الاتجار بالبشر خبر عادي/ بقلم الشاعرة المصرية فابيولا بدوي

مجلس الأمن وبحث ملف الاتجار بالبشر في ليبيا‏,‏ وقمة الاتحاد الأوروبي الافريقية وسط دعوات أوروبية بضرورة التحرك لوقف هذه البشاعات الإنسانية‏,‏ إلي جانب نداءات من منظمات دولية‏,‏ وسواء حدثت تحركات بالفعل أم أن الشعارات التي رددها قادة أوروبا هي أقل بكثير مما سنتابعه علي أرض الواقع‏,‏ لكننا في كل الحالات لم نر ردود فعل قوية مماثلة من تجمعات عربية لاتخاذ مواقف كبري تجاه ما يحدث في بلد عربي بالمنطقة‏,‏ فيما عدا كلمات المندوبين بمجلس الأمن عند مناقشة الملف‏.‏

إلي أي مدي كل ما تم بثه من مشاهد, وما تابعناه من تفاصيل حول أناس يحتجزون قسرا ويباعون علانية, هو مهم بالنسبة لضمائرنا؟ بل أن الأمر يمكن أن يمتد إلي ما هو أبعد من هذا, لنتساءل ما هي المحددات اليوم التي باتت تحكم رؤيتنا للإنسانية, وتدفعنا للاهتمام والإدانة والرفض, وتشكيل موقف موحد؟

حاصرتنا بيانات المنظمات الدولية تؤكد أن المهاجرين الذين يقعون فريسة المهربين يستخدم أغلبهم كعمالة يومية في البناء والزراعة, ويكرهون علي العمل دون أجر, فيما تتعرض النساء إلي الاغتصاب وتجبر علي العمل بالدعارة, وقد يموت بعضهم بسبب الجوع والمرض, فيما يباع عدد كبير منهم دون رحمة.

يبدو أن هذه الوقائع لا تعنينا كشعوب في هذه المنطقة, وأن الأمر يتوقف لدينا فقط أمام داعش والجماعات الإرهابية الأخري, وصار همنا الأكبر هو متابعة الأحداث التي تتلاحق لمعرفة من هو عدونا الجديد في هذه المنطقة, ولم نعد ننتفض إلا لتأجيج أو لرفض مشاعر الكراهية والتقسيم والطائفية, أما المتاجرة بالبشر فهو أمر عادي أقل من أن يستحق التوقف أمامه؟

بالطبع أسهل الطرق كي ننام مرتاحين أن نحيل الأمر برمته لإدانة هؤلاء الفقراء الفارين من بلاد يغلفها الفساد والفقر لما يتصورون أنه الحلم الأوروبي, بالضبط كما نفعل ونردد حينما نسمع بأعداد من فقدوا حياتهم غرقا في البحر في أثناء محاولات فرارهم إلي الجنة المزعومة.
قد يكون الموت أرحم من التجارة بالإنسانية, وربما يمكننا أن نلقي ببعض المسئولية علي من اختار طريق الموت, ليس طواعية, ولكنه كان يعرف حجم المخاطرة وأنه يمكن ألا يصل أبدا. أما أن يصل إلي بلد بعينه كمحطة لرحيله, فيحتجز ويباع ويشتري فهذا أمر مختلف تماما.

أخشي ما أخشاه أن يكون من بيننا من يحلل هذه التجارة, ويغلفها بفتاوي عجيبة ويصدرها لمن يستمعون إليه باعتبارها شيئا عاديا مثل بقية الفتاوي التي تنهش عقولنا بشكل يومي. هذا الفكر تحديدا هو ما نحذر من تفشيه بيننا, لأنه يغير من نظرة الغالبية للأحداث والوقائع من حولهم.
المسألة تتخطي المكان سواء الذي ينتقل منه هؤلاء المهاجرون أو هذا الذي يحتضن أسواق بيعهم, إلي حالة من التلبد الذهنية والنفسية قد اعترتنا, ولا يجوز أن تمر مرور الكرام, فلها أسبابها ومن المفترض أن نقف عليها بدلا من تجاهلها.

ماذا لو كانت هذه الأسواق في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية, هل كانت ردود فعل غالبيتنا هكذا هادئة غير مبالية, أم كنا سنرصد حالة غليان من العديد من التيارات علي شبكات التواصل الاجتماعي, وكانت بيانات منظمات المجتمع المدني ستنهال علينا؟

باختصار نحن لم نعد نتحرك بشكل مبدئي أو قيمي, بل أصبحنا أساتذة في كيفية استثمار وقائع بعينها بما فيها مصائب الغير وجعلها تصب في صالح غاياتنا لا أكثر ولا أقل.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!