نتف من: الدراسات اللغوية القديمة و الحديثة

 

 اعد الدراسة الطالب: 

  محمد الورداشي/ المغرب 

شعبة الدراسات العربية

 

من بين الصعوبات التي قد يصادفها الطالب الباحث في مجال الدرس اللساني، و التي تعترض سيره المطرد هي إشكالية الشمولية و الإحاطة بمختلف الاتجاهات اللغوية،فنحن في هذه الورقة سنعرض للحديث عن العلوم التي اهتمت باللغة في مختلف المراحل،بداية بالعلوم العربية و غير العربية القديمة،و التي لن نفصل في الكلام عنها ثم الدراسات اللغوية اللسانية الحديثة.

و مما هو معلوم أن اللسانيات عموما علم يتناول موضوع اللغة عن طريق الدراسة و التحليل،و التي يمكن إجمالها في اتجاهين رئيسيين: اتجاه لساني أوربي، والذي تمثله البنيوية مع دي سوسير و ما يوظفه من وصف للغة، نتج عنه مجموعة من المدارس السانية،كالتوزيعية مع بلومفيلد،و الكلوسيماتية مع هيلمسلف…إلى آخره من الاتجاهات،ثم اتجاه أمريكي مع رائد اللسانيات التوليدية التحويلية نعوم شومسكي،و التي لن نعرض للحديث عنها في ورقتنا هذه،و ذلك لما تعرفه من اختلاف في المناهج و المفاهيم و طرق دراسة اللغة.

إذا كانت اللسانيات البنيوية تعتمد على الوصف فإن اللسانيات التوليدية تهتم بالتفسير و إبعاد الملاحظة،فاللغة عند سوسير غاية في ذاتها و تقضي دراسة وصفية كما هي و سنفصل في هذا خلال ما سيأتي من حديث عن البنيوية،و في المقابل أن اللغة لدى شومسكي ،هي الوسيلة المثلى لولوج العقل البشري،و قد تأثر بالديكارتيين الذين يعرفون اللغة بأنها مرآة الفكر.

إن اللسانيات علم يهتم بدراسة اللغة دراسة علمية،و ذلك عن طريق محاولة الإحاطة الشاملة لجميع قضايا اللغة، سواء تعلق الأمر بضبط نظامها الصوتي الفيزيائي أو التأويل الصوتي للألفاظ.هذا بالإضافة إلى تراكيبها النحوية و الدلالية،و تجدر بنا الإشارة إلى الدراسات اللسانية للغة بدأت منذ القرنين الرابع و الخامس قبل الميلاد لدى الهنود ،و يعد بانيني  من النحاة الهنود الذين بحثوا في دراسة اللغة،حيث إنه انطلق من الاشتغال على اللغة السانسكرستية،و ذلك بوضعه لقواعد نحوية تحكمها.

إن ما يميز الدرس اللساني خلال هذه المرحلة أنه اهتم باللغتين الإغريقية و اللاتينية،و ذلك يعزى إلى كون اللغة تدرس إما لأهداف فلسفية أو دينية.هذا من جهة،و من ناحية أخرى يتضح أن الدراسات التي قدمها  النحاة و الباحثون الهنود  مفعمة بنوع من العلمية و الدقة و الوضوح، ثم الضبط و تصحيح الأخطاء عن طريق وضع قواعد تحكم تناسق اللغة.

كما أن لسانيات القرن العشرين استفادت من الدراسات اللغوية القديمة،و تتجلى العلمية لدى بانيني في المنطلقات اللسانية الحديثة التي قلما تجدها داخل النظرية اللسانية الحديثة.حيث جاء ب :

الشمولية: تتجلى في محاولة تقديم دراسات لغوية بمقدورها أن تشمل جميع مظاهر اللغة.

عدم التناقض: أي أنه لا يوجد اختلاف بين القضايا، و الذي قد يؤدي إلى خلل في الدراسة.

الاقتصاد:هو استعمال  أقل عدد من الكلمات و الكلام،و ذلك باستناد بعض خصائص الرياضيات كالجبر…

مما نعلم جميعا أن أي دراسة لغوية قديمة كانت أو حديثة تحتاج إلى منهج،إلا أن مسألة المنهج تختلف من دارس لأخر،و ذلك يعزى إلى الاختلاف الجوهري بين الدراسات اللغوية القديمة و الدراسات الحديثة،ذلك أننا نجد الثانية تختلف عن الثانية في العلمية،أي توظيف المنهج العلمي لدراسة اللغة،و هذا ما نتج عنه ظهور مناهج لسانية متعددة ،و التي سنعرض للحديث عنها بشكل مقتضب فيما سيأتي.

إن ما تجدر الإشارة إليه  أن طريقة دراسة اللغة تختلف باختلاف المراحل.

إذا أخذنا مثلا فقه اللغة المقارن، و الذي عرفه العرب منذ القدم،فهو قديم قدم الدرس اللغوي،إلا أنه لم تكن أوربا تعرف علم الفيلولوجيا حتى جاء الباحث اللساني وليام جونس،هذا الأخير الذي انطلق من المقارنة بين اللغة السانسكريتية و اللغة الهندوأوربية…كما أنه أكد على وجود تشارك بينهما في الأصل و الخصائص إلى حد ما.

أما العرب فمنذ القدم اهتمت بدراسة النصوص اللغوية القديمة،ذلك لصيانتها من اللفظ الدخيل و التحريف خاصة القرآن الكريم،هذا ما جعلهم يقومون بجمع اللغة العربية القحة منطلقين من مكة و البادية،كان ذلك بفعل عدة عوامل لن نعرض للحديث عنها.

