أنظمة الحكم الكبرى من الديموقراطية إلى الرشوقراطية/ بقلم : محمد عبد الكريم يوسف

 لقد مرت البشرية عبر تطورها بأنظمة حكم كانت في حينها معقدة إلى حد ما ولكنها بعين اليوم بدائية وبسيطة مثل النظام المشاعي والاقطاعي والرأسمالي والاشتراكي والشيوعي . ومهما تطورت الأمم وتفاوتت أنظمة الحكم لديها نجد قاعدة مشتركة فيما بينها وهي الحاكم والمحكوم والرؤساء والمرؤسين والزعماء ورجال الدين والمستشارين والفقهاء والقادة الميدانيين للجماهيرالذين يصنعون الحب في الناس عن اعجاب وعقيدة أو عن خوف ورهبة  .

لا يمكن أن تزدهر الديمقراطية في الأوساط الفقيرة أو المجتمعات التي تعاني من حروب ومشاكل اجتماعية أو سياسية أو عسكرية أو حروب أهلية لأن مفهوم الرخاء يختلف عندهم عن المفهوم المعروف لدى الأوساط الغنية إذ لا تتطابق الاهتمامات والهموم والحاجات الأساسية التي تمكن الإنسان من الاستمرار في الحياة .

والزعامة في المجتمعات ليست حكرا على البشر وحدهم بل توجد عند العديد من المجتمعات الحيوانية فمجتمع النمل ومستعمراته في غاية التنظيم والتعقيد المؤسساتي  والكبش بين الأغنام يسيطر على القطيع والديك يسيطر على الدجاجات في مثال حي للذكورة العنيدة وحيوان اللاما يقود القطيع واللقالق في طيرانها لها زعيم ونظام تعمل بموجبه . والغريب أن مصطلح ” النظام ” يطلق على جميع أنواع أنماط الحكم الجيد منها والسيء. والمحسوبية تنتشر في كل المنظومات المدنية والعلمية والدينية بأسماء شتى ألطفها ” الشفاعة ” .

في هذا المقال ، سنستعرض أنماط الحكم الكبرى التي شهدتها وتشهدها البشرية بالأمس واليوم وغدا :

 

 

الثيوقراطية

الثيوقراطية تعني حكومة الكهنة أو حكومة دينية. تتكون كلمة ثيوقراطية من كلمتين مدمجتين هما” ثيو”وتعنيالدين “وقراطية” وتعني الحكم وعليه فان الثيوقراطية هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته أو بالأحرى شرعيته مباشرة من الإله.حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنةأو رجال الدين.

وتعتبر الثيوقراطية من أنواع الحكم الفرديالذي كان يحكمها الملك عن طريق الوراثة و لا يجوز لأحد مخالفته باعتباره خليفة الله حتى قيل من يخالف الخليفة فقد يخالف الله.

الثيوقراطية أو النظرية الثيوقراطية من المصطلحات السياسية الوافدة. والأصل اللغوي للثيوقراطية مشتق من الكلمة اليونانية Theokratiaوتعني حكم الله، ولكن في استعماله الشائع فإن المصطلح يقصد به حكم رجال الدين، أو حكم الكنيسة، وقد جاءت كلمة ثيوقراطية من كلمتين يونانيتين: الأولى كلمة (ثيو) وتعني إله، والثانية كلمة (قراط) وتعني الحكم.

ونظام الحكم الثيوقراطي هو النظام الذي يعتبر أن الله هو السلطة السياسية العليا، وأن القوانين الإلهية هي القوانين المدنية الواجبة التطبيق، وأن رجال الدين بوصفهم الخبراء بتلك القوانين الإلهية فإنه تتمثل فيهم سلطة الله، والتي يكون لزاماً عليهم تجسيدها من خلال فرض وتطبيق قوانينه السماوية. وقد اعتقد كثير من القدماء أن إلههم قد سلم القوانين إلى حكوماتهم (نظرية التفويض الإلهي عند الغربيين) فقد كان يعتقد أن مدونة (قوانين) حمورابي قد نزلت وحياً من السماء، وقد سميت الحكومة التطهيريةالبيوريتانية في ماساشوسيتس بالولايات المتحدة ثيوقراطية.

أمثلة تاريخية لحكومات ثيوقراطية

دول معاصرة تحمل سمات الحكم الثيوقراطي

دولة الفاتيكان: في عام 1929تم الاعتراف بشكل رسمي بالفاتيكانكمدينة مستقلة بعد عقد اتفاقيات مع الحكومة الإيطالية حيث ينتخبوهو تجمع لرجال الدين الكاثوليكيينوالباباالذي يكون بعد ذلك رئيسا. ينتخب البابا لفترة تمتد إلى مدى حياته، ويحق للكرادلة فقط انتخابه. يعين البابا وزير الخارجية المسؤول عن العلاقات الدولية. يخضع القانونهنالك لإملاءات البابا واجتماعات يعقدها رجال الدين.

الجمهورية الاسلاميةفي إيران : توصف حكومة إيرانبأنها “جمهورية ثيوقراطية”. يقوم مجلس منتخب نصف عدد أعضاءه بتعيين فقيه إسلامي مدى الحياة في منصب القائد الأعلىوهناكمجلس الخبراء الذي يعتبر جهة تنفيذية في الحكومة و يتحمل مسؤولية تحديد ما إذا كانت التشريعات القانونية مطابقة لرؤيةالشريعة الإسلامية بالإضافة إلى مهمته في منع الناخبين الذين لا يرى فيهم الأهلية الكافية للترشح .

السعودية:حكمها ملكي مطلقو دستور الحكم أو ما يسمى بالنظام الأساسي للحكم مستمد من الشريعة الإسلامية و كذلك الاحكام القضائية.

الباكستان:استقلت باكستان في 1947 وغالبية السكان من المسلمينمع وجود أقليات أخرى و يعتبر الإسلامالدين الرسمي الوحيد للدولة، وتوجد المحكمة الفيدرالية الشرعية والتي قد تمنع إصدار أي قوانين لا تتوافق مع نظرتها للشريعة.

كذلك هناك أفغانستان والسودانوموريتانياواليمنوالتي تعتبر ذات حكم ثيوقراطي إضافة لنيجيرياحيث توجد ولايات في شمال البلاد سُمح لها بتطبيق الشريعة الإسلامية بها على المسلمين فقط.

