وقفات نقدية وملاحظات تنويرية  حول قصيدة (نبض القصيد) للشاعر د. علي غبن/ الأردن

كتب : / بقلم : الأديب الناقد عبد الرشيد غربال/المغرب

1- الحكم الانطباعي العام:

ترضى عنك أميرة اللغات يا علي ..
فقد أنصفتها بقليل ممّا هي أهل له، وهذا لسان حالها يقول:
شكراً لهذا التكريم
شكراً لهذه الحفاوة
شكراً لهذا النبل
أغير العربية يتسع لمعجزة القول الألهي؟
اسم واحد لعديد من الأشياء
وشيء واحد بعديد من الأسماء.
أي تفرد هذا!!!
الجميع يعجم،
والسعيد السعيد من يعرب!

فلك الحمد رباه على ابتلائي كما ابتلي صديقي علي بعشق هذا الكائن العظيم (الضاد) والذي قلت فيه:
(والضاد تسعفني،
والقدس عاصمتي،
والمصطفى قدوتي
دون السلاطين)

2- المجاز والانزياح

(رتّلت فيك العمر ألحاناً
وأزجالاً
بقافية…)

ما هو بالتهجي، إنّما ياقوت الضاد في دال، ما وقف على ندرة قيمته (دو سوسير) وأتباعه، أمام الإمام الخالد عبدالقاهر الجرجاني.
أمن لغة تسمو بلفظة ك (قافية هنا) إلى معنى الشعر جنساً تعالى عن المنطوقات؟ فيا حبذا هذا المجاز بعلاقتة الجزئية.

ومن ملح العربية يقول هذا السطر :

(بقافية تخط النصر والفتحا)

الخط لغوياً الكتابة والرسم بالحروف
وأداة الخط وفاعلها الحقيقي القلم،
وأما القافية فهي الشيء المخطوط المكتوب المرسوم حروفاً، فهي المفعول في قانون النحو ..
إذاً، فقد أراد الشاعر (القلم)….
بقلم (يخط النصر والفتحا)
ثم انزاح- محصناً بعيون هذه اللغة الفريدة، إلى مجاز جميل علاقته المفعولية لا الفاعليه.. إذ سمي الفاعل (القلم) باسم مفعوله (القافية) ..

ويأتي الانزياح الدلالي في:

(ما حالُها
ما بالُها)

ليبرز نكهة العربية في مثل هذا الخرق البديع:
التمويه ب(ما) استفهاماً، والغرض إفصاح النفس عن الإشفاق والترحم ..
فما أعذب علم المعاني !!!

3- الموسيقى والوزن والإيقاع

ثم يا لأحيلى التمازج الجيني بين (متفاعلن الكاملية) و (مفاعلتن الوافرية) في هذا التشكيل الماكر الحاذق

(أقامت لي على الأطلال تمثالاً
تهادى الحرف في واديك
حين شجوتُ
عذب الصوتِ
أغنيةً
أرنّمه
وأنشده
وموالاً
فغرّد في المدى شعري
وأزهر بالندى دهري)

فلا تملك النفس إلا الترنح طرباً بموسيقى الخرير أو خرير الموسيقى، فيتوهم القارئ انتقالاً إلى (مفاعلتن) مع أن الجوقة لا تفارق (متفاعلن) اتكاءً على التدوير العروضي، والشاعر في هذا يحاكي ما تفنن فيه الرائدان (السياب ودرويش) في ملاحمهما الخالدة: حفار القبور، والمومس العمياء، وأحمد الزعتر.
أمن لغة غيرها تناغي وليدها، فتنساب ضحكاته متلونة بين مدى زمني قصير
(دفقة شعورية صغرى):

-ما حالُها(1)
ما بالُها(1)

ودفقات من مدى زمني أطول:

-وعلام ترتبك الحروف إذا تهادت (3)

وهذا المزج بين الزمن القصير والزمن الأطول منتشر على امتداد القصيدة، فقد تباينت الأسطر الشعرية طولاً وقصراً تبعاً للدفقة الشعورية لشاعر مفتون بامرأة، لا كأي امرأة، إنها امرأة الضاد.

وأشيد بنجاح الشاعر في ترويض (متفاعلن) حتى بلوغ شط الأمان، وأسجل حسن تصرفه في ما يسمى في التفعيلية بالتدوير العروضي الحلزوني حيث يشعر المتلقي بتناغم تفعيلتي الكامل والوافر في إيقاع لذيذ.
كما أسجل قصر الجمل الشعرية وفق دفقات الشعور دليلاً على ارتياح الذات وهي ترسم لوحة لامرأة الضاد الاستثنائية والتي يستدعي طقس رسمها الغرق في الهدوء والسكينة

4- المحسنات البديعية

ثم أعذب بالتجانس الصوتي والصرفي معا!

