الاستهداف الرقمي الدقيق في الحملات الانتخابية

آفاق حرة 

بقلم محمد عبد الكريم يوسف

لقد قلبت الخدمات عبر الإنترنت عالم الإعلان رأساً على عقب ومكنت المسوقين ، بمن فيهم مسوقي الحملات السياسية ، من تحسين عروضهم لمجموعات معينة من الأشخاص أو المناطق الجغرافية المحددة .

لقد قام كل من غوغل و فيسبوك على وجه الخصوص بضبط شبكاتهما بحيث تسمح بالاستهداف الرقمي الدقيق ، مما يمنح المعلنين القدرة على الوصول إلى شرائح صغيرة من مستخدمي الإنترنت بتكلفة أقل بكثير من جميع مستخدمي النظام المعلوماتي الأساسي.

وبالنسبة للحملات السياسية ، يقول الإستراتيجيون إن الاستهداف الدقيق مفيد في العثور على المؤيدين وفي جمع الأموال والوصول إلى الناخبين الذين يُرجح إقناعهم برسائل محددة.  ومع ذلك ، يقول النقاد إن هذه الحملات ذات التركيز الضيق غالبًا ما تعمل في الظلام مما يتيح انتشار المعلومات المضللة بما في ذلك تلك التي تأتي من الجهات الأجنبية.

 

فيما يلي أربعة أسئلة وأجوبة حول الاستهداف الرقمي  الدقيق :

 

كيف يعمل الاستهداف الرقمي الدقيق ؟

تسمح منصات الخدمة الذاتية التي يديرها فيسبوك و غوغل للمعلنين بالاستهداف بالرسائل بناءً على اهتمامات المستخدمين المعلنة والمعلومات السكانية التفصيلية وسجل التصفح بما في ذلك الصفحات والخدمات التي “يحبونها” عبر هذه المنصات.

وقد تكون الحملات السياسية في الولايات المتحدة ، على سبيل المثال ، قادرة على اختيار الضواحي في ميشيغان أو أريزونا  الذين يحبون دونالد ترامب ، والتي يمكن أن تكون أقل تكلفة بكثير من إرسال رسالة إلى ملايين الأشخاص ، الذين قد لا يهتم معظمهم بأمر الانتخابات .

يقول المحلل الاستراتيجي الرقمي الجمهوري إريك ويلسون: ” يسمح الاستهداف لنا بالتركيز حقًا على الناخبين الذين سيحددون النتيجة بدلاً من إرسال رسالة إلى البلد بأسره . يمكننا أن نعلن للناس في الدائرة السابعة للكونغرس في فيرجينيا على سبيل المثال .”

بالإضافة إلى ذلك ، يمكن للمعلنين استخدام قوائمهم الخاصة – والتي يمكن أن تتكون من قواعد بيانات تسجيل الناخبين أو مصادر عامة أو خاصة أخرى – لمطابقة هويات الأشخاص على الإنترنت وغير المتصلة بالإنترنت لتصميم العروض التقديمية.

أين تكمن المشكلة في كل ذلك ؟ 

الإعلانات التي تستهدف رقميا  ليست فريدة من نوعها على الإنترنت.  فقد قام المسوقون الذين يستخدمون البريد المباشر بجمع البيانات منذ فترة طويلة للعثور على عملاء يتقبلون المنتج تماما كما يفعل المسوقون عبر الهاتف.

ويطرح منتقدو الاستهداف الدقيق عبر الإنترنت بأن الاستهداف غالبًا ما يعتمد على بيانات شخصية للغاية مثل استعلامات البحث و “إبداء الإعجاب” على فيسبوك وتاريخ التصفح وغالبًا مع القليل من الإفشاء عن الأسرار للمستخدمين.

بالإضافة إلى ذلك ، فإن المنصات “تسهل وتحفز المحتوى الأكثر تطرفًا لأنها تسمح للفاعلين السياسيين بالتحدث فقط إلى الأشخاص الذين من المرجح أن يكونوا أكثر تعاطفاً واستجابةً” ، وفق ما يقول دانييل كريس ، الباحث في مركز المعلومات والتكنولوجيا والحياة العامة في جامعة نورث كارولينا.