كذلك هناك الإدارة المركزية للتبتأو حكومة التبتفي المنفى.

وأشهر الحكام الثيوقراطيين يمكن أن نذكر : الحبر الأعظم ” البابا” والديلايلاما والامبراطور الياباني” حتى وقت قريب” والامبراطور الحبشي حتى مقتل الامبراطور هيلاسلاسي وأمير أندورا ” فرنسا” ومطران أورغال الإسباني.

الديموقراطية :

الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكميشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة – إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين – في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين. وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولةديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع. والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية. يعود منشأ ومهد الديمقراطية إلى اليونان القديمحيث كانت الديمقراطية الأثنيةأول ديمقراطية نشأت في التاريخ البشري.

مصطلح ديمقراطية مشتق من المصطلح الإغريقيδημοκρατία باللاتينية: dēmokratíaويعني “حكم الشعب” لنفسههو مصطلح قد تمت صياغته من شقينδῆμοςديموس ” الشعب” وκράτοςكراتوس”السلطة” أو ” الحكم ” في القرن الخامس قبل الميلاد للدلالة على النظم السياسيةالموجودة آنذاك في ولايات المدن اليونانية، وخاصة أثينا؛ والمصطلح مناقض لمصطلحἀριστοκρατία (أرستقراطية) وتعنى ” حكم نخبة “. بينما يتناقض هذين التعريفين نظرياً ، لكن الاختلاف بينهما قد طمس تاريخياً.فالنظام السياسي في أثينا القديمة ، على سبيل المثال ، منح حق ممارسة الديمقراطية لفئة النخبة من الرجال الأحرار واستُبعد العبيد والنساء من المشاركة السياسية . وفعلياً ، في جميع الحكومات الديمقراطية على مر التاريخ القديم والحديث، تشكلت الممارسة الديمقراطية من فئة النخبة حتى منح حق العتق الكامل من العبودية لجميع المواطنين البالغين في معظم الديمقراطيات الحديثة من خلال حركات الاقتراع في القرنين التاسع عشر والعشرين.

كما ذكر آنفا الديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، لكن كثيراً ما يطلق اللفظ علَى الديمقراطية الليبراليةلأنها النظام السائد للديمقراطية في دول الغرب، وكذلك في العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ “الديمقراطية” لوصف الديمقراطية الليبراليةخلطا شائعا في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو الشرق، فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة بينما الليبراليةتؤكد على حماية حقوق الأفراد والأقلياتوهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية والتي تدعى بالديمقراطيات الغير ليبرالية ، فهنالك تقارب بينهما في أمور وتباعد في اُخرى يظهر في العلاقة بين الديمقراطية والليبراليةكما قد تختلف العلاقة بين الديمقراطية والعلمانيةباختلاف رأي الأغلبية.

وتحت نظام الديمقراطية الليبراليةأو درجةٍ من درجاتهِ يعيش في بداية القرن الواحد والعشرين ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكيتين والهند وأنحاء أخرَى. بينما يعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعاً آخر من الديمقراطيّةكالصينالتي تدعي الديمقراطية الشعبية. فالديمقراطية تتناقض مع أشكال الحكم التي يمسك شخص واحد فيها بزمام السلطة ، كما هو الحال في نظام الحكم الملكي،أو حيث يستحوذ على السلطة عدد قليل من الأفراد، كما هو الحال في الأوليغارغية. ومع ذلك، فإن تلك المتناقضات المورثة من الفلسفة الإغريقية وهي الآن أفكار غامضة لأن الحكومات المعاصرة قد تحتوي على عناصر من الديمقراطية والملكية وأوليغارغية مختلطة معاً. كارل بوبريعرف الديمقراطية على النقيض من الديكتاتوريةأو الاستبداد، وبالتالي فهي تركز على الفرص المتاحة للناس للسيطرة على قادتهم والاطاحة بهم دون الحاجة إلى ثورة.

توجد عدة أشكال من الديمقراطية ولكن هناك شكلان أساسيان وكلاهما يهتم بكيفية تحقيق ارادة مجموع المواطنين المؤهلين لتلك الممارسة. أحدى نماذج الديمقراطية هي الديمقراطية المباشرةالتي يتمتع فيها كل المواطنين المؤهلين بالمشاركة المباشرة والفعالة في صنع القرار في تشكيل الحكومة. في معظم الديمقراطيات الحديثة، يظل مجموع المواطنين المؤهلين هم السلطة السيادية في صنع القرار ولكن تمارس السلطة السياسية بشكل غير مباشر من خلال ممثلين منتخبين وهذا ما يسمى الديمقراطية التمثيلية . نشأ مفهوم الديمقراطية التمثيلية إلى حد كبير من الأفكار والمؤسسات التي وضعت خلال العصور الأوروبية الوسطىوعصر الاصلاحوعصر التنويروالثورات الأمريكيةوالفرنسية.

وهنا يمكن أن نستذكر الحوار الذي دار بين نائب عمالي بريطاني مع ونستون تشرشل عقب فوز حزب المحافظين حيث اتهم النائب العمالي السيد تشرشل بالمواربة والخداع والخطاب الديماغوجي وتضليل الشعب فرد عليه تشرشل قائلا : ” قد يكون في كلامك يا سيدي شيء من الصحة لكن الشعوب لم تحصل إلى اليوم على نظام أقل رداءة من الديمقراطية ”  أما مهندس الوحدة الايطالية كافور (1810-1861م) فيقول: ” يستطيع أي معتوه أبله أن يحكم الشعب بالحديد والنار، لكن الحكم الديموقراطي يحتاج لرجل عاقل.”

الأوتوقراطية :

الأوتوقراطية Autocracy شكل من أشكال الحكم، تكون فيه السلطة السياسية بيد شخص واحد بالتعيين لا بالانتخاب. كلمة “أوتوقراط” أصلها يوناني و تعني (الحاكم الفرد أو من يحكم بنفسه).

هناك فرق بين ” الاستبدادية” و”الدكتاتورية ” و”الشمولية “المعنى هنا اصطلاحي ناتج عن تعريب الكلمة، وقد تعرّب أحيانا بالدكتاتورية لكن في الواقع، هناك فرق في المعنى بين هذه المفردات، فالأوتوقراطية ليست مرادفة للشمولية، حيث أن هذه الفكرة اختلقت للتفريق بين الأنظمة الحديثة التي ظهرت في عام 1923م و بين الدكتاتوريات التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأوتوقراطية ليست مرادفة للدكتاتورية العسكرية، وهنالك مثلا الأوتوقراطيات الليبراليةالتي تحترم حقوق وحريات الأفراد.

