وقفة  مع رواية خُلِقَ إنسانًا/   بقلم الأستاذ حرب شاهين

 

((خلق إنساناً))

الأديبة  عنان رضا المحروس

قدمّت لنا الأديبة المبدعة ( عنان رضا محروس) عملاً أدبياً استثنائياً مميزاً، في وقت يحتاج المجتمع العربي أدباً يتناول بدقة وموضوعية حقيقة الواقع الاجتماعي والثقافي والإنساني، الذي تعيشه الغالبية الساحقة في كافة الأقطار العربية، ولئن اختارت (عنان) قطراً عربياً معيناً، فإنه ينطبق على غيره من الأقطار العربية الأخرى، ذلك الواقع الاجتماعي الذي يتقلب على تلة من الجمر، والذي تجاهلته أقلام الكتّاب والأدباء، لينأوا بأنفسهم عنه، بسبب طوباوية أفكارهم، وكأنهم في برج عاجٍ، يصنعون لأنفسهم سعادة وهمية، يحبسون أنفسهم بقفص وهمي، سرعان ما يكشف زيف أفكارهم وأقلامهم.

ولكن، (عنان محروس)، نأت بنفسها عن هذه الرؤيا الوهمية، فانطلقت بقلمها ـــ المكتنز إنسانية وقيم وعشق لأمتها ــ لتصور واقع النسبة الكبيرة، بما تعانيه من جوع وتشرد وتخلف، فعاشت بروحها ووجدانها مع أولئك البؤساء، الذي يعيشون كقشة صغيرة تتقاذفها الأمواج الهوجاء وتلقي بها في مهاوي الردى، فكانت شخصيات روايتها حقيقية، وكأنها اطلعت على أدق تفاصيل حياتهم.

وعنما اختارت عنوان روايتها (خُلق إنساناً) فكأنها أردت أن تصرخ في وجه مجتمعه، إنه إنسان، بما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ولمّا كان إنساناً، فيجب أن يحيا ويعيش مع بشر، وليس حيوانات مفترسة، ترى بتعذيب الآخرين متعة وسادية حمقاء.

إنه إنسان، وليس حشرة تُرش بعقاقير الإبادة، وإن لم تكن إبادة جسدية، فالقهر والذل والجوع والتشرد والاستغلال والتجني والضرب المبرح أشد إيلاماً من الإبادة الجسدية.

أمضت (عنان) شهوراً عدة، تدرس واقع عائلة تعيش البؤس والجوع والمعاناة والحرمان، لتنقل لنا بصدق وبدون مبالغة مقيتة أو جنوح خيال، واقع حال عائلة أوجدها القدر، رغم ارادتها، فعاشت تناقضاً مطلقاً، وصراعاً حاداً في كل لحظة من حياة أفرادها، فهناك ما كان عليه أن يكد بأقسى الظروف، وهناك من يستبد ويتلذذ بتطفل مقيت على شقاء الآخرين.

ومن البديهي، أن تشتت هذه العائلة، فصوّرت لنا (عنان) النهاية المأساوية لكل فرد من هذا المزيج المتنافر.

لقد أبدعت عنان بتصوير الواقع، وبتشريح شخصيات روايتها، فأبهرتنا بأسلوبها السهل الممتنع الشيق الجذّاب، واختارت ألفاظاً مألوفة، بعيدة عن التعقيد اللفظي والمعنوي، بعيد عن الإطناب والتكرار المقيت الممل.

ولا أبالغ إن قلت بأن (عنان) بلغت القمة في انتاج عمل روائي، ندر مثيله، في مرحلة تتكدس فيها أرتال الروايات بلا هدف محدد أو قيمة ذات جدوى، مما يجعل القارئ يضجر من هكذا أدب.

إن (عنان) باختيار موضوع روايتها وإظهار القيم الإنسانية التي تهدف لإيصالها لنا، وبقدرتها على ربط الأحداث بدقة وروية، والدعوة من ضميرها ووجدانها، للنظر بعين العطف لأولئك المشردين البؤساء، فإنها تدعو بضميرها الإنساني لنعاملهم كبشر، وبذلك نكون قد حققنا تغيراً جذرياً فنشل الكثيرين من مستنقع الجهل والبؤس والشقاء.

ولا يسعني أخيراً، إلا ان أتقدم بالشكر الجزيل لأديبتنا المبدعة، على هذا العمل المميز الاستثنائي، راجياً ممن يحملون ضمائر حية تشجيعها وتقديم كل الشكر لها، حتى يكون حافزاً لها للمزيد من الإبداع.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!