حالها/ بالها
يحتال/ يختال
الندى/المدى
الألفاظ/ والألحاظ

المجد لقلب متيم بعشق الضاد:
لغة الوصل والفصل بامتياز ،
والمجاز برحيقه العقلي والمرسل
والفرادة في التورية والكناية
والثراء الأريحي في الترادف والتضاد كما في:

يغرد/ ارتل
سؤالها/ الجواب

هذا الثراء الذي استدعى إلى خاطري قول الشريف الرضي:
يصول علي الجاهلون وأعتلي
ويعجم في القائلون و(أعرب) ..

5- أسلوب النداء

(يا عربية الألفاظ والألحاظ
يا لغة الزمان الحلو
….
من أحلامك البيضاء)

واطّرد النداء بأميرة هذا اللون البلاغي
وتم الخرق بأسلوب أحلى وأعذب
فما عدنا نتوقع استجابة الإقبال بل ساغ التعظيم والتحبيب ..

6- التناص

وأجمل بالتناص المباشر الواضح مع امرئ القيس في معلقته:

(وذكرت أيام الزمان الأول
يا أيها الليل الطويل ألا انجلي)

ولم يخب ظني في سياق الإشارة إلى حلاوة التدوير العروضي حين استحضرت اسمي الرائدين الخالدين في قلوب عشاق الشعر العربي (السياب ودرويش)
فقد لمست (تناصاً) عذباً مع (المومس العمياء):
(كالقمح لونك يا ابنة العرب ..
……..
عربية أنا أمتي دمها
خير الدماء كما يقول أبي ..)
وفي (عاشق من فلسطين): مع اعتبار تداخل الخاص مع العام في شعر الحبيب محمود درويش:
(فلسطينية الأسم
فلسطينية الوشم
فلسطينية الأحلام والهم
فلسطينية المنديل والقدمين والجسم..)

ربنا افتح علينا بما أودعت في كتابك المبين من مداد الكلمات فصاحة لا عياً
إنك خير الفاتحين.
مع الحب لغريمي في عشق هذه المرأة – الاستثناء، د. علي غبن وأهديك قولي
(اني وهبتك ما أبدعت من أدب
عِقْداً يُنَضِّدُهُ بالتّبر إعرابي)

عبد الرشيد غربال

(نبض القصيد)

خاطبت نبض قصيدتي
بقصيدتي
وسألتها:
ما حالُها
ما بالُها
وعلام ترتبك الحروف إذا تهادت
كالقطيع إلى البديع
وكان فيه مآلها
ووقفت انتظر الجواب
فجاءني صوت القوافي الصائحات
من الغياب
إن كنت تعلم ما الجواب
فما يفيد سؤالها.

أنا يا قصيدة قد أتيتكِ سيداً متكاملا
رتّلت فيك العمر ألحانا وأزجالا
بقافية
أقامت لي على الأطلال تمثالا
تهادى الحرف في واديك
حين شجوتُ
عذب الصوتِ
أغنيةً
أرنّمه
وأنشده
وموالا
فغرّد في المدى شعري
وأزهر بالندى دهري
وفجّر طاقة الفصحى
بقافية تخط النصر والفتحا

عساني كلما غنيت فيك الشعر
يا عربية الألفاظ والألحاظ
يا لغة الزمان الحلو
من أحلامك البيضاء
أمحو المر والقبحا
عسى أمسي الذي ضجت به الدنيا
يفيق يرى قصيداتي
فتوجعَه
ويهجرَ نومَه…
يحتالُ
كي يختالَ
في عتم الدنا صبحا
ويكتبني شهيَ الحرف في لغتي
فلا أُمحى
ولا يبقى بذاكرتي من الأوجاع
لا ثلما ولا جرحا

بنصرٍ طلّ من نصري
أطل أنا على لغة
على أعتابها تتمايل الكلمات
كالملكات
كالأنثى المطلة من علٍ
كقصيدة أنا قلتها
لما تراءى لي غدي
وذكرت أيام الزمان الأول
يا أيها الليل الطويل ألا انجلي
متطيّبا بين الحروف
نهضت من بين القوافي
والخوابي
كالنبي.

أنا ما كتبت قصديتي لكنها
لما أتتني
حط في روحي السلام السرمدي
وطفقت أكتبني بقاموسي الندي
فعليك يا لغتي السلام
فقد تكامل بانتصارك مولدي.

د. علي غبن

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!