الشاعر الشهيد نوح ابراهيم / بقلم سعادة ابو عراق

حياته
الشاعر نوح ابراهيم شاعر شعبي فلسطيني من وادي النسناس في حيفا، ولد عام 19111 من اب فلسطيني كان يعمل موظفا في بلدية حيفا، وأم من كريت اسمها ( زيدة) ، استشهد أبوه وما زال صغيرا، ولم يترك له ولشقيقته الصغيرة( بديعة) ما يقيمون به أودهم، فتربى بدير للراهبات برعاية ( روت سنبل)، ثم بعثت به امه لمدرسة الجمعية الإسلامية الذي كان مديرها العلامة الشيخ كامل القصاب ، ومن اساتذته الشيخ عز الدين القسام ، كما اشترت الجمعية لأمه ماكنة خياطة لتعيل بها نفسها، اكمل عام1929 الصف اسادس، ثم ارسل لدار الأيتام في القدس ليتعلم الطباعة وتجليد الكتب وعمل الصناديق الكرتونية، لم يتزوج، وهناك من قال انه خطب ابنة عز الدين الفسام واستشهد قبل أن يتزوجها
صفاته الشخصية
كان معتدل القامة قمجي اللون اسود العينين تقاطيع وجهه باسمة والوجنتان بارزتان، له هيبة وحضور ، جميل الصوت يلحن ويغني قصائده، وكان ودودا كريما سريع البديهة، يرتجل الشعر في المناسبات الطارئة ، يترك اثرا في نفوس مستمعيه، كما ولديه وعي سياسي استطاع ان ينشره في مجتمعه

