الانتماء/ الهوية بين الواقع والمفترض ” من أنتم؟/بقلم: منال الشربيني

الهوية أمن قومي، أمن دولة عليا، أمن وطني، السلاح الشعبي الأول، في وجه كل من تسول له نفسه العبث في مقدرات الوطن، ومنها يقف الإعلام، فيما هو مفترض، ليكون درع الوطن الواقي…

وفي عالم، أصابته تكنولوجيا المعلومات في مقتل، حين نجحت في خلق خطاب مغاير، اخترق العادات، والتقاليد، والمتعارف عليه، فأبدله بتقليعات، لم تفلح في أن تكون المعادل الموضوعي للهوية/ التربية الأخلاقية، ففر الانتماء، وتفرقت دماؤه بين الشرق بماله وما عليه، والغرب بما عليه، دونما تفكير، من باب ” التقليد الأعمى”؛ إذ إن الشعوب العربية، اعتادت أن ترى ما عليه، وأخذت عنه كل العباءات التي يرفض هو نفسه ارتدائها، ومن هنا برزت لنا هويات مشوهة، ومبتسرة، تحتاج إلى إعادة تأهيل، وتدوير، في أحايين كثيرة.

وبدلا من أن تعمل الهوية على تعزيز الأمن النفسي للأطفال مثلا، نراها، على النحو الذي برز لمجتمعاتنا من تشظٍ، وجنوح إلى حمل هويات الآخر، تدق بعنف ناقوس الخطر، وهنا يبرز سؤال مهم:” الهوية المصرية، مثلا، إلى أين؟، ولمن نعلِّق الجرس؟”

لقد غابت، بفعل فاعل، عن جهل، أو تعمِّد، أو تعنُّت، عن وجدان ووعي شعبنا الفنون التشكيلية، الفنون الشعبية، الفلكلور الشعبي، واعتمد الكل على الصورة المرئية، في المحمول، واستبدلوا القراءة، وإعمال الخيال بالقوالب الجاهزة، التي دس فيها الآخر، بغض النظر عن هويته، السم في العسل، فأدرج فيما أدرج لعقول أبنائنا، مالا يليق بنا، فسقطت اللغة؛ فصارت الفرانكو، وخرجت العامية المصرية الرائعة، إلى سوق الإيحاءات الجنسية، وبسقوط اللهجة سقط كل شيء، فأصبحنا نرى العري في كل شيء، وافتقر كل جمال إلى الجمال، وتحولت أجيال إلى مسوخ، لا هم إلى الشرق، ولا هم إلى الغرب، فنشأ جيل ثالث، وجنس ثالث، وبعد ثالث، وباتت الهوية/ الانتماء/ العادات/ التقاليد/ العيب/ والحرام، موضة قديمة.

الانتماء هو الهوية، كلما قويت، كلما صارت شوكة في ظهر كل من تخول له نفسه بالمساس باللغة، واللهجة، والعادات، والتقاليد، فقوة أي دولة في قوة انتماء شعبها إلى أرضهم، وتمسكهم بالنسب الروحي الذي يجمع بينهم؛ خلقا، ودينا، وثقافة.

فإذا ما كانت المتاحف، والفنون بأنواعها، والفلكلور الشعبي، والأمثلة الشعبية، وحكايا الجدة من أهم العوامل التي تؤكد على تعزيز الانتماء/ الهوية، فهل لي أن أسأل:” لماذا اختفت كل هذه الأمور عن وعي ووجدان أبنائنا؟.، هل نحن، جميعا، راضون عن ما وصلنا إليه من إنكار لكل ما تركه لنا التاريخ من مجد، محاه كل” من هب ودب”، في كل المجالات، حتى أصبح منا عدد غير قليل، يستمتعون بالتقليل من كل منجز لبلدهم، ويتحدثون عنه بكل سخرية، بل ويصل بهم الأمر ” للشماتة”، إن عبرته الأزمات؟” هل نحن بخير حقًا؟، هل لي أن استعير سؤال القذافي:” من أنتم؟”…

في الواقع، لم أر بعد الإعلام، في بعضه، إلاقليلا، غير الشعب، مذنبا في حق هويته، وانتمائه، وأرضه، لأنه تخلى عن كل مقومات هويته، تشبثا بما صكه له الغرب من مغريات، فانطبق عليه المثل الشعبي:” عمل زي اللي رقصت على السلالم، لا اللي فوق شافوها، ولا اللي تحت عرفوها”

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!