ميسون حنا في مسرحية الدَّفِين : جدليّة الخُلُق والمادة .

لصحيفة آفاق حرة
كتب : الحسام محيي الدين                                                                           

تفضل الناقد المسرحي اللبناني الحسام محيي الدين مشكورا بكتابة مقاله عن مسرحيتي الدفين ، لكن ليعذرني الناقد إذا نوهت أنني طبيبة ولست أستاذة جامعية .

  • تفتح الأردنية ميسون حنا ( أديبة وأستاذة جامعية ) باب التأويل على دفعة إشكاليات متعددة في تقديم واقعةٍ اجتماعية تمتاحُ من راهنية علاقاتنا المُجتمعية وتقاربُها روحاً وغاية  برؤيةٍ أخلاقية قلَّ بسطُها في النصوص المسرحية راهناً  ، وذلك في لا زمان ولا مكان مُحدَّدَين ، ما أعطي للنص قيمته الانسانية المشتركة . تأتي مسرحية ” الدَّفِين ” في مجموعة  من أربع مسرحيات عنونتها حنّا بإحداها ” وكر الأفاعي ”  ( صدرت إلكترونياً عام 2020 )  لتقدم لنا مجموعة من أربعة أشخاص يحضرون ليلاً إلى مكانٍ ما لنبش الأرض بحثاً عن كنز ثمين ، تتّضحُ ماهيتُهُ على لسانِ أحَدِهم ، عُمَر ، وهو يخاطب رفيقه خليل  : ” هنا يضطجع الدّفين بأمان، إنه صندوقٌ مليء ذهباً خالصا ، سننعف الذهب في الهواء ، بل سنضمه إلى صدرينا ونقتسمه ! “. يُمنّي كلُّ واحد منهم نفسه بتحقيق أحلامه ، لكنهم يؤجلون الحفر إلى منتصف الليلة التالية توخياً للحذر حيث يدخلون في مشادّةٍ كلامية حادّةٍ جداً يخوّنُ فيها بعضهم بعضاً بعدما حضروا فُرادى  أوّل المساء لا مُنتصفَهُ كما اتفقوا في محاولة لاقتناصِ الكنز الدفين والفرار به لمن استطاع . يتدخلُ ناجي الذي صودف وجوده في المكان يتنزّهُ مع خطيبته رندة ،  بعدما سمعَ ووعَى بسرعةٍ حقيقةَ الشِّجار أمامهُ  فيرى لنفسه كلّ الحقّ في مشاركتهم  لعبةَ الحفر واستخراج الدفين في حين ترفضُ رندة الأمر وتغادرُ المكان مُغضبةً منه في مقابل إصراره على البقاء طمعاً في جزء من الذهب الذي تبين أنه مجرد ” بوري صوبة ” استخرجوه في موقفٍ مُخزٍ اختلطت فيه مشاعر الخيبة بالسخرية بين الجميع في الوقت الذي تعود فيه رندة  ومعها رجال الشرطة للقبض عليهم . تقف ميسون حنا أمام  منظومة من الممارسات المجتمعية الممجوجة التي ترسم صورة شرسة عن آفاتٍ حالَّةٍ في الحيّز الأخلاقي للبيئة العربية ، وتقدِّمُها بصيغةٍ مُغايرة عما استُكتِبَ فيها سابقاً ، شكّلَ فيها ” الدّفين ” المأمول نموذجاً لاجتماع الطمع بالخيبة والتخاذل ، ولاقتران المال بالخيانة قياساً على اعتبار معنوي – تبينَ أنه واهٍ جداً – هو الأمل بالعثور على ما افترضوا أنه كنز ثمين في اجتماع الليلة الأولى قد يُنعشُ الأحلام في بناءِ مصنعٍ لهذا أو قصرٍ مُنيف لذاك . بهذا التوجُّه أسقطت حنّا التّبدلات الصادمة في الليلة الثانية على مواقف الشخصيات فأدخلتها في تناقضٍ سلبيّ أمام ما كانت تطمع فيه ، بلغَ ذروتهُ في  التحدّرِ من قمّة جبروت الانسان حتى أدنى ضعفه الكبير في دِلالةٍ فاقعة على حدّة العلاقات المادية الخطيرة والضارّة بالمجتمع مما ترى الكاتبة إلى ضرورة تحويله عن سلبيته إلى اندفاعٍ خُلُقيّ إيجابيّ بصيغةٍ سارترية تُعالج مآزق الانسان في مواقف معينة والتجاوزعنها إلى ما تراهُ مفيداً لواقعه . من هنا بسطَتْ حنّا مأخذاً مُعيباً يفسرُ  التفكير المتماثل بين الشخصيات المتناحرة على الكنز وهي تردد عبارة ” أنا أكره الخيانة ” في متن الحوار ممّا نكتشفُ زيفهُ لاحقاً ، فتلك الخيانةُ طريقةُ عيشٍ مُتجذّرة الطقوس في النفوس أكّدتْ افتراقَ مِلّةِ المبادىء عن رجالها في هكذا موقف . وعليه ، ترفضُ الكاتبة التسليم بعرض أقوالٍ وعظيةٍ معلّقة على مِشجبِ الظنّ الحسَن والتوقعات المتفائلة باستقامةِ من أخطأوا ، فذلك ينسِفُ ديناميكية رؤيتها للحضور الأخلاقي الحقّ في المعالجة الدرامية للحبكة ، الذي يقضي بعدالة الخاتمة للمُحسنِ والمسيء . وعلى الرغم مما ارتسم من نسق عبثيّ رتبته الكاتبة في قسمات الحوار كإقحام ” ناجي” داخل كادر الليلة الثانية وهو يمارسُ لُعْبتَهُ بساديّةٍ واضحة ليفوز بحصته من الكنز الدّفين ، إلا أنّها تمسكّتْ برسم اللّوحة الجمالية الأصلية للمسرح التي تنطلقُ من مسرحَةِ النصّ عن تصوُّرٍ مُسبَق بوصفه ركناً وظيفياً يخدم مشهدية العرض وهي تمسك بأحاسيس الجمهور فعلاً وتفاعلاً مع  تطوّرِ الحدث الدرامي ودائماً تحت سُلطة الرغبة الماسّة اليوم إلى فعلٍ فنيٍّ مُلتزم وكُوّةٍ للضّوء في فضاء الصورة المأسوية الراهنة للعلاقات الاجتماعية والتناقضات التي تعصف بعالمنا العربي .

 

 

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!