‎قصص قصيرة جداً من كتاب “أصداء السّكون” للأديب سامر المعاني

آفاق حرة 
قراءة د. سلطان الخضور

 

    عند الحديث عن الأستاذ سامر المعاني, يحتار الكاتب بأي الصّفات يخاطبه, فما يميزه على الأقل أنه ينحّي الشعر جانباً في نتاجه الأدبي, لكنه يتعرض في كثير من الأحيان لنقد بعض النّصوص الأدبيّة, وله العديد من الاصدارات الأدبية النثرية ما ساعدتني على وصفه بالأديب, علماً أنه يتعاطى أجناس أدبية أخرى, مثل كتابة القصّة القصيرة التي مجتمعة مدّت يدها له لينهض ويجلس في عالم الأدباء.

   ويسعى المعاني في كثير من الأحيان, للتوسّع في أنشطته الثّقافيّة من خلال “منتدى الجياد للثّقافة والتنمية” الذي يديره, لتشمل نشاطاته ومسابقاته العديد من أقطار الوطن العربي, مما جعل اسمه مقروناً بالمنتدى, معروف على المستوى العربي.

    ويميل المعاني إلى الجانب الاعلامي, حيث أعد في شهر رمضان الماضي برنامج” رمضان 2020″ التقى من خلاله مع العديد من الفاعلين في الشأن الثقافي, وقبل ذلك كان التقى العديد من الكتّاب والشّعراء والأدباء من خلال برنامج” اوراق ثقافيّة” وهو لهذا العام 2021 يتهيأ لإعداد برنامج “رمضان 2021”

     أرسل لي ذات يوم,الفصل الاول من كتابه الموسوم ب” أصداء السّكون” الصادر عن دار الغاية للنشر والتوزيع في عمّان والذي يحتوي- أعني الفصل الأول – على مجموعة من القصص القصيرة جداً والتي بلغ عددها ثلاثة عشر, تحت عنوان “نوافذ صغيرة” والتي أشار فيها أنّها تحمل الطابع الفلسفي التأملي, والتي يطل من خلالها على المجتمع.

    وقد جعلت من عنوان الكتاب وعنوان الفصل مدخلاً أمر من خلاله لتفحص كنه الكاتب وما كتب, فكان لا بد أولاً, من تناول عنوان الكتاب الذي بدا لي مثيراً في معناه, فالسّكون في العادة لا يحدث صدىً, لأن الصّدى هو رجع لصوت مسموع,ينعكس نتيجة ارتطامه بسطح في العادة ما يكون مستوٍ.

 لكني من منطلق معرفتي بكنه الكاتب استنتجت أن الصّدى المقصود ليس صدى الصوت, بل هو انعكاس لمواقف مكتوبة أو محكيّة تكون ذات دلالات, وقد استخدم الكاتب صيغة الجمع ليشير إلى أن هذه الانعكاسات عديدة ومختلفة, إذ من السّهولة القول أنّ فعلاً معيّناً واحداً, قد يحدث العديد من الانعكاسات لدى العديد من الاشخاص حين يستقر ويسكن الورق في وضعه النهائي.

   أما عنوان المجموعة فقد طابق فيه الوصف الموصوف, فهي فعلاً قصيرة وصغيرة كالنافذة أطل الكاتب من خلالها على المجتمع ليدون مشاهداته في كتاب, وحملها للطّابع الفلسفي التأملي- كما أشار- تحدّده هذه القصص وليس الكاتب أو الناقد, نختار منها الأقصر.

