أُسْطُورةُ الخَضِرٍ .. من اليمن إلى الشامِ.. جدَليةُّ الخلودِ والمُعجزات.. (5)

مجيب الرحمن الوصابي

يقولون: “وَعَلَيْكُمُ السلامُ”؛ حين يُذكَرُ (الخَضِرُ) في بعضِ الشام إيهامًا بأنّه قد حضر، لسماع اسمه؛ فيسلّم! …. وتطوف حول ضريحه المزعوم في “دَرْعا” عاثِـراتُ الحَظِّ في الزواج طالبات النصيب ناشدات:
يا خِضْر جِيتَك زايرة
وأنا بأموري حَايرة
كل البنات تجوزن
وأنا ظلِّيت بايرة

هَذَا التَوَسُّلُ يتكرّرُ بصيَغٍ أُخَـرٍ في بيروتَ وفتياتِها بما يُسمى (أربعاء أيوب) وعيد الخضر الذي ينطلق في الربيع، ومن المؤكَّد بأنّ قُدراتِ الخضرِ المرتبطة بالخصوبة قد صعَّدته آلهة مطلق القدرات!… لا بدّ من دراسة مقارنة بصددها بين الخضِر وآلهات الخِصب والنَّماء عند الأمم القديمة( تمُّوز ابن عشتار– بعل –أتيس….)

“تَمُّوْزُ هذا أتيس
هَذَاْ، وهذا الربيع
يا خبزُنا يا أتيس
أنْبِتْ لنا الحَبَّ وأحيي اليَبَيس”
ديوان السَّيّاب، ص434، المجلد الأول دار العودة

لَمَّا كَانتِ اليمنُ سيِّما أبْيَن تخلو من أضرحة منسوبة للخضِر ومقامات؛ فالشام والعراق تضجُّ بها، إنما هذا مؤشِّر لا يعني اعتقاد الناس هناك بموته.
وَمَوْتُ الخَضِرِ وحياته السّرمديّة محطةُ إشكالٍ كُبرى في تاريخِنا الإسلاميّ وسردياته؛ يضمّنه بعضُ الفقهاء في العقائد لخطورته، لأنهم يعتقدون بأن هذا الإشكال أوْغَلَ بالمسلمين كثيرًا في الخرافات والأساطير.

أَغْلبُ المسلمين حقيقةً: سُنَّةً وشيعةً يؤمنون بخلود الخضِر وكراماته حدّ المعجزات باستثناء الخط الذي يبدو عقلانيًا في السُّنّة ويمثِّله شيخ الإسلام ابن تيمية و تلامذته المتابعين له وأبرزهم ابن قيم الجوزية، والمدرسة السلفية اليوم تتعصَّب له وتنسخ حججه بموت الخضِر، وهذا أيضاً رأي القرضاوي.
أمّا عند الشيعة فالأمر محسوم بخلود الخضِر بل هو (خادم آل البيت) ومُؤْنِس الإمام المنتظر في غيبته، وقاضٍ ٍلحوائجِ المستغيثين بحق أئمتهم؛ متخذين خلوده حُجَّةً لتأكيد حياة إمامهم وطول عمره المغيَّب من مئات السنين … وثمّة روايات شيعية عثرنا عليها تؤكِّد أن (الخضِر) هو علي بن أبي طالب وهو الذي علَّم سيدنا موسى عليه السلام في رحلتهم المثبتة في سورة الكهف!

يُوْشكُ القول بتناسخ روح الخضر هرباً من فناء الأجساد ومحدودية وجودها ، رأيٌ نجده عند بعض السُّنّة فيقولون ” لكلِّ مكان خَضِرُهُ ولكلِّ زمان خَضِر”

في “البيان لما يشغل الأذهان” يؤكِّد الشيخ علي جمعة مفتي مصر
أنّ الخَضِر ما زال حياً إلى اليوم!… والشيخ “جمعة” امتدادٌ لمدرسة أبي حامد الغزالي صاحب “إحياء علوم الدين” الذي احتفل بالخَضِر واجتهد في ترسيخ وجوده وإعلاء بنيان أسطورته، وضمّنه شفراتهم ومفرداتهم.

هذا الشْيخُ عليّ الخواص الصُّوفي الشهير يقول: ليس عالمًا عندنا إلّا مَن كان علمه غير مستفادٍ من نَقْلٍ أو صَدْر، بأن يكون “خَضِريُّ المقام”

ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه “الزّهر النَّضِر في حال الخضِر” أنّ النبي خرج في ليلةٍ ومعه الصحابي أنس بن مالك، وبينما هما يمشيان سمعا صوت رجلٍ يقول::
“”اللهم ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوّقتهم إليه”، فردَّ النبي على صاحب الصوت: “لو أضاف أختها إليه؟”، فردَّ الرجل: “اللهم تعينني بما ينجيني مما خوّفتني منه”، فقال النبي: “وجبَتْ وربّ الكعبة”، وطلب من أنس الذهاب للرجل ويطلب منه أن يدعو له (النبي) بالعون على تبليغ رسالته، وأن تصدّقه أمَّته!
فذهب أنس لمكان الصوت فوجد رجلاً، وأبلغه بما طلب النبي، فسأل الرجلُ أنسَاً عن اسمه، فرفض الردّ عليه، فرفض الرجل أن يدعوَ للنبيِّ، فعاد أنس للنبيِّ وأخبره، فأمره أن يخبر الرجل عن هويته، ففعل ذلك أنس، وحينها قال له الرجل: مرحباً برسول رسول الله، ودعا له، وقال: أقرِئه مني السلام، وقل له: أنا أخوك الخضر، وأنا كنت أحقّ أنْ آتِيَك.
وفي روايةٍ أخرى ردّ الرجل (الخضر) على النبي من خلال أنس وقال: إنّ الله فضّلك على الأنبياء مثلما فضّل به رمضان على الشهور، وفضّل أمَّتك على الأمم مثل ما فضّل يوم الجمعة على سائر الأيام.

وحين توفّي النبي محمد، واجتمع الناس في بيته قُبَيْل دفنه، إذا بصوتٍ ينادي ولا يرى الحاضرون صاحبَه، يُعزِّي الحاضرين ويعظُهم، فارتبك الناس، فطمأنهم عليُّ بن أبي طالب وقال: إنّ الصوت الذي يسمعونه هو صوت “الخَضِر”.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!