا من عباده إلا أن الشاعر يأبى إلا أن يصعد في الملكوت لتحقيق هذا التواصل . يتعمق إلى أن يصل لإنبعاثه بعد الموت في
الحياة الأخرى دون أن ينسى مروره على الصراط ، ذات يوم هناك.. !
!أدع الماء و بقيّاتِ التّراب
أنفض الغيم و أستار الضباب
و امض سائرا بعد الحُجُب
ذات إصباحٍ شفيف !!..
أو عبرَ مساءٍ رفيف
أطوِ عابر بين الكهوف
لدروبٍ من رجاء
لجسورٍ من نجاء
حاطها المَلَكٌ الجسيم
طُوّقَت بشرارات الحميم
تقذف الهول
جمراً من جَحيم
فهو الآن في شبه غفلة أو غفوة تلبسته لتبعده عن الفناء و تدخله حياة الخلود ، فالنفس في حالة وجد ، و الوجد هو ما يهبه الله عز وجل لباطن المرء من حالة الحزن أو الفرح فتتلون بها نفسه ، ما ينعكس على مظهره الخارجي فيبرز ذلك على سلوكه و انفعاله حتى تستقر نفسه وتهدأ ،و لا يحدث ذلك الإستقرار إلا بعد مجاهدة يتم بها بلوغ أعلى الدرجات من الحب الإلهي .
القصيدة إرتقاء إلى معارج السمو و الرفعة و الدخول في تجربة الحب الالهي و الإنغماس في المحبة التي تنعقد بين العبد و ربه عن طريق مزاولة العبادات و دخول الخلوات (إختلاء المرء بنفسه للتذكر و التفكر ) فيسري الحب الإلهي في الوجدان و يملأ الشرايين.. فهو حب روحي يتوجه من أسفل الى أعلى ، يرتقي و يترفه عن الوجود و الكائنات يدخل في الروحانيات و يبعد عن المحسوسات .
رائع ما تسطِّر و ما سطرت من مشاعر و حب مطلق ، بارك الله فيك أخي و جزاك عنا خيرا

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!