ما علاقةُ عمليّةِ النّورس بخلودِ نوارسِ دهشتك؟!/ بقلم: سمر بنورة

 

ما إن قرأتُ عنوانَ الكتاب (أتُخَلِّدُني نَوارسُ دَهْشَتِك؟)، حتّى تبادر إلى ذهني عام 1979م، وتذكّرتُ “عمليّةَ النّورس عام 1979″، وصفقةَ تبادُلِ الأسرى بينَ الفلسطينيّين والاحتلال، الّتي تمّت يوم 14-3-1979 في قبرص، بين الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين- القيادة العامّة وبين إسرائيل، بوساطة “اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر”.

“عمليّةَ النّورس عام 1979” أُطلِق بموجبها سراح 76 معتقلًا فلسطينيًّا، ممّن كانوا معتقلين في سجون الاحتلال من كافّة فصائل الثّورةِ الفلسطينيّة، ومِن ضِمنِهم (12*) اثنتيْ عشرة فتاة فلسطينيّة، مقابل إطلاق سراح جنديّ إسرائيليّ يدعى “أبراهام عمرام”، الّذي كانت قد أسَرَتْهُ الجبهة يوم 5-4-1978 في عمليّة اللّيطاني؛ إذ تمّتْ مهاجمةُ شاحنةٍ إسرائيليّةٍ في كمينٍ قربَ صور؛ فقُتلَ آنذاك أربعةُ جنودٍ إسرائيليّين، وأُسِرَ واحدٌ من قوّات الاحتياط.

فهل أتتِ كلمةُ “النّوارس” في العنوانيْن صُدفةً، أم أنّكما قصدتُما اختيارَكما لهذا العنوان، حيث تمَ تبادُلُ الأسرى بين الطّرفيْن، وهنا أيضًا تمَ تبادُلُ الرّسائل؟

وما أوجهُ الشّبهِ بينَ العمليّتيْن: (أتُخَلِّدُني نَوارسُ دَهْشَتِك؟)، و “عمليّةَ النّورس عام 1979″؟

إنّ كلا العمليّتيْن خالدتان، وستبقى ذكراهُما قائمة ودائمة، وكلاهما حملتا الرّسائل والأسرى لذويهم ومُحبّيهم، وكلاهما حملتا الفخرَ والتّقديرَ لِما عانوا وتحمّلوا، وفي نفس الوقت نجدُ الفرحَ والسّرورَ في مضمونِهما.

وفي كتاب الرّسائلِ (أتُخَلِّدُني نَوارسُ دَهْشَتِك؟)، لمستُ وجدانيّةً عالية، ودفءًا وعطفًا ومحبّةً مُتبادَلة، وقد تخلّلتها فلسفة عميقة، ووجدتُ الدّهشةَ الّتي أيقظتْ في الشاعرة آمال التّأمُّلَ بطريقةٍ فارقةٍ، فخطتْ نحوَ استكشافِ بواطنِ الموهبة المتفجّرة، والّتي كرّسَتْ فيها الظّواهرَ الطّبيعيّة وعناصرَها، وولّدت المعاني الأخّاذة، وتوسّعت وحلّقتْ في آفاق الخيال، حيث الألفاظ المتميّزة برقّتِها وعذوبتها.

معروفٌ لدينا أنّ الحَمامَ الزّاجلَ والأطيارَ تنقلُ الرّسائلَ لمسافاتٍ بعيدةٍ، وبما أنّ النّورسَ جنسٌ مِن الطّيورِ الّتي تعيش على شواطئ البحار (حيفا- الكرمل)، وجدتُها تأتي إلى الشّاعر وهيب نديم وهبة، الّذي كانَ كالمعتقلِ في ذاتِهِ وفي نفسِهِ، فأتتْ كلماتُكِ (آمال عوّاد رضوان) لتهزَّهُ، حينَ لامستْ قلبَهُ، وبدأتِ الفِكَرُ تشقُّ طريقَها للنّورِ وللضّوءِ، بلغةٍ شعريّةٍ تنطلقُ من عتمةِ الرّوح، مثلَ عمليّةِ إطلاق الأسرى مِن عتمةِ السّجون.