مصطلح الملكيةأيضا يختلف عن الأوتوقراطية في أنه يعكس صفة توريث الحكمهذا بالرغم من أن بعض الملكيات السلافية، بالأخص الأباطرة الروس كانوا يحملون لقب “أوتوقراطي”. تاريخيا، العديد من الملوك حكموا بشكل أوتوقراطي ولكن في نهاية الأمر ضعف نفوذهم وتلاشى بعد أن كتبت وأقرت الدساتير التي أعطت الشعوب القوة لصناعة القرارات بأنفسهم من خلال ممثليهم في الحكومة.

يحتاج الأوتوقراطي إلى نوع من مساعدة أفراد نافذين ومؤسسات في المجتمع من أجل أن يستطيع أن يحكم سيطرته على الشعب. قلة هم الحكام الذين تمكنوا من أن يبسطوا نفوذهم عن طريق الحضور أو الكاريزما أو المهارات فقط، من غير مساعدة الآخرين. أغلبية الأوتوقراطيين اعتمدوا على طبقة النبلاء، والعسكر، أو الزعماء الدينيين أو آخرين، الذين بدورهم قد ينقلبون على الحاكم أو يقتلونه. لذا، قد يصعب معرفة الفرق بشكل واضح بين الأوتوقراطية والأوليغارغيةالتي تعني حكم القلة.

ويمكن أن نميز بين نوعين من الأوتوقراطية :

الأوتوقراطية المعلنة  التي هي استثناء ومن أمثلتها الأحزاب الفاشية أو الشبيهة بها حيث تحل ” رغبة الحاكم” محل الانتخاب كأساس للشرعية.

الأوتوقراطية المقنعة ،التي هي القاعدة،وهي إخفاء تعيين أوتوقراطي تحت مظاهر مختلفة الدرجة من الديمقراطية . وقد يعتبر النظام الاوتوقراطي ذاته بمثابة الحكم لأنه مستقل عن الاحزاب وفوق الأحزاب.

قد يستأثر الحاكم الأوتوقراطي بمعظم مقاليد السلطة ولكنه قد لا يكون مستبدا وإنما شديد الاخلاص لوطنه متفانيا في حبه ويمكن أن نذكر أمثلة على ذلك كرئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد و حاكم سنغافورة  لي كوان يو الذي استحوذ على السلطة في هذا البلد مدة تجاوزت 30 عاما وتخلى عن السلطة بمحض ارادته والرئيس السينغالي  ليوبولد سنغور الذي رفع دخل المواطن السينغالي من 700 دولار إلى 21000 دولار ثم تخلى عن السلطة وعمل مستشارا سياسيا واقتصاديا للحكومة .

المينيقراطيةوالمونوقراطية :

المينيقراطية هي حكم الأقلية حيث تستأثر قبيلة أو فئة أو مجموعة بالحكم كما حصل في رواندا وحكم الخمير الحمر في كمبوديا أما المونوقراطية فتقوم على أساس أن يقوم الحكم الفردي على قاعدة أساسية هي انفراد شخص واحد في ممارسة السلطة بوصفها حقا شخصيا له فيعمد إلى حصر جميع السلطات بين يديه ويباشر السلطة بنفسه حتى وإن كان محاطا بالمساعدين أو المستشارين , فسلطة الدولة تتحدد بمميزات ذاتية يتمتع بها الحاكم الفرد وهذه المميزات تكون وراثية أو مكتسبة .ومن ثم فان وصوله إلى الحكم قد يكون عن طريق الوراثة يسمى أميرا أو سلطانا أو ملكا أو إمبراطورا أو قيصرا أو غيرها من التسميات أو أن يكون وصوله لمركزه الرئاسي عن طريق القوه والمقدرة الذاتية فيسمى عندئذ دكتاتورا وفي ظل هذا النوع من الحكم لا قيمة لرأى الشعب كلا أو بعضا ما دام الحاكم ممسكا بالسلطة ومصادرا لحقوق المواطنين وحرياتهم وتأخذ المونوقراطيات التقليدية أشكالا مختلفة .

تستند النظم الملكية المطلقة على الوراثة أي انتقال السلطة من السلف إلى الخلف حسبما تقرره القواعد المعمول بها في انتقال الملك ورئيس الدولة في ظل النظام سواء سمي أميرا أو سلطانا أو ملكا … الخ هو مصدر السلطات فسلطاته غير محددة يعمل بلا معقب ولا رقيب لان السلطة مصدرها الإله وليس الشعب ولكونه يزعم لنفسه العصمة من الخطأ فهو لايكون مسؤولا أمام احد وعلى الجميع أطاعته والخضوع لإرادته وسادت الملكية المطلقة بموجب هذا المفهوم في جميع أنظمة الحكم في العصور القديمة والوسطى ألا أنها اختفت وتحولت إلى ملكية دستورية مقيدة في كثير من البلدان في العصور الحديثة ومع ذلك ما تزال بعض الممالك تأخذ بالحكم المطلق كما هو الحال في الممالك والامارات في العديد من دول العالم وتجدر الإشارة إلى أن بعض الفقهاء حاول أن يميز بين الملكية المطلقة والملكية الاستبدادية على اساس خضوع الملك المطلق للقانون . والذي وضعه بنفسه وعدم خضوع الملك المستبد له . فالملكية المطلقة هي التي يخضع الملك فيها للقانون عكس الملكية الاستبدادية التي تكون تعسفية المصدر قائمة على اغتصاب السلطة بالعنف والقوة.

الجيرونتوقراطية:

وهو حكم الكهول المتمتعين بسمعة شريفة لا يرقى إليها الشك و تعد من أقدم مؤسّسات الحكم في التاريخ السياسي للبشرية، وتُعَدّ إرثاً تاريخياً للسلوك الحضاري للشخصية الإنسانية ؛ فقد عكست مضامين الجيرونتوقراطية الفكر الفلسفي السياسي للشخصية الإنسانية المستمد من موروثها القبلي والديني وقيمها الاجتماعية آنذاك، أسّست لمفاهيم الحكم المباشر، وقدّمت مفاهيم فلسفية وقواعد سياسية عامة مشتركة في الحكم ، وأثبتت نجاحاً في تقديم نموذج لكيفية صياغة الفكر السياسي في ظلّ التنوع البيئي والجغرافي والثقافي والبشري.

