هل الدين وسيلة ام غاية ؟/( 5 )/ بقلم سعادة ابو عراق

تبعات المفهوم الخاطئ لهدف الدين
من خلال عرضنا الموجز لتاريخنا الفكري، لم نجد من استحدم المفاهيم الدينية والعقائد والعبادات في خدمة المجتمع والحضارة، سوى ما ركزوا عليه من التربية السلوكية الفردية، التي صممت للأطفال والبدائيين والبسطاء، وإن الإسلام الذي ركز على هذه التربية الأولية يجب ان لا نتوقف عندها، إذ يجب ان نهتم بتهذيب السلوك الإجتماعي الخاطئ والفوضوي الذي يكابده كل العرب، وأن نرتقي لمستوى سلوك المجتمعات المتقدمة, لا ان نكتفي يتعليمهم دعاء دخول الحمام ، بل يجب ان نعلمهم الإبقاء على الحمام نظيفا، وأن لا تقول كما قال بعضهم ان الإسلام علمنا حتى الخراء، بل امرنا ايضا ان نطلب العلم ولو في الصين.
ولسوف نطرح بعض ما افرزه مفهوم ان الدين هو العبادات،
1- كان مصطلح الفرقة الناجية دافعا للشعور بالطهر والتميز واعتبار الغير منحرفا عن الدين، وبالتالي منزلقا نحو الكفر، وقد صنف محمد بن عبد الوهاب جماعاته الوهابية فرقة ناجية، وباقي المسلمين منحرفين وجب اخضاعهم، لذلك كانت حروبهم داخل الجزيرة العربية حروب ردة، ذاق الفقراء والمستضعفين القتل والسبي ومصادرة الممتلكات، وهذا ما تفعله داعش مع المواطنين الذين وقعوا تحت سيطرتها، وكأنهم كفار لا ذمة لهم، ومثلهم فعل حسن البنا، إذ اعتبر جماعته فرقة ناجية، مما اورث جماعة الإخوان المسلمين تنافرا واستعلاءا وعدم تفاهم مع الآخرين.
2- اعطاء قيمة كبرى للدعاء والإستغفار، حيث لم يوظف في مكانه الصحيح، ذالك ان، الأستغفار الروتيني يفقد معناه في النفس، كما ان الاستغفار بلا سبب، يرسخ في النفس معنى الخطأ بلا سبب، وهذا نوع من الانهيار النفسي، ان الإعتراف بالخطأ فضيلة، ولكن حينما يكون هناك خطأ يعمل على تجنبه، ومثل هذا الأستغفار الوهمي نجد الدعاء ايضا، حيث يقال في غير محله، والذي اصبح ينوب عن تدبر المشكلة وحلها واقعيا، فما معنى ان تدعو لأحدهم بالشفاء دون ان يذهب للطبيب، وتدعوا الله ان يمحق الكافرين، وكأنهم ذباب أو بعوض يجب ابادته، ولا يعلم ان البشر متكافلين في هذا العالم، فلو نقص انتاج القمح عند كفار روسيا لحدثت مجاعة في مكان ما، علاوة على ان حذاء هذا المسلم القاعد ودواءه وهاتفه وسيارته وملابسه من صنع الكفار الذي يشي بهم إلى الله.
3- (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه) هذا الحديث المتفق عليه، أي غير الصحيح، جعل من غير المسلمين بشرا ثانيا، يجب عدم التعلم منهم واقتباس علومهم والإقتداء بهم، وهذا اضاع علينا اوقاتا ثمينه في اقتباس التحضر والتعلم من الغرب، معتقدين ان علومهم تابعة من دينهم، قياسا على العلوم الدينية لدينا المقتبسة من ديننا، ونسو حديثا صحيحا آخر هو ( الحكمة ضالة المؤمن انى وجدها أخذها)
4- السلفية تعني في مفهومها الأولي اتباع السلف الصالح، وليس هناك تحديدا لهؤلاء السلف، ولكن الإقتداء الفعلي هو برسول الله، ولكن هذا الإقتداء ليس محددا، اهو بالأخلاق والقيم أم باللباس والتصرفات مع زوجاته، أو لإقتداء بما قاله وفعله وامر به، ومن الواضح ان اقتداءهم بالرسول هو اقتداء بما هو سهل لا نفع به كتربية اللحية وحف الشارب والثوب القصير، وطريقة الشرب، لكنهم لا يلتفتون إلى الأحاديث والتصرفات الرائعة والعظيمة والمفيدة
5- انتشار مبدا الفردية، أي الإهتمام المسلم بنفسه ومصالحه الذاتية، وهذا قلص العمل العام الضروري للمجتمع، وبالتالي انعدم العمل المشترك، وانعدم تقديم المبادرات المفيدة واتسعت دوائر الفسات والإستلاب والتقوقع واضمحلت الثقافة والمعرفة، فدخول الجنة بحاجة اللى تكثيف العبادات وليس إلى علم الرياضيات او الصناعات او المهن المختلفة التي تشكل بنية تحيتية للمجتمع.