لكلِّ أديبٍ أو كاتبٍ أو شاعرٍ طريقتُهُ في التّعبيرِ والكتابة، فكلتا الحالتيْن عبارة عن مغامرة أرادت الانتصارَ والتّحرُّرَ مِن الأسر كالأسرى، وفعلًا جازفتِ عزيزتي آمال، فالشّاعر وهيب رأى فيكِ العَظَمة، لأنّهُ شاهدَ في حروفِكِ التّواضُعَ والخيرَ والجَمالَ والعُمقَ والصّدقَ، فبادلَكِ  الثّقةَ والمغامرةَ والعملَ النّاجح، وقد استخدمتِ ذكاءَكِ في الرّدِّ على الشّاعر وهيب، لذلك كانت النّتائج الظّاهرة للعيان أنْ:

1*عمَّ جوٌّ ديمقراطيٌّ تشارُكيٌّ بين الشّاعرة آمال وبينَ الشّاعر وهيب، في الحواريّةِ وتبادُلِ الأدوار.

2*تظهرُ لنا صورةٌ غيرُ نمطيّةٍ للفتاةِ الشّرقيّة مِن حيث الجرأة والمواجهة والصّورة، فالشّاعرة آمال عوّاد رضوان في شِعرِها كسَرَت النّمطيّةَ السّائدةَ في عدّةِ مَجالات، وأهمُّها في مجال كسر النّمطيّة السّائدة في دوْرِ المرأة والرّجل، حيث لامستُ ذلك في الشّعر، فأعصابُ الشّاعرة آمال ليستْ مشدودةً طوالَ الوقتِ في القصائد، إنّما هي تتمالكُ نفسَها، لتكونَ نفسَها وذاتّها..

3* ومن ناحيةِ الأسلوبِ الشّعريّ، فيتضمّنُ التّكثيفَ اللّغويّ، والعديدَ مِن الصُّورِ الأدبيّةِ الشّعريّةِ البليغة.

4* ومن ناحيةِ العُمقِ الفِكريّ، فالرّسائل تستخدمُ كلّ أساليب الحوار، والمخاطبة، والسّردِ والوصف، بلباقةٍ وسلاسة.

5* كذلك تستخدمُ الشّاعرةُ آمال الأساطير من خلال ملاحظة الطّبيعة، والعلاقة الوطيدة بين حياة الإنسان وحياة الطبيعة، فهي تعشقُ الشّعرُ حُبًّا وعشقًا “حقيقيًّا”، كقول سلمى الجيّوسي: (مَن يُحبُّ الشّعرَ يستطيع أن يرى الجمالَ في جميع الأشكالِ الإبداعيّة، لأنّ ذوْقَهُ مُتعدّدُ الأبعاد، وعقلَهُ نشيطٌ ومُنفتحٌ على كلّ تعبيرٍ جميل).

6* ونلمسُ لدى الشاعرة آمال الجرأة في مغامرتها، والقدرة التّعبيريّة، والبراعة والإبداع في آن.

7* لقد رسمت الشاعرة آمال عوّاد رضوان لنفسها نهجًا خاصًّا في نظْمِ الشّعر، فقد كانت هي شِعرَها، وكانت هي هي، وما تُصوّرُهُ خيالاتُها وأفكارُها من أفكار الجمالِ والشّجاعة والقوّة والسّعادة، وبأفكارها استطاعت أن تكتبَ، وأن تتحدّث بذهنٍ صافٍ، وأن تُعبّر بحُرّيّةٍ وصدقٍ وبطريقةٍ سليمةٍ، كقول السّيّد المسيح: “مِن فيضِ القلب، يَنطقُ اللّسان”.

*8 ولمستُ لديها أيضًا القدرةَ على التّواصلِ الفعّال، وهذا مِن أعظمِ مَفاتيحِ النّجاح، حيث قامت بتوظيفِ مهاراتِ التّواصُلِ الخاصّة بها، مِن خلالِ الإصغاءِ والحوارِ الرّاقي بحدِّ ذاتِهِ، والتّحضُّرِ بكلِّ مَعانيه.

9* وأيضًا لدى الشاعرة آمال المقدرةُ في كيفيّةِ تحريكِ أصابعِها والقلم والحَرف بطواعيّة، فقلبها وعقلها يُحرّكان أصابعَها، فلا يَخطُّ قلمُها إلّا المعرفةَ العميقةَ والفلسفةَ المتأنّية والحكمةَ المُدهِشة، وهذا ما برزَ عندَ استخدامِها للموسيقى الداخليّة، بين كلماتها الّتي تُنيرُ القلبَ وتُظهِرُ أعماقَ الشّاعرة.