وتعتبر القارة الأفريقية مثالا للحكم الجيرونتوقراطي فالإنسان الأفريقي عرف السلوك الحضاري قبل أكثر من 35,000 سنة  ، وإرث القارة في تجربة الحكم والسياسة من أقدم الموروثات السياسية في العالم, لقد سادت أرجاء القارة منظومة متكاملة  من المؤسسات التي حكمت أنماط سلوك الإنسان المختلفة، وتبنت المجتمعات الأفريقية أنظمة سياسية واجتماعية وثقافية متعددة، عكست مضامينها الفكر الفلسفي السياسي للجماعة الذي يعبر عن الموروث  القبلي والديني، ويعد مؤشراً للقيم الاجتماعية السائدة آنذاك. كما قدمت التجربة مفاهيم فلسفية وقواعد سياسية عامة مشتركة في القارة كلها، وأثبتت نجاحاً في تقديم نموذج لكيفية صياغة الفكر السياسي في ظل التنوع البيئي والجغرافي والثقافي والبشرى من خلال نماذج الحكم المتعددة التي قدمتها. لقد أسست القبائل الأفريقية لمفاهيم الحكم المباشر لإدارة شؤونها من خلال مؤسسة  ” الجيرونتوقراطية “الأفريقية العريقة (حكم الشيوخ  ذوي الحكمة والخبرة والحنكة )، والتي تعد أول مؤسسة لممارسة الحكم والسلطة في التاريخ السياسي للبشرية. تجربة تمثل إرثاً تاريخياً يمكننا في ضوئها تقديم تفسير جزئي لنشأة الأحزاب السياسية المعاصرة في أفريقيا وطبيعتها وطريقة ممارساتها في الحكم والإدارة، وسلوك بعض القادة ومواقفهم، وفهم الصراعات المتجددة في القارة من حين لآخر.

ومن الأمثلة الدولية على الحكم الجيرونتوقراطي يمكن أن نذكر الجنرال ديغول في فرنسا والمستشار الألماني أيدناور عقب الحرب العالمية الثانية و ماوتسيتونغ في الصين الذي قال للصينيين في يوم من الأيام : ” أيها الصينيون ! إغتنوا. ” وفعلا أطاعه الصينيون وبدأوا مشوار النمو الاقتصادي وصارت الصين تحقق نموا اقتصاديا مقداره 18 % سنويا حتى صارت الصين اليوم أكبر اقتصاد عالمي.

دعا رئيس الوزراء الإيطالىإنركو ليتا لمكافحة سيطرة المسنين على الحكم،وتحطيم القيود التي تحول دون إطلاق بلاده إلى الأفق التي تستحقها وترجوها. وأشار ليتا خلال مداخلة واسعة له فى منتدى مدينة شيرنوبياالسنويبأقصى شمال إيطاليا  إلى موضوعات الساعة التي يتسم بها واقع بلاده الراهن ومهام حكومته الموسعة، موضحا أن أولى هذه القيود الفوضى السياسية الدائمة, وقيود حكم كبار السن الجيرونتوقراطية، وخصومات السياسة، وحدد ليتا حاجة بلاده في المرحلة الراهنة، قائلا إن “هناك حاجة لانعطافة كبيرة، فلسنا هنا لتعويم الأمور، بل من أجل إحداث انعطافه ومهمتنا أن نحطم القيود التي تعرقل تقدم إيطاليا فبلادنا يمكنها أن تحقق أمورا كبيرة، ومن بين تلك التغيرات الجوهرية تلك المتعلقة أيضا بالدستور”. وتابع قائلا : “إلى من يقول أن الدستور لا يمس أقول، على سبيل المثال، دستورنا يفرض نظام الثنائية البرلمانية المتكافئة ويجب أن نغير هذا الأمر، والاستقرار يكافئ، وهو ليس مجرد ترنيمة أو مجرد شعار، والموضوع الأهم لتسليط الضوء على قانون الاستقرار سيكون ذلك المتعلق بتقليص الضرائب على العمل، حيث يجب إن تخفض على نفس خط العمل الذى قمنا به في قضية الشباب”.

الكليبتوقراطية

الكلِبتوقراطية هو مصطلح يعني نظام حكم اللصوص. وهو نمط الحكومة الذي يراكم الثروة الشخصية والسلطة السياسية للمسؤولين الحكوميين والقلة الحاكمة، الذين يكونون منالكربتوقراط، وذلك على حساب الجماعة، وأحياناً دون حتى ادعاءات السعي إلى خدمتهم. واللفظ مركب من مقطعين يونانيين؛ أولهما “كلبتو” (Κλεπτο) بمعنى لص، وثانيهما “قراط” (κρατ) بمعنى حُكم.

وعادة ما يكون نظام الحكم في تلك الحكومات في الأصل ديكتاتوريًا أو استبداديًا، ومع ذلك فقد تظهر الكليبتوقراطية في بعض النظم الديموقراطية التي انزلقت إلى الأوليغاركية)حكم القلة)

الميدياقراطية

الحكم عبر وسائل الإعلام والمعارضة أيضا. تلك هي الميدياقراطية. الأحزاب السياسية ترفع لهجتها المعارضة أمام شاشة التلفزيون. يوحي ذلك بنشاط سياسي قوي. لكن حضور المناضلين أو المواطنين في القاعة يوحي بفراغ رهيب. لا أحد يهتم بالخطابات. حياة الناس تجري في واد آخر تماما. رغم أن تلك الأحزاب تطلب الإذن للقيام بتجمع مع المناضلين من الإدارة المحلية دون أن تحتج على تقييد نشاط السياسيين. بل لا تعتبر ذلك قيدا على الإطلاق. المنتخبون يقلعون عن أي نشاط بمجرد انتهاء الحملة الانتخابية ويتحولون إلى ممثلين للسلطة التنفيذية. لا يعتبر النواب أنهم يمثلون سلطة مستقلة تسمى السلطة التشريعية لها وظيفة مستقلة عن السلطة التنفيذية. وظيفة إصدار القوانين. السلطة التنفيذية هي التي تبادر بمشاريع القوانين. لا يبادر النواب والمجموعات البرلمانية التي تشكلها الأحزاب بقانون ولا برقابة على النشاط الحكومي ولا الاتصال بالناخبين الذين شرفوهم في دوائرهم. أصبحت الانتخابات هي “النشاط السياسي” الوحيد الذي يحرك هذه التنظيمات المسماة جمعيات سياسية. أما العمل السياسي اليومي فلم يعد أحد يعرف له معنى: الاطلاع على الأوضاع ومحاورة المواطنين وتقييم عمل المؤسسات وإعداد البرامج ومناقشتها مع قواعد الحزب وبناء انتماء حزبي خاص يختلف عن بقية الأحزاب التي ينبغي أن تكون مختلفة. إطلاق مبادرات سياسية ذات معنى بالنسبة للمواطن وللوطن. كل هذا لم يعد واضحا في ما يسمى بالنشاط السياسي. النشاط التنظيمي للأحزاب حل محل النشاط السياسي. بل إن بعض الأحزاب –خاصة أحزاب السلطة- تتخلى عن برامجها أصلا من أجل شيء نظري يسمى برنامج الرئيس. كل ذلك من أجل الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها أو التقرب منه.

