ملامح التجديد في ديوان “أنتظرُ خارجَ الوقت

كتب إبراهيم موسى النحَّاس:

ما أجمل الدهشة الفنية, فحين أرسل لي الشاعر حسن هزَّاع ديوانه الجديد الذي يحمل عنوان ((أنتظرُخارج الوقت)) اعتقدت أنَّني سأجد نفسي أمام ديوان شعري ينتمي للقصيدة التقليدية لأمر يرتبط بالخبرة الحياتية لدى الشاعر, لكن مع أوَّل قراءة كانت المفاجأة التي أسعدتني, وهي أنَّني وجدت نفسي أمام شاعر يكتب قصيدة النثر باقتدار ومهارة فنيَّة مدهشة, تحمل أبعادًا رحبة من التجريب والتجديد, وتؤكد البصمة المُميِّزة والصوت الشعري الخاص لدى هذا الشاعر الكبير, سواء على مستوى الرؤية أو على مستوى أدوات التشكيل الفني لقصيدته, فنجد التعظيم للقلم والكتابة منذ المقطع الأوَّلفي قصيدة ((جئتكم عاريًا)) حيث يقول: ((لاأجيدُالقفزَبينالسطور،/ لم أركضْ يومًاوراء فكرةٍ غافلَتْني،/ أنصتُ باهتمامٍ لما يقولُهُ الصمتُ لي/ حين تُباغتُ الحروفُ صفحتي/يرقصُ المجازُعلى موسيقى النَّصِّ/ تُقيمُ علاماتُ الترقيمِ سُرادقَ الدهشةِ/ لتغرِّدَالسطورُ/ بين أيديكم)).

ومع شعور الذات الشاعرة بالاغتراب والفقد أحيانًا لكن الشاعر يعوِّض هذا بالنظرة الجديدة المغايرة للأشياء, كأنسنته للقطارفي قصيدة ((بسمة عابرة)) التي تناولت هذا الشعور بالاغتراب لكن بأسلوب فني جديد حين يقول:

((على رصيفِ القطارِ الذي غادرَ ركابَه/ غيرِ آبهٍ بدمعةٍ خبأتْها مناديلُ/ شوقٍ/ ولاببسمةٍسكبتْطراوةَ/ أنوثتها في فنجانِ قهوةٍ/ لم أرشفْ منه رشفةً/ فلمْ تَفِ بوعدِها / لم نلتقطْ صورةً معًا/ قلبي جدارٌ خربٌ/ تَسكنُهُ طيورُ الأسى،/لايملُّ لَو كَالمسافاتِ والأزمنة)). أو تلك الصورة الجديدة لظل الشاعر في قصيدة ((على الجهة الأخرى ..يرقبني)) حين يقول: ((أكلمُهُ كثيرًا،أنصحُه،لايصغي إليَّ/ ذلك أنَّه يجلسُ على الكرسيِّ الذي/ كلما رشفتُ رشفةً من فنجانِ وقتي/ يميلُ بي/ الانتظارُلن يطول،/ وأنا لم أتهيأ بعدُ للسفرِ؛/ شجيراتي لا ظلَّلها / الطريقُ إلى هنا كما الطريقِ إلى هناك/ فقط إغفاءة تنقلُكَ/ أولحظةُ تأملٍ)).

كما نجد الصورة الشعرية التي تقوم على العمق في المشاعر الإنسانية مع التجديد والابتكار,كتلك الصورة في قصيدة ((أغنية أخرى للحزن)) حين يقول: ((وَددتُ أنْ أكتبَ أغنيةً للفرح

باغتَني كعادتِه/ هو لايقبلُ التفاوضَ/ حادٌ كسيفٍ،سريعٌ كطلقةٍ،/ بسيطٌ كشهقة /لكني ..سأكتبُ أغنيةً مبهجةً للحزن/ كشجرةٍ تنازلتْ عن رونقِها/ لتفسحً الطريق لبراعمَ جديدة…تجدلُ ظلّها/ أو كقطةٍ التهمتْ- بتقززٍ-/ بقايا سمكةٍ نافقةٍ/ فملأتْ بطونَ صغارِها،)). أو تلك الصورة في  نفس القصيدة ويقول فيها: ((أتدرون/ البنتُ التي نسختُ منها صورتينِ/ إحداهما بقلبي، والأخرى بالذاكرةِ

أهديتُها ديوانين،/ بعد أنْ حظرتْني!)).

كما يوظف الشاعر الطابع القصصي القائم على الحكاية وتوظيف ضمير الغائب والتكثيف الدلالي كما في قصيدة ((الليل حالك يا رفاق)) حين يقول: ((أَفرغَ جُعبتَه للعابرين،/ جلسَ على بساطِ الرضا،/ طارَ بنكهةٍ طهورٍ/ جَناحاهُ منتشيان/ يالهذا البهاءِ / ماذا لو أفرغ ما بقلبه من حنينٍ/ ما بروحِه من طيورٍمُغرِّدات؟/ ماذا لو صاحَ لا؟ /َحطُّ اليماماتُ على كفيَّه الفارغتينِ/ يبحثُ عن حباتٍ،عن بقايا صبرٍ/ مُذْحَزمَ الأم لُحقائبَه الفارغةَ/ وغادرَحلمَه المستحيل.)),

من القراءة السابقة يمكن أن أقول إنَّ ديوان(أنتظرُ خارجَ الوقتِ) للشاعر حسن هزَّاع يتبنَّى التجديد في الرؤية والصورة الشعرية, و تقسيم القصيدة إلى مقاطع قصيرة تقوم موسيقاها على الإيقاع الداخلي وليس الوزن العروضي في لغة تعتمد على الرمز دون تعقيد وتسعى نحو التميُّز والصوت الشعري الخاص.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!