عمله
بعد تخرجه عمل في شركة دخان (كرمان – ديك وسلطي ) في طباعةاغلفة باكيتات الدخان، وعمل حتى عام 1934 عاملا فنيا في مطبعة ببغداد ، عندما جاء الأستاذ (راشد الجلاهمة )من البحرين وهو يعد لإصدار اول صحيفة في المنامة لبتعاقد معه للعمل، بعد ان اثنى عليه اصحاب المطابع في بغداد، تحرج بداية لكنه اخيرا وافق، وذهب إلى المنامة، واستقبله مدير المطبعة ( عبد الله الزايد ) وقام بتشغيل الآلات الحديثة وتدريب العمال الفنيين عليها، كما وضع نظاما للعمل في المطبعة ، لكن ما لبثت الثورة الفلسطينية عام 1936 ان نشبت ، فلم يجد مناصا إلا ان يعود للمشاركة بالثورة.
شخصيته القيادية
يبدو انه منذ صغره قياديا، ربما لتأثره باستاده عز الدين القسام، فراح ينظم زملاءة في شركة الدخان، وتوعيتهم بنوايا اليهود، وقد التحق معظمهم بعز الدين القسام محاهدين وثوار، وشكل عام 31 (عصابة محمد) كفرقة كشفية، ولكن حينما استشهد واحد من أعضائها، قامت حكومة الانتداب بالغائها، لكنه اعاد تشكيلها مرات ثلاث بمسميات أخرى آخرها ( عصبة فتيان محمد) إذ كانت تقوم بالتدريب العسكري للفتيان باستعمال العصي، وحفظ الآناشيد الثورية.
اما شخصيته القوية أهلته أن يكون ضمن الوفود الرسمية، والمهمات الصعبة، ولم يزل في الخامسة والعشرين من عمره ، إذ قابل الآمير عبد الله بن الحسين فأهداه عباءة، اعترافا بنبوغه وثقافته، وقابل الملك غازي ملك العراق وتباحثا حول الثورة الفلسطينية ، وأهداه ساعة يد ، كما قابل الملك عبد العزيز آل سعود واهداه حطة وعقالا مقصبا ظل يرتده حتى استشهاده.
استشهاده
استقى الأديب المرحوم نمر ذياب موقعة استشهاده ممن عاصروه وكما يلي
1- ذهب لزيارة اقرابائه في مجد الكروم ومعه رفاق ثلاثة راكبين على خيولهم
2- وغادروها بعد صلاة الجمعة، وصعدوا حبل طمرة وتجنبوا المرور بقرية (كوكب) لأنها كانت مطوقة من قبل الأنكليز،
3- وصلوا قرية شعب ونزلوا في مضافتها وكان لقاء مع القائد (أبو ابراهيم الكبير) ويصفه أحد الشهود انه كان يلبس سترة رمادسة وسروال جوخ رمادي وجزمة سختيان أحمر وحطة سكرية وعقال مقصب يحمل مسدسا وناظورا وكمرة ، ويمتطي فرسا شهباء.
4- ذهب هو ورفاقه صوب شمال ترشيحا حيث لقاء القيادات ، وكان الوقت عصرا، وحين مروا بالقرب من طمرة وجدوا الانكيز ييقيمون تحصينات ، فشاهدوهم وهم يسيرون في واد عميق من أراضي (كايول) ليصعدوا لقرية كوكب أبو الهيجا، فكمن لهم الأنكليزقرب قرية (ضميدة) في موقع (صنيبعة) حيث نزل الفرسان للإستراحة تحت ثنيات شنّة ، وحين هموا بمتابعة المسير فاجأهم الانكليز ودارت بينهم معركة استشهد نوح ابراهيم ورفاقه الثلاثة مساء الجمعة الأول من رمضان 28/ 10 / 1938
5- حمل الإنكليز الشهداء على ظهر جمل لأهالي طمرة، ووضعوهم في مغارة، وراحوا يدخلون عليهم الرجال لكي يتعرفوا على هوياتهم، لكن أهل طمرة انكروا معرفتهم رغم أنهم يعرفونهم، وفي الليل أخذ الانكليز الشهداء وألقوا بهم في بئر ماء.
6- وصلت فرس نوح ابراهيم كوكب ابو الهيجا فعرفوها، وفي الصباح هرعوا يبحثون عن الشهداء فوجدوا أن اهل طمرة قد سبقوهم يتقصي نقاط الدم لكن احد الرعيان الذي اورد اغنامه البئر، وجدوا شلية الغنم ترفض الشرب من المياه، نظر في البئر فوجد رجلا بارزة، ففزع إلى الناس الذين مازالوا يقصون الأثر،فنزل (سَبّيح) واسمه ابو العارف، وانتشلهم واحدا واحدا، وذهبوا بهم إلى طمرة حيث صلوا عليهم ودفنوهم هناك
اصيبت شقيقته بديعة اثر سماعها عن استشهاده بالجنون نقلت على اثرها إلى مستشفى الأمراض العقلية في الكرمل بحيفا لمدة ثلاث سنوات للمعالجة.
أثاره
1 – كان نوح ابراهيم اصغر من ابراهيم طوقان سناً، ولكنه لم يحظ بالتعليم الجامعي كما هو ابراهيم طوقان، فظل شاعرا شعبيا، ولكن تأثيره لم يقل عن تأثير ابراهيم طوقان، لكن الباحثين في الموروث الثقافي الفلسطيني لم يركزوا على جهاده وشعره واستشهاده كما ركزوا على غيره، والشكر كل الشكر لصديقنا الأديب والباحث المرحوم نمر حجاب الذي استطاع ان يستنطق رفاقه ومعارفه واقاربه ليسطر لنا تفاصيل حياته وشعره، في كتاب (الشاعر الشعبي الشهيد نوح ابراهيم) من اصدارات دار اليازوري عام2006 بدعم كامل من شركة أكاديميا الدوائية
2- يذكر نمر حجاب ان صديقا ثريا له اسمه( رشيد حسان) من حيفا، قد طبع له ديوانه على نفقته الخاصة، لكن حكومة الأنتداب صادرته ، لذلك لم يعثر الباحث نمر حجاب على هذا الديوان، وما اورده له من اشعار كان نقلا سماعيا من اصدقائه ومحبيه.
3 – يقول عنه الشاعر الفلسطيني توفيق زياد ( إن اخلاص نوح ابراهيم لشعبه وقضيته أرقى من وعيه الذي كان محدودا بظروفه الموضوعية، وهذا لا يغير شيئا من الحقيقةالأساسية، وهي ان الشاعر نوح ابراهيم كان نموذجا رائعا للشاعر الكادح الثوري الشجاع حتى النهاية، نموذجا رائعا للمقاتل الذي رمى بنفسه في الكفاح المسلح وسقط وسلاحه بيده )
4 – في عام 1984قام المجلس المحلي في بلدة طمرة بإقامة نصب تذكاري له

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!