ويتم اختيار المثقفين ورجال الاعلام وأصحاب الشهادات العليا للحكم في السلطات التنفيذية والتشريعية والتنظيمية في أبراجهم العاجية دون الاختلاط بالشعب وهمومهم ومعرفة مشكلاتهم اليومية مما يؤدي إلى حدوث قطيعة وهوة سحيقة بين الفئة الحاكمة وسواد الشعب . وعندما يسأل أحد عن سبب ذلك يقال لهم هؤلاء نخبة الشعب ولا يمكن أن يخطئوا في صنع القرار وهذا ما حدث في إيران أيام الشاه رضا بهلوي وأنظمة أخرى .

هناك وجه آخر لحكم الميديا قراطيا  وهو الاتفاق العلني والخفي بين الحكام ووسائل الاعلام لتأمين الدعم الفني والسياسي لرجال الحكم مقابل أن يقدم هؤلاء السياسيين كامل الدعم والحماية والاعلانات لوسائل الاعلام وتساعد وسائل الاعلام في الترويج للسياسيين عبر المناظرات التلفزيونية .

الأوكلوقراكية :

الأوكلوقراطية هي  قوة الحشود والغوغاء. و هي الطريقة التي وصف بها المؤرخ اليوناني القديم بوليبيوس هذا الشكل من أشكال السلطة. كان يعتقد أن هذا هو أسوأ نوع من نظام الدولة. يصف أرسطو بدوره هذه الظاهرة بأنها ديمقراطية. وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن الشعب غير قادر على اتخاذ قرارات عقلانية. ونتيجة لذلك تم عزل القادة المتعلمين من السلطة وسادت الفوضى والاستبداد.

وقد اعتبر العديد من العلماء هذه الظاهرة الأوكلوقراطية . وهذه بالتأكيد نقطة سلبية، ولكن لا يمكن تقييمها إلا من خلال الأمثلة التاريخية. لذلك، على سبيل المثال، يتم تتبع علامات الأوكلوقراطية في الثورة الفرنسية الدموية ، وكذلك السنوات الأولى بعد وصول السلطة السوفياتية أيام الثورة الشيوعية . وحتى في الإمبراطورية الرومانية كانت هناك بعض عناصر هذا الشكل من أشكال السلطة. وقد تجلى ذلك في حقيقة أن الجيش نفسه أطاح بملوك وعين الملوك. وقد اتبعت الدولة الاسلامية في العراق والشام نفس الاسلوب في المناطق التي سيطرت عليها . ويتميز حكم الأوكلوقراطية بما يلي :

  • وصول مجموعات سياسية واجتماعية إلى السلطة.
  • تفرض المشاعر الشعبية والأفكار البدائية على المجتمع.
  • انعدام القانون والتعسف في جميع مجالات الحياة العامة.
  • تتعمد خلق ظروف مؤاتيه لأعمال الشغب.
  • تدوس على قيمة الحياة البشرية.
  • تنتشر ظواهر الأزمة في الاقتصاد والسياسة والفكر والأدب والعادات الاجتماعية والقيم الأخلاقية وغيرها من المجالات.

وفي هذا السياق يقول سفيان الثوري : ” السفلة إذا تعلموا تكبروا وإذا تمولوا استطالوا والكرام إذا تعلموا تواضعوا.”

أما الإمام علي كرم الله وجهه فيقول : ” لا تعلموا أبناء السفلة العلم ، وأقصد بالسفلة أبناء الأشقياء الذين لا ينجبون الأخيار .” وهذا النوع يسميهم علم الاجتماع “المجرمون بالفطرة ” تماما مثل مجرم لاميروزو عند الحقوقيين والقانونيين .

فكتور هوغو  من جانب آخر يقول : ” كل شيء للشعب ولكن لا شيء بواسطة الشعب.”  ويقصد بذلك الدهماء والرعاع الذين يستغلون فترات تراخي الحكم  فيعممون الفوضى والتدمير والسرقة والتخريب واشعال الحرائق.

الأوكلوقراطية في السلطة أمر خطير جدا. فهي تزرع الفوضى والدمار وانعدام القانون، الأمر الذي يجلب الكثير من الكوارث لحياة سكان البلد حيث لم تعد حقوق المواطنين وحرياتهم موجودة والأمن الأساسي لا يمكن ضمانه. أما بالنسبة للدولة نفسها فإن الأوكلوقراطية تعرضسيادة الدولة  ووجودها للخطر الحقيقي . وهذا الشكل من أشكال السلطة يرمز إلى انهيار النظام السياسي وتفاقم أزمته .

المحسوبقراطية :

وهو حكم المتنفذين والمنتفعين المندفعين خلف كل من يلوح لهم بالمال أو الرغيف وإخلاصهم هو إخلاص الحيوانات المنزلية لأصحابها . يفتقرون إلى القيم العليا ومصالحهم هي أربابهم وسرعان ما ينقلبون على سادتهم وأولياء نعمهم فور شعورهم بنشوء قوة جديدة على الساحة السياسية أو الاقتصادية  وكل ما يهمهم هو تحقيق مصالحهم الرخيصة  فهم يجيدون ركوب الموجه بانتهازية مفرطة ووصولية لا مثيل لها وقد تخلصوا من عبء المبادئ والقيم والأخلاق وهم أفة الشعوب وطابورها السادس .

وقد تطورت المحسوبقراطية لتطال مجالات مختلفة في أنظمة الحكم والدولة والمجتمع .