6- أما شرب بول البعير، فهودليل على الجمود العقلي والتبجح بما هو ضد العقل، والتطبيق الأعمى للنصوص، والإساءة للإسلام وللرسول، فالرسول الذي أراد اغاثة رهط من قوم ( عكل وغرينة )بأن اعطاهم بضعا من الإبل يشربون البانها وابوالها لكنهم قتلوا الراعي وهربوا بالإبل وارتدوا عن الإسلام، وهذا امر طبيعي من رجال متوحشين، فأمر الرسول بملاحقتهم وجلبهم فأمر بقطع أرجلهم وأيديهم وسمل أعينهم وتركهم يستسقون الماء فلا يسقون، فهل حقا قام النبي بكل هذا التنكيل؟ وهل اوحى الله لرسوله بأن بول البعير دواء يستطب به، أم انها أدوية جاهلية استعملها الرسول؟ وهل يكون التنكيل عقابا شرعيا إسلاميا مارسه الرسول؟ وعلينا ان نمارسه كما مارسنا شرب البول؟ اليس البول نجس وناقض للوضوء؟ وهل علينا ان نترك الطب الحديث ونتداوى بأدوية جاهلية، وهل عدم ايماني بهذا الفعل يستوجب قتلي حسب فتوى صالج الفوزان.
7- إن مثل هذا التوجه نحو الإقتداء بالحياة الإجتماعية والذهنية في العصر الجاهلي واعتبارها خير العصور، هو عملية تدمير لفكر قطاع يسمى بالسلفية، ومن يحذو حذوهم، ولا يدل إلا على الفكر الفارغ تماما، والغير قادر على الوعي، وهذ دفع إلى التمسك بالماضي وعدم تجديد الفكر والفقه الذي يجب ان بخدم العصر، كما خدم الفقهاء به عصرهم، ولم يقتصر الجمود على الموروث، بل وقف في وجه النهوض والتجديد، كمنع المرأة من قيادة السيارة. فكل الحركات الإسلامية لم تقدم شيئا يمكن ان يحسب لها، كبناء معهد ابحاث ، أو ترجمة كتب علمية او تكنلوجية، او تمويل بحث معين او تطوير مشروع ما، أو تحسين آلة، وذلك بما وقر في نفوسهم ان الدين فقط هو اقامة العبادات وليس تحسين المعيشة ومواجهة التجديات.
8- لن اطيل في تعداد ما ألت إليه مغبة الإعتقاد بأن الدين ما هو إلا الطريق الموصل إلى الجنة، وان لا معنى لجعل الإنسان خليفة في هذه الأرض سوى العبادة، وأن التطورات والتغيرات السيئة هي عقاب من الله¸ والتغيرات الحميدة مكافأة من الله، وما الإنسان إلا قطيعا من السائمة ليس له غير العبادة، ما هو إلا الموقف السلبي من الحياة التي لا تتطور او تتحسن إلا بالفعل اليشري النابع من فكر مبدع وفهم لمعنى العيش ومغزى الحياة .
99- قد اكون قد بالغت في بعض ما تناولته، لكن نظرة شامكلة لمجتمعنا تريك مدى هذا التخلف الذي نحن به، وقد ناقشت هنا إحدى اسباب هذا التخلف، ولكن هناك كثيرا من الأسباب الأخرى علينا ان نناقشها بالأسلوب التحليلى الرزين، وليس كما نرى دائما ردحا وشتما ولا يعني شيئا.
في المقال القادو نتكلم عن هدف العبادات، وكيف تقيم الإلزام الخلقي في النفس

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!