وتقول كارين كورنبلوه ، مديرة مبادرة الديمقراطية للابتكار الرقمي في صندوق مارشال الألماني :” إن الاستهداف الدقيق يمكن أن يسمح للحملات بالعمل تحت رقابة الرادار طوال الوقت وإذا ظهرت رسائل مختلفة لأشخاص مختلفين ، فإن ذلك يسحب البساط من تحتهم ويفرض عليهم إجراء مناقشة مفتوحة.”

 

لماذا لا يحظر الاستهداف السياسي الصغير ؟ 

لقد حظرت غوغل استخدام الاستهداف الرقمي الدقيق ، مما سمح للمرشحين فقط بتحديد الفئات العامة مثل العمر أو الجنس أو موقع الرمز البريدي.

وحظر تويتر جميع الإعلانات السياسية على منصته ، باستثناء الرسائل غير الانتخابية “القائمة على قضية” ، بحجة أن الاستهداف الرقمي الدقيق يضر بالديمقراطية.

وضغطت هذه الخطوات على فيسبوك ، الذي يفكر في مراجعة سياسة الاستهداف الخاصة به وقد بدأ العام الماضي بإزالة استخدام فئات تشمل اللون والعرق والتوجه الجنسي والدين.

وقد أدان الإستراتيجيون الجمهوريون والديمقراطيون قيود تويتر و غوغل ، محذرين من أنهم سيساعدون شاغلي المناصب ويجعلون الحملات أكثر تكلفة للقادمين الجدد.

تقول كريس ويلسون ، الرئيس التنفيذي لشركة ويبا للذكاء ، والذي عمل طويلا في حملات الجمهوريين ، في مقال نشرته له صحيفة واشنطن بوست :” إن القيود المفروضة على الاستهداف الرقمي الدقيق ستجبر الحملات على العودة إلى الإستراتيجية القديمة المتمثلة في قصف موجات الأثير بإعلانات تلفزيونية باهظة الثمن ومزعجة للجمهور هذه هي الطريقة التي تم بها إدارة الحملات التلفزيونية المكثفة لعقود من الزمن ، وتظهر الأبحاث أنها أدت إلى انخفاض لمدة 20 عامًا في مشاركة الناخبين قبل وجود الاستهداف الرقمي الدقيق.”

وأما لجنة العمل السياسي الديمقراطي فقد وافقت على ذلك ، قائلة إن حظر غوغل للاستهداف الرقمي الدقيق  “يعني أن الحملات الانتخابية لا يمكنها حتى تحميل قوائم مؤيديها الذين رفعوا أيديهم لدعم مرشحيهم في الانتخابات “.

وقالت شركة أكرونيوم في بيان لها إن الحظر يعني أن “غوغل ستجني الكثير من الأموال من الحملات حيث سيتعين علينا إنفاق المزيد من المال للعثور على الجماهير المقصودة والوصول إليها أثناء الحملات الانتخابية “.

ما الذي يمكن فعله أيضًا تجاه لاستهداف الرقمي الدقيق ؟

يدعو بعض المحللين إلى مزيد من الشفافية حول الاستهداف الدقيق بدلاً من حظر هذه الممارسة وهذا التطبيق . وتتابع  كريس قائلة :” إنه يجب أن يُطلب من المنصات السماح بالخطاب المضاد   ضد الرسائل المستهدِفة ، وإعطاء المعارضين السياسيين الفرصة للرد على نفس الجماهير المهاجمة . إن توفير المزيد من الشفافية – ليس فقط للإعلانات ، ولكن للمجموعات المستهدفة ، من شأنه أن يخفف بعض الضرر الذي يصاحب الاستهداف الرقمي الدقيق إن وجود هذه المعلومات في الخارج سيمكن المنظمات الصحفية من محاسبة تلك الحملات “. 

تقول كريس إنه يجب على المنصات المعلوماتية  تخصيص  بعض العوائد والأرباح  لتمويل جهود النزاهة الانتخابية ، وإخراج العنصر التجاري منها  بدلاً من حظر الإعلانات السياسية بأشكالها المختلفة .

يبدو للمراقب عن كثب أن الحملات الانتخابية على المستوى العالمي تفتقد النزاهة وتعاني من شتى أنواع التدخل والتضليل ويلعب المال السياسي دوره الهام في وصول العديد من المرشحين إلى مواقع لا تعكس ثقة الناس بهم . 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!