المحسوبقراطية الرأسمالية مصطلح يصف الاقتصاد الذي يعتمد فيه النجاح في الأعمال التجارية على العلاقات القوية بين القائمين على العمل التجاري والمسؤولين الحكوميين. ويمكن أن يتسم بالمحاباة فيما يتعلق بتوزيع التصاريح القانونية أو المنح الحكومية أو التخفيضات الضريبية الخاصة أو غيرها من أشكال تدخل الدولة في توجيه الشؤون الاقتصادية. ويعتقد أن المحسوبقراطية الرأسمالية تظهر عندما تمتد المحسوبقراطية السياسية إلى عالم الأعمال التجارية، حين تؤثر الصداقات التي ترمي إلى خدمة المصالح الذاتية والعلاقات بين رجال الأعمال والحكومة على الاقتصاد والمجتمع لدرجة أنها تفسد المثاليات الاقتصادية والسياسية التي ترمي إلى خدمة العامة.

وقد كان لمصطلح “المحسوبقراطية الرأسمالية ” تأثير كبير بين العامة كتفسير للأزمة المالية الأسيوية. كما أنه يستخدم في مختلف أرجاء العالم كذلك للإشارة إلى أي قرارات حكومية تهدف إلى تفضيل “محسوبقراطية” المسؤولين الحكوميين بطريقة عملية. وفي العديد من الحالات، يستخدم هذا المصطلح بشكل متبادل مع مصطلح رفاهية الشركات، إلى درجة وجود فارق بينهما، فهذا المصطلح الأخير يمكن أن يقتصر على الدعم الحكومي المباشر للشركات الكبرى والاستثناء من الثغرات الضريبية وكل القرارات التنظيمية والتجارية، والتي يمكن أن تكون، في الواقع العملي، أكبر من أي دعم مباشر.

تساهم المحسوبقراطية الرأسمالية في تكوين القوانين وتوجيه الاقتصاد بما يخدم أصحاب فئة معينة مستفيدة منها كما تفسر القوانين المطاطة والغامضة على هواها لأنها في غالبية الأحيان تكون مصدر هذه القوانين التشريعية .

المحسوبقراطية الرأسماليةفي أبسط أشكالها تتكون من تواطؤ بين المشاركين في الأسواق. ففي حين أن هؤلاء الأطراف ربما ينافسون بعضهم بشكل بسيط، إلا أنهم غالبًا ما يقومون بعمل جبهة موحدة (يطلق عليها في بعض الأحيان اسم اتحاد تجاري أو مجموعات تجارية صناعية) للحكومة لطلب الدعم الحكومي أو الإعانات أو فرض اللوائح والأنظمة والتشريعات . ويمكن أن يجد المشاركون الجدد في الأسواق أنه من الصعب الحصول على القروض أو الحصول على مكان لهم في السوق أو الحصول على الموافقات الرسمية (مثل نظام الميداليات لسيارات الأجرة في مدينة نيويورك الذي تم إنشاؤه أثناء فترة الكساد الكبير) لبيع المنتجات أو الخدمات الخاصة بهؤلاء المشاركين، وفي المجالات التقنية، يمكن أن يتم اتهامهم بالتعدي على براءات الاختراع، في حين أن المنافسين الراسخين في الأسواق لا يقومون بإثارتها ضد بعضهم البعض. وترفض شبكات التوزيع مساعدة المشاركين الجدد. ورغم ذلك، ينجح بعض المنافسين عندما تكون المعوقات القانونية بسيطة، خصوصًا عندما يكون المشاركون القدماء قد قلت كفاءتهم وفشلوا في الوفاء باحتياجات السوق. وبطبيعة الحال، يمكن أن ينضم هؤلاء المشاركون الجدد إلى الشبكات الراسخة للمساعدة على ردع وإعاقة أي منافسين جدد. وتشتمل الأمثلة الجدلية على ذلك على الكايرستو (اتحاد الشركات) في اليابان بعد الحرب، ووسائل الإعلام المطبوعة في الهند، والتكتل الكوري الجنوبي والأسر القوية التي تسيطر على أغلب الاستثمارات في أمريكا اللاتينية.

ومع ذلك، تقترن المحسوبقراطية الرأسماليةبصفة عامة بقدر أكبر من التدخل الحكومي غير المحمود. وتشيع القوانين واللوائح التي لا تكون واضحة عن عمد في مثل تلك الأنظمة واللوائح والتشريعات . وعندما يتم الاعتماد على تلك القوانين بشكل صارم، فإنها، بشكل عملي، تعيق كل الأعمال التجارية بشكل كبير، وفي الواقع العملي، لا يتم تفعيلها إلا بشكل متقطع. ويوفر شبح تطبيق هذه القوانين بشكل مفاجئ على الشركة حافزًا للبقاء في علاقة جيدة مع المسؤولين السياسيين. ويمكن أن يتم تطبيق القوانين فجأة على المنافسين الذين يسببون المشكلات والذين يتجاوزون الحدود، مما يؤدي إلى فرض غرامات عليهم أو حتى إلى سجنهم لبعض الوقت. وحتى في الديمقراطيات ذات الدخل المرتفع التي تحتوي على أنظمة قضائية وحريات للصحافة راسخة للغاية، ترتبط الدول الأكبر بالمزيد من الفساد السياسي.

تشتمل الدول التي يقال إنها تعاني في الغالب من المحسوبقراطية الرأسماليةعلى جمهورية الصين الشعبية؛ والهند، خصوصًا حتى بدايات التسعينيات من القرن العشرين عندما كانت الحكومة تسيطر على التصنيع بشدةوإندونيسياوالأرجنتينوالبرازيلوالمملكة المتحدةوماليزياوالكيان الاسرائيلي  وروسياوالولايات المتحدة وأغلب الدول التي كانت تنتمي إلى دول الكتلة الشرقية. يقول ووجنجليان، وهو أحد الرواد الاقتصاديين في الصينوداعم منذ فترة طويلة لانتقالها إلى الأسواق الحرة، إنها تواجه مستقبلين متناقضين بشكل صارخ: اقتصاد السوق بموجب القوانين أو بموجب المحسوبقراطية الرأسمالية .