إحدى قصصه القصيرة جداّ والتي قادت دفتها مفردة ” عربي”قال:” كان لحمه طريّاَ حين بدأ, وكانوا جميعاً يحملون الملح في جيوبهم”

هذه القصّة فيها من النقد الكثير, وتحمل رسائل عديدة تتمحور حول وضع معيّن حصل لشخص ما, كان قد بدأ مشواره في الحياة والذي على الأغلب أن خطاه الأولى كانت في طريق الأدب والثقافة, وبما أنه مستجد ولم تشتدّ عظامه بعد, كان الأولى بمن حوله الأخذ بيده ومساعدته ليكمل مشواره بهدوء, إلا أن ما حصل هو العكس, فهذا اللّحم الطري الذي يحتاج إلى من يعتني به ويشدّ أزره, لم يجد من يقوم بهذه المهمّة, وما زاد الطين بلّه أن المتواجدين جميعاّ وبلا استثناء, كانوا يحملون الملح في جيوبهم, وفي ذلك دلالة على عدم عقد النيّة على المساعدة, بل بالعكس قد يكونوا مهيئين لرشّ الملح على الجرح, وكلمة جميعاً تحمل في طياتها عدم الاستثناء, ما يشير إلى أن المتواجدين كلهم من طينة واحدة, وفي كل ما ذكرنا إشارة على النقمة على المجتمع الثقافي المحيط.

     وفي قصّته التي عنونها ب “الحب الأول”  في هذه القصّة التي يقول فيها”كانت تبتسم دوماً حين تراه يختبئ في احداقها, فكلّما ارهقتها الدنيا سامرها وانطق ليلها بالذّكريات.” يحاول سامر هنا أن يختزل قصّة حب أشبه ما توصف بالإعجاب, الذي نتج على الأغلب عن لقاء واحد, فانطبعت صورة الحبيب في عيني حبيبته, وصارت تعود إليها كلما تاقت إلى هذا الموقف وشدّها الحنين لتجد نفسها قد حفظته في أحداق عينيها, دون الافصاح من كلا الجانبين عن شعور كل منهما تجاه الآخر.

ومن قصصه القصيرة جداّ أيضاً, هذه القصة التي عنونها ب” فوبيا” والتي يختصرها بكلمات سبع, حيث جاءت على الشّكل التالي ” كان يخاف المرتفعات مكث عمره في الأغوار” لنستنتج أن هذه القصة هي محاكاة لبيت الشّعر المعروف عن أبي القاسم الشّابي والذي يقول فيه “ومن يتهيّب صعود الجبال/ يعش أبد الدهر بين الحفر”. ولا أدري لماذا استعار الكاتب مفردة من اللغة الانجليزية ” فوبيا” ليشير إلى الخوف الشّديد, وما قاله هو نثر لبيت الشعر المذكور, حيث الأغوار هي المنطقة شديدة الانخفاض,فقد أمضى بطل قصته حياته هناك فقط لأنه يخاف المرتفعات, وكأنه يريد أن يقول أن البركة في الحركة, وأن على الانسان أن يكون طموحاً يسعى لصعود القمم, وإلا أمضى حياته في المنازل الدنيا من الدنيا. 

    وفي محاولة نقديّة لسلوك مجتمعي, له علاقة بأزمات الثقة بين طرفين, يقول تحت عنوان لقاء” لا تقدّم يدها لتصافحني, تخاف أن يشار اليها بالحب, رغم انها تصافح الجميع”. يبدو أن في هذه القصّة رسالة موجهة لشخص بعينه, وسواء قصد الكاتب نفسه أو قصد غيره حين استخدم ياء المتكلم, هناك إشارة واضحة إلى عدم الثقة, وإلا لماذا تصافح الجميع عداه؟ولماذا تخشى أن تفسر مصافحتها على أنها حب؟ ولماذا لا يسحب هذا الحكم على الجميع؟

     من خلال هذه القصص القصيرة جداً, نستطيع أن نستنتج أن الكاتب يستخدم لغة النقد في قالب القصص, وأنه يحاول أن يكثّف المعنى باستخدام القليل من المفردات للتّعبير عن فكرة أو موقف, بالإضافة إلى أنه انعكاس لشخصيته, فهو قليل الكلام في المناسبات الثقافية, يدير- في أغلب الأحيان- أنشطته بصمت.

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!