10* رأيتُ في رسائلِ الشاعرة آمال عوّاد رضوان كأنّها تكتبُ روايةَ الحياة، حيث المكان لوحةٌ تشكيليّةٌ مِن الطّبيعة، والكلامُ قصائدُ مُعبّرةٌ، برزتْ فيها لغةُ الرّوحِ والشّعور، ومنحت الأشياءَ الصّامتةَ أصواتًا، وهنا يكمنُ الإبداعُ كقولها: (بكاءُ القمر، الماء الحيّ، …. وغيرها الكثير)، فالطبيعة لدى الشاعرة آمال حكايةٌ ورواية.

11* لقد وردَ في الرّسائل حكايةُ الوطن: (حيفا، عكّا، يافا، القدس، الخليل، أريحا وكلٌّ بصفتها)، فالحكايةُ هي الذّاكرة، والذّاكرةُ هنا أتتْ في سِياق الشّعر، وفي روايةِ المرأةِ القادرة على المواجهة، وفي المرأة البعيدة عن التّنميط، والمرأةُ هي نفسُها الإنسانةُ الّتي تفيضُ أنوثتُها البعيدةُ القريبة، والمرأةُ هي الحياة.

12* إنّ شعور الشاعرة آمال في رسائل (أتُخَلِّدُني نَوارسُ دَهْشَتِك؟)، كانَ همزةَ وصلٍ، وكان جسرًا يربطُ بينَ ما كانَ وما سيكون، وهنا وجدتُ الحدسَ المُتعلّقَ بالحياةِ، والفِكر، والفلسفة، فهي تملكُ الحدسَ، ولديها قوّة الرّدَ وقوّة العمق، وقوّة الثّبات وقوّة الرّواية.

ومن خلال رسائل الشّاعرَ وهيب نديم وهبة، لاحظتُ أنّه إنسانٌ رقيقٌ، طيّبٌ، هادئٌ، كأنّهُ عن عيْشِهِ في عزلةٍ، شديدُ الإلمامِ بالتّاريخ والجغرافيا، ومُغرَمًا بالأساطير، وكأنّما أتت الشّاعرةُ آمال عوّاد رضوان لتَكونَ خيرًا فيما كتبتْ وعملت، فهي كمَن أضاءتْ شمعةَ خيرٍ وشِعرٍ للشاعر وهيب، فقد مدّتْ يدَها عودَ ثقابٍ له، ليُشعلَ بهِ شمعةَ الأمل في حياته، وكما قال غسّان كنفاني: (الأملُ هو عمادُ الحياة، والفكرةُ النّبيلةُ غالبًا لا تحتاجُ للفهمِ بل للإحساس).

وأُلخّصُ؛ إنّ ردودَ الشّاعر وهيب نديم وهبة للشّاعرة آمال عوّاد رضوان في كتاب الرّسائل الوجدانيّة: (أتُخَلِّدُني نَوارسُ دَهْشَتِك؟)، كمِثلِ القائل: بلا خجلٍ أُناديكِ، لأنّكِ بالهوى قدَري، وكلُّ شوقٍ أهديكِ أمامَ اللهِ والبَشر، ومَهما طالَ بي بُعدي، فحُبُّكِ طلعةُ البدر!

وفعلًا، “إنّ الحياةَ أجملُ مِن مُجرّدِ أنْ نُحقّقَ الفوزَ فيها لأنفسِنا، فالأمرُ أكثرُ أهمّيّة في هذه الحياة، هو أن نساعدَ الآخرين، وها هو في كتاب (أتُخَلِّدُني نَوارسُ دَهْشَتِك؟) تألّق، وحلّقتما ما بين النّجوم، فقد رأيتُما ما لا يراهُ الغير، وسمعتُما بقلبِيكما وعقلِيكما، فأسعدتُما روحيْكما، وأسعدتُما الشِّعر والثّقافة، فالثّقافةُ معرفةٌ وإبداع، وهي نتاجُ العقلِ البشريّ الأكثر سُمُوًّا، وجَمالًا، وغذاءً روحيًّا لكلِّ إنسانٍ ولأيّ إنسان.

فهنيئًا لنا ولكما بهذه الرّسائل الوجدانيّة وبأسلوبكما الرّاقي، فالرّقيّ شيءٌ نادرٌ ليسَ في كلِّ البَشر. وكلُّ الشّكرِ والتّقدير أيّتها الأديبةُ الشّاعرةُ المُثقّفة آمال عوّاد رضوان، الّتي تملكين سلاسة الكلمة والمعرفة والإبداع.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!