يمكن أن تؤدي المشاركة الحكومية المباشرة بشكل أكثر إلى مجالات محددة فيما يتعلق بالمحسوبقراطية الرأسمالية، حتى لو كان الاقتصاد برمته في حالة جيدة. وتقوم الحكومات، غالبًا بحسن نية، بإنشاء الوكالات الحكومية الرامية إلى تنظيم الصناعة. ومع ذلك، فإن أفراد تلك الصناعة يهتمون بشدة بالإجراءات الصادرة عن الهيئة التنظيمية، في حين أن أغلب المواطنين لا يتأثرون بذلك إلا بأقل القليل. ونتيجة لذلك، من الشائع للمشاركين الحاليين في الصناعة السيطرة على “وكالة المراقبة” أو ” غرفة التجارة ” أو “غرفة الصناعة ” واستخدامها ضد مصلحة المنافسين. وهذه الظاهرة التي يطلق عليها اسم السيطرة التنظيميةلها تاريخ طويل.

قلبَ الحكم التاريخي الصادر عن المحكمة العليا الأمريكية في عام 1824 الاحتكار الذي منحته ولاية نيويورك (“وهو نموذج حقيقي لسخاء الدولة” سهّله أحد المؤسسين الرئيسيين وهو روبرت آر ليفينجستون) حول تقنية البواخر التي كانت تقنية ثورية في ذلك الحين.ومن خلال الاستفادة من تأسيس المحكمة العليا لسيادة الكونجرس على التجارة، تم تأسيس لجنة التجارة في الولايات في عام 1887 بهدف تنظيم “البارونات اللصوص” للسكك الحديدية. وقد قام الرئيس جروفر كليفلاندبتعيين توماس إم كولي، وهو أحد الحلفاء في السكك الحديدية، ليكون أول رئيس لتلك اللجنة، وتم استخدام نظام التصاريح لمنع وصول المشاركين الجدد وتنظيم تحديد الأسعار بشكل قانوني.

وغالبًا ما يشار إلى المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة على أنه مثال المحسوبقراطية الرأسماليةفي الصناعة. ويصف النقاد العلاقات بين البنتاجونوجماعات الضغط في واشنطن على أنها أكثر أهمية من المنافسة الفعلية، بسبب الطبيعة السياسية والمتكتمة لتعاقدات وزارة الدفاع. وفي نزاع بوينغوإيرباصفي منظمة التجارة العالمية (WTO)، قالت شركة إيرباص (التي تتلقى دعمًا حكوميًا مباشرة من الحكومات الأوروبية) إن شركة بوينغ تتلقى إعانات مماثلة يتم إخفاؤها في شكل عقود لا يتم تفعيلها مع وزارة الدفاع.وقد تلقت العديد من الشركات تعاقدات سريعة بدون مناقصات من أجل التعامل مع إعصار كاتريناوإعادة الإعمار بعد غزو العراقبزعم وجود مقربين من إدارة بوش في تلك الشركات.

وقد قالَ جيرالد بي أودريسكول، وهو نائب الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية دالاس، إن فاني مايوفريدي ماكأصبحا مثالين على المحسوبقراطية الرأسمالية. فالدعم الحكومي منح الفرصة لفاني وفريدي للسيطرة على اكتتاب الرهن العقاري. “فقد خلق السياسيون عمالقة الرهن العقاري، مما أدر بعض الأرباح على السياسيين، في بعض الأحيان بشكل مباشر، من خلال تمويل الحملات، وفي بعض الأحيان من خلال “المساهمات” المقدمة للناخبين المفضلين.”

التكنوقراطية

التكنوقراطية  تعني حكومة التقنية ويقال حكومة الكفاءات وبناء على ذلك فإن الحكومة التكنوقراطية تتشكل من الطبقة العلمية الفنية المثقفة، وهي حكومة متخصصة في الاقتصاد والصناعة والتجارة، غالبا تكون غير حزبية فهي لا تهتم كثيرا بالفكر الحزبي والحوار السياسي.

التكنوقراطية حركة بدأت عام 1932 في الولايات المتحدة، وكان التكنوقراطيون عبارة عن مجموعة من المهندسين والمعماريين والاقتصاديين المشتغلين بالعلوم ودعوا إلى قياس الظواهر الاجتماعية ثم استخلاص قوانين يمكن استخدامها للحكم على هذه الظواهر إلا أن اقتصاديات النظام الاجتماعي هي من التعقيد بحيث لا يمكن أن يفهمها ويسيطر عليها رجال السياسة ويجب أن تخضع إدارة الشؤون الاقتصادية للعلماء والمهندسين، وكانت هذه الدعوة نتيجة طبيعية لتقدم التكنولوجيا.

بعد أن تبوأ ماو تسي تونغموقعهفي الثورة الصينية عام 1949 فكان يحكمها ومعه نحو 26 من القيادات الثورية السياسية والعسكرية. وبعد استتباب الثورة الصينية وجاء عهد دينجشياوبينجبدأ هذا في أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في إرسال البعثات إلى البلاد الغربية لتعلم الهندسةوالاقتصادوطرق الإدارةالحديثة بغرض التطوير الاقتصادي في البلاد. واعتمد على هؤلاء الذين يسمون “تكنوقراطيون ” في حل مشاكل الصين الشعبية والتطور بها وتشغيل الصينيين، فكان التكنوقراطيون خير نخبة يعتمد عليها في حل المشاكل في الصناعة والتطوير العملي والانتقال من مجتمع زراعي بحت إلى مجتمع صناعي. وبعد عام 1985 تم تأسيس المجلس المركزي – وهو أعلى مجلس نابع من الحزب الشيوعي – يغلب فيه التكنوقراطيون عن غيرهم من النواب. وأصبحت المجموعة الحاكمة معظمها من التكنوقراطيين وساروا على هذا السبيل حتى يومنا هذا. فالمجموعة الحاكمة في الصين هم حاليا من أكثر السياسيين على مستوى العالم النابغين في العلوم الهندسية والاقتصادية والإدارة وتعليمهم كان بصفة رئيسية في العالم الغربي ولا يزالون يرسلون البعثات إلى أحسن كليات الاقتصاد والعلوم والهندسة في بريطانياوالولايات المتحدة الأمريكيةلاكتساب المعرفةوإدخالها إلى الصين الشعبية.

وتسمى أحيانا حكم النخبة ومثالها في الغرب حكومة المستشار الألماني الثاني بعد الحرب العالمية الثانية  الأستاذ الجامعي أرهارد الذي تحققت على يديه المعجزة الاقتصادية الألمانية بحيث شاع الرخاء الاقتصادي في البلاد مما اضطره لتبديل مقاعد نواب البرلمان الألماني  في الرايخشتاغ بعد أن زادت أوزانهم  بتأثير البحبوحة الاقتصادية وفرط التغذية .

