الأستاذ الدكتور نضال الأحمد العياصرة وقراءة لرواية أنا مريم للروائية عنان محروس 

 

اسمحوا لي قبل أن أتحدث عن الرواية  أن أتكلم عن الإنسانة الروائية والقاصة الموهوبة  “عنان محروس ” التي أعرف فيها المرأة الحالمة  المحبة للحياة والحرية والطيبة والبساطة  والتي شاركت في العديد من الأمسيات الأدبية التي نظمتها المكتبة الوطنية وإدارة بعضها .
وإذا انتقلنا  من الحديث  عن الروائية  للغوص في عالمها الروائي  ممثلا برواية (أنا مريم )  فلعل أول  ما يستوقف الناظر هو عنوان الرواية  الذي يشكل مفتتحا  تلج من خلاله إلى النص “أنا مريم ”  جملة اسمية  تدل على الثبات ، وأنها  تحكي قصة  كل امرأة  تعيش ظروفا قاسية  تتشابه وظروفها . ظروف سلبتها  الحياة الهادئة  وألقت  بها في غياهب المجهول .

كما يستوقف الناظر أيضا  الغلاف الأزرق الذي يشي بهدوء الكاتبة  وبحثها  عن  السلام الداخلي  والتصالح  مع الذات ، وقد زين بصورة الروائية  برسالة منها إلى النساء  أن يتحلين بالقوة  والثبات والثقة  في مواجههة القاسية في هذه الحياة.
ولا شك أن الإهداء بوصفه عتبة من عتبات النص يحمل مفتتحا تقرأ من خلاله الرواية ، فالإهداء الموجه إلى نساء العالمين  والرجال الطيبين  يناشد النساء أن يبحثن عن العدالة  لا المساواة ، ويحث الرجال على الرفق والوفاء  وكأنها تُلخص في هذا الإهداء  فكرة الرواية ، فحين  يتخلى  كل  عن دوره  تفقد الحياة جمالها  شيئا فشيئا  ويتمكن فيها الظلم ويسيطر الظلام .
إن الرواية تحكي قصة مريم الأنثى الجميلة التي تعيش في وحدة خانقة بعد أن فقدت السند والأهل  بسبب زواجها  من  آدم ذلك الشاب مجهول النسب والذي يصغرها بعدد من السنين ويعتنق ديانة غير ديانتها .
وهي وإن ظنت أنها وجدت المرفأ والسلام  بزواجها من آدم ، ووثقت به وسلمته كل ما تملك كأي امرأة  طيبة النشأة تربت على السمع والطاعة ، بدأت معاناتها بعد دخول زوجها في المصحة  العقلية  بسبب الفصام ، وتراكم ديونها البنكية ، في ظل عدم وجود مصدر للدخل ، وتأمين صحي لتغطية  تكاليف العلاج ، مما أدى إلى وقوعها فريسة لعدد من الذكور الذين وجدوا في انهيارها  وحاجتها فرصة سانجة لسلخها من فضيلتها وإغراقها في جحيم الرذيلة ، وما بين الدين والتقاليد والأعراف  تحطمت مرة بعد مرة ،لتنتهي باكتشاف خيانة زوجها لها  وادعائه المرض العقلي هربا من الديون المتراكمة بالإضافة إلى تكاليف العلاج في المستشفى العقلي الباهظة ووفاتها بعد انجابها لإبنها آدم .
إن الظلم الواقع في الرواية على المرأة لا يقع من الرجل وحده  بل يقع من المرأة أيضا ، فثمة رجال ظلموا النساء مثل آدم  ونساء ظلمن النساء مثل زوجة أبي كاترينا  .
وتتكون رواية “أنا مريم ” من ثلاثة فصول  رئيسية  راوحت فيها  الروائية بين ثلاثة رواة  هم مريم  وسالم وكاترينا  حيث يروي كل منهم جزءا  يمثل فيه حديث ما سبقه ويبث فيه من مشاعره الوجدانية وانطباعاته عن الأحداث.
وكما وظفت الروائية في روايتها العديد من التقنيات  السردية  التقليدية كالحبكة  الرئيسية  والاسترجاع  والوصف والتشخيص فأنها  وظفت كذلك  التقنيات  السردية الحديثة كتعدد الرواة واتباع اسلوب التساؤلات وتوظيف  القصص التاريخية والشعبية، وربط الأحداث الروائية بأحداث  معاصرة مثل التعريج على المشاكل  الاقتصادية والسياسية  ابتداء من الربيع العربي وانتهاء بانتشار فيروس كورونا .
ومن الملاحظ في الرواية اتجاه الروائية إلى توظيف الأسماء توظيفا رمزيا  يحمل في طياته  الفكرة  التي تريد الروائية  ايصالها للمتلقي  أو القارئ فنجد مريم  القديسة  التي تم اتهامها بالخطيئة  وآدم الذي أخرجته معصيته  من الجنة \ن والضواري الثلاث فهد المتصف بصفات الذئب ، وشريف الخائن ، وأمين اللص ، كما نجد هدى الهادية  والناصحة  لصديقتها ، وسلام الذي يمنحها السلام والطمأنينة ، وسالم الذي ساعدها  وأوصلها إلى بر الأمان .
كما نلاحظ أن الرواية تحمل رسالة التسامح الديني  كما يبدو في تعريجها على  صيام مريم الصوم المسيحي  وصوم رمضان ، والصداقة الوثيقة  بين مريم المسيحية  وهدى  المسلمة ، والجمع  ما بين الخطايا ، السبع المميتة في المسيحية  والسبع الموبقات في الاسلام  وهي الخطايا  التي اتصف بها آدم والضواري  ومنها الغرور والجشع والشهوة  والحسد  والشراهة وأكل الربا واستحلال مال اليتيم والفطرة الانسانية  التي تجعله يلجأ  إلى الله فيأحلك  الظروف مثل لجوء  مريم للكنيسة بعد هروبها من المستشفى ودخول كاترينا مدرسة اللاهوت  للهرب من ظلم زوجة أبيها.
وفي نهاية الرواية  نجد أن العدالة  الإلهية والجزاء تحقق فكان الجزاء من جنس العمل  في عقاب فهد وأمين واختفاء أثر آدم  الذي لم يعرف مصيره حيث ولد مجهولا ومات مجهولا ، وتجسدت حياته فيآدم الصغير طفل مريم الذي وضعته كاترينا بعد وفاة أمه بين مسجد وكنيسةليعيش لقيطا مجهول النسب بعد أن ولد يتيما معروف الأبوين

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!