التجنيس الأدبي /الروائي محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة:

_______________

 

 

التجنيس الأدبي

بقلم الروائيّ محمد فتحي المقداد

(صحيفة أخبار اليوم السودانية/زاوية من أول السطر/ بتاريخ ٣/ ٧/ ٢.٢١

(4)

كلُّ لُغة قويَّة بقُرّائها وكُتَّابها، وذلك بمدى قُدرتهم على تطويعها؛ لمتابعة مُقتضيات التطوُّر المُتسارع على كافَّة مُستويات في واقع الحياة البشريَّة. الكُتَّاب والمُفكِّرون هم الفئة المُهتمَّة المُشتغلة بقضايا اللّغة أيًّا كانت. يمتلكون الوقت الذي نَذرُوه للبحث والتأليف، وهم قِلَّةُ قليلةٌ لا تتعدّى نِسبَة تِعدادِهم السَّبعة بالمئة حسب نظريّة “نابِّليون” في الإعلام.

هذه الثُّلة يُشار لها بالبنان، يَحوزُون على احترام الغالبيَّة الاجتماعيَّة التي تسمع ما يقولون، ويقرؤون ما يكتبون، وهم حُرَّاس اللُّغة، وقادة الفكر في مُجتمعاتهم، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعيِّ السَّريعة، وما لها من تأثيرات سريعة وحادَّة، إيجابًا أو سلبًا، وممَّا يُحسب لها في جانبها المضيء، هو نشر الثقافات والمعارف والآداب الإنسانيّةَ، وسهولة تداولها.

بالعودة إلى ساحات الأدب بجميع أجناسه وموادِّه؛ فقد اِسْتقطبَ أعدادًا لا يُستهانُ بها من الشّريحة المُتعلِّمة، والمُهمَّشة وغيرها، التي لم تَنَلْ حظًّا وافرًا من التعليم الأكاديميِّ والجامعيِّ؛ فوجدت أبواب الأدب مُشرَعةً لها، بكلِّ يُسرٍ وسُهولة.

وللتعبير المُناسب برؤيتهم عن أنفسهم، وبرغبةٍ جامحةٍ أجَّجَتْها هوامشُ الحُريَّة الشخصيَّة المُتاحَة بين أيديهم؛ فَفَجَّرَت المشاعر والأحاسيس، والمواهب الجادَّة المكبوتة في دواخلهم؛ لِتُنتج موادًّا أدبيَّةً ملموسة، ممَّا شكَّل حالة واقع راهنٍ، تجاوزت النَّخبة، إلى حدِّ الإطاحة بالأبراج العاجيَّة التي هَنْدَسَها البعضُ لنفسه. والنظر من خلالها للمشهديَّة بنرجسيَّة مُفْرِطَة.

هذا الوضعُ تمخَّض عن ميلاد أدب جديد، يَتَّسم بقِصَر النَّفَس الأدبيِّ؛ فيميلُ للمختصرات المحُبّبة للنُفوس، والتي تنال حظًّا وافرًا بالمُتابعة والقِراءة، بمسافة تبتعد عن الكتابات المُطوّلة المُقتصرة على زبائنها القُرّاء، وحَصْرًا من الهُواة.

النتيجة عن هكذا وضع: ازدهرت فيه بضاعة السُّوق المُقلَّدة، والتي غالبًا ما تُوصَف بأنّها “صينيّة”، ومما يُقابله في سوق الأدب: القصص القصيرة جدًّا (ق.ق.ج)، والقصّة الشّاعرة، والهايكو بنسخته المُعرّبة، والتوقيع، والومضة، والشّذرة، والنثر على اِخْتلاف أنواعه، والقصيدة السَرديَّة، والسَرديَّة التعبيريَّة، وقضيَّة التَجَمُّل تحت مُسمَّى “الموسيقى الداخليَّة”.

هذه القضايا الأدبيَّة في الحقيقة أنّ عُمُرها قصير، تسير بسرعة مُتسارعة؛ لثبيت نفسها على السَّاحة، لكنَّ تخلُّف النَّقد الأكاديميّ عن مُسايرة هذه الظَّاهرة،  وتقنينها، وتقعيدها؛ زاد من شُقَّة الخلافات التي تشهدها السَّاحة على نِطاقات واسعة.

الأمرُ جَدِيٌّ.. لا يحتمل النَّظر إليه على أنّه ظاهرة زائلة. الحقيقة أنّه واقع فرض نفسه. يستحقُّ النّظر إليه؛ لاستيعابه في المنظومة الأدبيَّة المُتجدَّدة.

عمّان – الأردن

3\ 7\ 2021

 

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!