وقفة مع قصيدة فصاحة الجمال للشاعرة اللبنانية فلورا قازان ( خلاصة القول ) بقلم المهدي سي محمد

خلاصة القول :

إن الذات الشاعرة مرتبطة بالموضوع الوطن ،أما رؤوما قلقة تتأرجح بين عقل يثوق إلى الحرية والانعتاق ،وكلها أمل ابنة القيامة ،وبين واقع مر يرزح فيه الوطن ، ذاق منه كؤوسا من علقم ،
حروبا ودمارا، صراعات طائفية، وتلاسنات ومعارك مذهبية، في بلد جميل تشوه وجهه الحضاري الناصع كل هذه التطاحنات بين أطياف الوطن المتعددة ،
فوسيفساء من الأجناس والألوان والعقيدة…
موقف بين بحرين يلتقيان ،بينهما برزخ لا يبغيان.
ولكن لماذا اخترتم، ياترى، المالح الأجاج منهما ،
وتركتم العذب الفرات…؟!!
غريب هو حالكم و أمركم…!!
عجبا لقوم لا يعقلون لا يتدبرون …!
وكأن على قلوب أقفالها،
وعلى الأبصار غشاوة فهم لا يبصرون،
صم عمي بكم فهم لا يتفكرون.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪

صدق الشاعر اللبناني المسيحي المهاجر، رشيد سليم الخوري، الملقب بالشاعر القروي ، حين قال،متحدثا عن أسباب تخلف الشرق العربي،
واصفا له بلسما من الحب لينهض من تخلفه…
قال :
يا قوم ، هذا مسيحي يذكركم.
****لا ينهض الشرق إلا حبنا الأخوي.

أخوة ، تربطنا اللغة المشتركة ، والوطن المشترك.
ولا عيب إن اختلفت الديانة وتباينت الأعراق…
فالهند بدياناته المتعددة ،بهندوسيه وسيخيه ، وأجناس أخرى لا أعرفها تقدم، ولحق بالركب…

شعراء لبنان لهم نكهة خاصة، تميزهم عن باقي شعراء الأمة العربية.
الجواهري ودجلة الخير ، حافظ إبراهيم شاعر النيل ،
مطران الخليل ، شاعر القطرين القطرين ، محمد الحلوي والجواهري عبد الرفيع الرقراق ، والقمر الأحمر، من المغرب، الشابي أبو القاسم من تونس،
السياب بدر ، ونازك الملائكة….
ويبقى شعر جبران وإيليا ،وبشارة الخوري، ممزوجا بتوابل خاصة من تربة لبنان وأرز لبنان وماء لبنان،
مع نفحة فلسفية وشعور بالغربة عن الوطن .

▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪

تقول الشاعرة ، في نفس السياق، في مقطوعة
أخرى لها :

إلى متى تستتر ؟
إلى متى تستجر ؟
إلى متى تنتظر ؟
ولم يبق من الآمال
سوى زوبعة من الأحلام
تصب جام غضبها في وريد الأقلام.
إلى متى تساوم ؟
إلى متى تقاوم ؟
إلى متى تلازم
مقعدك على رصيف الانتظار ؟!
وتمنح عجلة الخياة قطارا من الأعذار.
تبكي حظك مولولا:
هكذا شاءت الأقدار .
مساء النور والأنوار.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪

ما دامت السفينة في البحر ؛
ولم ترس بعد، على الميناء ؛
ولم يطأ قدم خيال الشاعر اليابسة،
بكاؤها قد يغرقها،
في موج بعضه فوق بعض.
وسحاب فوقه سحاب ،
ظلمات فوقها ظلمات.

عطش البحر لن ترويه،
زخات أمل من مطر،
منه يتصاعد بخارا ليكمل دورته
في عنان السماء ،سحابا، فيتساقط غيثا.
بكاء البحر وإن اشتد به النواح ،
لن تغير دموعه المالحة،
من مائه الأجاج شيئا.
قدر البحر الملوحة وتلاطم الأمواج بكاء…

كيف يحتفي الخيال بغياب الأمل …؟!!
كرنفالا من الضياع والتيه،
والرقص من شدة الألم ،
والأمعاء تتضور جوعا ومسغبة.
وقدر الرواء ،كقدر البحر الظمآن ،
عناء ومطاردة السراب ،
في بيداء من الجفاء…
لن يرجع البكاء والعويل الأمل الضائع.
وسترتفع أغنية السلام .
وترفرف راية الأمان .
على ربوع الوطن الجريح،
متى كانت العزيمة قوية ،
والإرادة عصماء.
فلا انتظار لقطار الأعذار .
ولا بكاء على الأطلال.
ولا الولولة على لحظ.
نلوم الأغيار فيه والأقدار…!!
فالصباح نور وأنوار…

▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
وأخيرا :

أترك لباقي القراء الكلمة للإدلاء بآرائهم.
كما أدلوت برشاء دلوي في بئر النص الحافل بالدلالات والصور .
ولا ادعي أن ما وصلت إليه من نتائج ،هو الغاية القصوى ، فما أنا إلا ناقد مبتدئ يحبو في دروب تذوق النصوص الأدبية.

وموت المؤلف La mort de l’auteur رهين بميلاد القارئ…على حد قول السيميائيين ،أمثال رولان بارث Roland Barthes…
فهاهو نص الشاعرة بين أيديكم .
تذوقوه ادخلوا جنته آمنين…
تجردوا من الذات وحاولوا أن تكونوا موضوعيين قدر الإمكان ،علكم تصلون إلى ما لم ابلغه من جمال فني وخيال مجنح ، وما يحفل به النص من خصائص شعرية.
.فالبنية العميقة والأعمق درجات…
والتفاوت في النفس / الطويل منه والقصير،
للغوص بحثا عن الدخائر النفيسة .
وتنوعالأدوات النقدية ، لسبر اغوار النص ،
واستخراج ما به من لؤلؤ ومرجان…

فالنص مفتوح على كل المقاربات ، حمال لشتى المعاني.كائن زئبقي مشاكش ، متعدد الأوجه ،
تبعا لتعدد مشارب النقاد وأدواتهم ومناهجهم…

▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
صباحكم كنوز السماء…
مسك الختام من فم شاعرة،
متمكنة من صناعة الشعر وأدوات البيان،
ومغالق البلاغة ، وجرس الإيقاع ،
وتنوع التفاعيل ،والموسيقى الداخلية،
للكلام الموزون، المنزل من وحي سحاب ماطر،
شعرا جميلا من السماء ، يحيي القلوب الظمأى…
إنها الكنوز التي تحدث لكم عنها آنفا.
وما عليكم إلا نظمها في عقد ،
من عقيان ومرجان ،
وفيروز الشطآن.
بين الضلوع قلب الشاعرة اشتكى.
وتعلق بهموم الوطن فغنى وبكى….

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!