الحقيقة. بقلم د. سلطان الخضور

 

 

لصحيفة آفاق حرة

 

الحقيقة

بقلم. د. سلطان الخضور. الأردن

ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان, وستسأل موج البحر’ وتسأل فيروز الشطآن, وتجوب بحارًا وبحارًا, وتفيض دموعك انهارًا…وستعرف بعد رحيل العمر, بأنك كنت تطارد خيط دخان, فحبيبة قلبك يا ولدي,ليس لها أرض أو وطن أو عنوان ,هذه الكلمات من المقطع الأخير لأغنية كان كتبها نزار قباني وغناها عبدالحليم حافظ ولحنها محمد الموجي سنة 1976.
لا أدري لماذا قفزت إلى ذهني هذه الكلمات عندما فكرت بكتابة مقال تحت عنوان الحقيقة ’فهل الحقيقة كما وصفتها قارئة الفنجان , غائبة ليس لها أرض أو وطن أو عنوان أم هي مغيبة؟ وهل هي مرة حتى تجوب بحارا وبحارا, وتفيض دموعنا أنهارًا, ونعرف بعد رحيل العمر بإننا نطارد خيط دخان؟ أم هي واضحة وضوح الشمس؟
الحقيقة, كما يعرفها المتبحرون, هي ما يدحض بالقول أو بالفعل الكذب أو الخيال أو الشك أوالوهم. فقد تسمع قولًا من شخص ما, ويردده كثيرون على أنه حقيقة وتكتشف أنه مجرد كذب, وقد ترى الكثير من المواقف وتسوّق على أنها الحقيقة وتكتشف أنها مجرد تمثيل قصد منه إخفاء الحقيقة لا إظهارها,وقد تقع أحيانًا في حيرة من أمرك فتقف في المنطقة الرمادية ما بين الحقيقة والشك فتتأرجح بك ألأيام فتجد نفسك متقلبا, حائرًا من السّهل التأثير بك وبقناعاتك وبما لديك من معلومات.
أعتقد أنه ليس من السهل الوقوف على الحقيقة هذه الأيام التي سهل بها مزج الألوان, ولأن أدوات الطمس متوفرة جدًا, وللطمس جند مجندون ليس لهم وظيفة إلا استخدام المساحيق لتجميل الكذب والوهم والخيال.
وأعتقد كذلك على اعتبار أن الوصول للحقيقة أيضًا يحتاج إلى أدوات, أن أهم أداة من أدوات الوصول إليها هي المعرفة, فكيف لنا أن نكشف الزيف دون معرفته أولًا, ودون استخدام حصيلتنا المعرفية والعملية التي تقودنا إلى الحقيقة ثانيًا.
بالعلم والدراسة المستفيضة المبنية على الفرضيات الصحيحة والإستنتاجات المثبتة بالقول والفعل فقط نستطيع الوصول إلى الحقيقة وإصدار الأحكام الصحيحة, وبغير ذلك نشعر حين حضورنا لندوة فكرية مثلا أن الحقيقة لدى كل من نستمع إليهم وليست لدى أحدهم حتى لو كانوا كثر ومتناقضين في أقوالهم.
أما آخر الحقائق التي تمكنت من الوصول إليها أننا في عالمنا العربي مجرد أحجار على رقعة شطرنج, تحركنا أياد تملك أجود أدوات طمس الحقائق, وأن المطبلين كثر, وأن الكذب في عالمنا حباله طويلة, وأن الحقيقة يجب قبولها حتى لو كانت مرّة.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!