الرشواقراطية

يصنف بعض العلماء الرأسمالية والعولمة بأنها أعلى درجات الرأسمالية  لكن هذا التصنيف ليس دقيقا في كثير من الأحيان ، فالرشواقراطية هي أوج الرأسمالية وهي المفهوم الأكثر تعقيدا الذي ينتشر في معظم المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية الغنية والفقيرة . ويبدو أن الفكر الإنساني لا يستطيع أن يقدم شيئا لمحاربة الرشواقراطية إلا النظريات التي لا تسمن ولا تغني عن جوع .

تصدّر المجتمعات الغنية الرشواقراطية إلى دول العالم بأشكال مختلفة وتعيب عليها عجزها عن محاربتها . وتشير السجلات الدولية إلى انتشار مفاهيم الرشواقراطية في مختلف المجتمعات وتتغير وتتلون بأشكال شتى وأخر أنواع الرشواقراطية هو النوع الذي يحدث في بعض المجتمعات حين يحدث تزاوج بين السلطة السياسية والمؤسسات التي تقدم الرشوة وتروج له وعندما يحدث مواءمة بين رجال القانون والسلطة القضائية والقانونية والتشريعية و رجال الرشواقراطية أن يتحول هؤلاء إلى أولئك والعكس .

لا يوجد في الكون قانون يحمي المجتمعات من الرشواقراطية لأن الرشواقراطية متجددة دوما ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة ويصعب اكتشافها إلا في حالات الخلل الطارئ في منظوماتها أو العثرات التي لا يمكن تجنبها  فتحدث الصفقات الكبرى المشبوهة دوما والتي تلبس لبوسا قانونيا يصعب تعريته .

هناك قوانين صارمة في الكثير من دول العالم تدين الرشواقراطية  إلا أن ممارسة الرشواقراطية شيء عادي في العديد من دول العالم أيضا وتعتبر سلوكا طبيعيا وضروريا تضاف قيمتها على تكاليف الإنتاج في الكثير من مؤسسات المال والأعمال في قارة أسيا  كما يحدث في تايلاند والفلبين . ويتغير شكل الرشوة في اليابان وكوريا الجنوبية  ففي اليابان مثلا يمكنك أن تقدم هدية للشخص الذي سيقدم لك خدمة أما في كوريا الشمالية والجنوبية  فالرشوة لها معنى أخر . ففي عام 2000 تم توقيع اتفاقية سلام بين البلدين الجارين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وقد تم التوصل إلى هذه القمة التاريخية بعد أن قدمت كوريا الجنوبية سرا مبالغ من المال لموظفي كوريا الشمالية  سميت في ذلك الوقت ” هدية الحب الأخوي” . أما في روسيا فقد اعتمد المجتمع مدة طويلة على مفهوم ” فيد واستفيد give-and-take ”  كجزء من الحياة التجارية والوظيفية  بما في ذلك استخدام الوظيفة الحكومة لتحقيق الربح الخاص  وتسمى لدى الروس ” رد المعروف” .

في بعض الأجزاء من أفريقيا فساد الحكومات ورجال الأعمال يجعل من المستحيل تنفيذ عملية تجارية من دون تقديم الرشوة للمسؤولين . الرشوة في أفريقيا من التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات لأنها آفة تقف في وجه التطور الطبيعي للمجتمع وتعيق تقدمه .

تأخذ الرشوة في بعض المجتمعات أشكالا تدميرية لبنيان الدولة والمجتمع  فعندما ينتشر الغش في الامتحانات المدرسة المدعوم  بالرشوة تكون نتائج الطلبة مذهلة  وبالتالي يحدث أكبر عملية تدمير لبنيان المجتمع بالمساواة بين الذين لا يعلمون مع الذين يعلمون إن لم يتفوق الأولون على الآخرين وبالتالي يزرع في عقول النشء مفهوم ” ما فائدة العلم ؟ ” .في بعض المجتمعات تنتشر فكرة ” إياك أن تطلب رشوة لكن إن عرضت عليك بطيب خاطر فخذها ” .  وفي بعض المجتمعات تصدر قرارات حكومية عالية المستوى كرمى لعيني فلان تؤثر في مردوديتها على ملايين الناس ولا يمكن التراجع عنها بسهوله لأنها تمس السيادة الوطنية لتلك المجتمعات. وينتشر في بعض الدول مفهوما متحضرا للرشوة ” كأن ترشو الحكومة ذاتها ” بأن تقوم الكثير من المؤسسات بتقديم هدايا مادية ومعنوية لفظية ومحسوسة للمسؤولين الحكوميين الكبار والسلطات العليا النافذة والجهات الرقابية  كما يحدث في جمهورية ليليبوتا التي تحدث عنها جوناثان سويفت في روايته الشهيرة ” رحلات جلفر ” . إن من يراجع قوانين جمهورية ليليبوتا يدرك جليا غرابة النظام السياسي القائم وآفاقه المستقبلية وديمومته وصلابته.

أنظمة الحكم الكبرى جزء من التطور التاريخي للمجتمعات فقد يكون ما حفظناه في كتب التاريخ وما عايشناه جزءا لطيفا مما قد يأتي في المستقبل القريب في عصر العلم والتكنولوجيا وموت الروح .

المراجع :

  • Breuning, Loretta Graziano. 2004. Greaseless: How to Thrive without Bribes in Developing Countries. System Integrity Press. ISBN 0974464201
  • Lovell, Stephen, AlenaLedeneva, and Andrei Rogachevskii (eds.). 2001. Bribery and Blat in Russia: Negotiating Reciprocity from the Middle Ages to the 1990s. Palgrave Macmillan. ISBN 031223127X
  • Mitchell, Richard H. 1996. Political Bribery in Japan. University of Hawaii Press. ISBN 0824818199
  • Pieth, Mark, Lucinda A. Low, and Peter J. Cullen (eds.). 2007. The OECD Convention on Bribery: A Commentary. Cambridge University Press. ISBN 9780521868174
  • Wrage, Alexandra Addison. 2007. Bribery and Extortion: Undermining Business, Governments, and Security. Praeger Security International General Interest. ISBN 9780275996499

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!