في إطار حديثنا عن لسانيات القرن التاسع عشر يمكن الإشارة إلى أنها اهتمت بكل من اللغة المنطوقة و المكتوبة،هذا بالإضافة إلى المناهج التي اعتمدها من مثل:

المنهج المقارن،و الذي كانت مهمته هي المقارنة بين اللغات التي تنتمي إلى فصيلة لغوية كبرى،وكانت اللغة السانسكريتية السبب في ظهوره،لكونه يهتم بفصائل لغوية كالساميات…

المنهج التاريخي: قد اشترط بعض الباحثون اللغويون الذين يتزعمون هذا المنهج الاهتمام باللغة المكتوبة عوض المنطوقة،لكون هذه الأخيرة حربائية و يمكن تغييرها في أي وقت،و ربط كذلك اللغة بالجانب الجغرافي لكون هذا الأخير يسهم في انتاج اللغة وفق ظروف و مراحل مختلفة.

المنهج الوصفي،اعتمده اللساني البنيوي فيردينان دي سوسير و الذي يزعم ’’أن اللغة نسق و بنية مستقلين عن خارجهما’’1، كما أنه درس اللغة في ذاتها و لأجل ذاتها.فدو سوسير يشير إلى ’’ضرورة دراسة اللغة كما هي و ليس كما يجب أن تكون’’2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

   

و يعتبر فيرديناند دي سوسير أب اللسانيات الحديثة و كان ذلك بفعل المحاضرات التي ألقاها بجنيف ما بين 1909و 1911 ،والتي تم جمعها بعد موته بثلاث سنوات من لدن طلابته سنة 1916،فهم لم يضيفوا لما أتلاه عليهم أستاذهم دي سوسير، و إنما حافظوا على الإرث اللساني السوسيري ذلك بفعل ظهور كتاب’’محاضرات في اللسانيات العامة’’.

لقد جاء سوسير بمجموعة من الثنائيات التي أسست على إثرها النظرية اللسانية البنيوية،كالدال و المدلول،اللغة و الكلام، اللسان و الكلام،ثم اعتمد في دراسته للغة على بعدين أساسين:

بعد زماني: ضبط المادة في حيز زماني،أي في فترة و مرحلة مخصوصة من الزمان،هذا يبين صعوبة الإحاطة باللغة عبر مختلف الأزمنة.و كونها تتغير باستمرار.و قد اعتمد ما يطلق عليه بالدراسة السنكرونية للغة،عوض الدراسات التعاقبية،و قد تخلى سوسير عن النوع الأخير لكونه يخشى الوقوع في الزوالق التي وقعت فيها اللسانيات التاريخية و التقليدية.

بعد مكاني:يتجلى في محاولة حصر المكان، لكون المكان يسهم في جمع اللهجات و الحدث الكلامي،ثم جمع المدونة.

و يمكن إجمال اللسانيات الحديثة لدى سوسير في الثالوث اللساني المشهور: اللغة،الكلام،اللسان.

و قد اهتمت اللسانيات بقضايا اللغة،التركيبية و الدلالية و المعجمية ، و منه يمكن أن نعرض للحديث عن لسانيات المدونة،و التي ’’نشأت سنة 1961 فكان أول من استخدمها جامعة براون الأمريكية،و هي أول مدونة تستخدم إليكترونيا و تشمل على مليون كلمة اشتقها الباحثون من النصوص الأنقليزية ثم توسعت المدونات إلى 320 مليون كلمة 1996 [المدونة البريطانية] 3 هكذا غدت لسانيات المدونة منتشرة في باقي أرجاء أوربا و قلما تجد دراسة لسانية لا تستعملها.

ظهرت كذلك لسانيات الخطاب أو النص حيث إنها تجاوزت مستوى الكلمة و الجملة إلى ما هو أكبر،و هو النص ما مراعاة السياقات و المقامات الكلامية و ما تقتضيه من شروط لئن لا يختل الحدث الكلامي.

حيث “نشأت سنة 1952 مع هاريس بأمريكا و كان لها الأثر الكبير في تطوير الدرس اللساني”4مما نتج عنه تطور سريع في مجال اللسانيات و ما تشتغل عليه من قضايا لغوية ،”فتولدت نظريات جديدة اهتمت بتحاليل النصوص و الخطابات و المحادثات في السبعينات من القرن العشرين،ما زالت إلى اليوم تشكل أهمية في الدرس اللساني الحديث”5 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

بناء على ما سبق يمكن الإشارة إلى أن اللغة ملكة الكائن البشري، هذا بالإضافة إلى كونها المعيار الأساسي للتمييز بين شعب و شعب، و حضارة و حضارة،و ذلك لما تشكله هذه اللغة من قدرة على استقطاب مختلف العلوم.هذا ما جعل اللسانيات الحديثة تفرض نفسها كعلم مستقل يدرس موضوع اللغة من مختلف القضايا ضمن العلوم ،فهي تضاهي علم النفس، و علم الاجتماع و الفلسفة.

المراجع :

1 محاضرات في اللسانيات العامة ص 40

2 المصدر نفسه،

3 ­– المصطلح اللساني و تأسيس المفهوم،ص:32

4:المصدر نفسه،ص :32

5:”مدخل إلى نظريات تحليل الخطاب،ضمن النوال،تونس،دار المعلمين العليا /سبراس للنشر،2009

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!