العلمانية ونشأتها ج1  بقلم  سعادة أبو  عراق

 

العلمانية ، ذاك المصطلح الغامض القابع في اللاشعور لدينا. كفوبيا مخيفة لا ندري مصدرها ، هذه الفوبيا التي تقض مضجع بعض الناس من الإسلاميين، فتثير حميتهم لصون الدين وديار الإسلام من هذا الوباء الذي يهب علينا.
يمكن أن نُرجع هذا التخوف إلى سببين اثنين أولهما عدم وضوح معنى العلمانية عند مؤيديها وعند مناوئيها على السواء، والسبب الثاني هو ما ورثناه من هجاء الأزهريين لكمال أتاتورك حيث قام عنوة بسحب المجتمع التركي من تاريخه الإسلامي، أو سحب الغطاء الإسلامي والهوية الإسلامية عن المجتمع التركي باسم التوجه العلماني، وما ظلت تردده الجماعات الإسلامية منذ العشرينات من القرن الماضي من ندب متواصل تقوم به، ولعن للعلمانية والقومية اللتان كانتا وسيلة أتاتورك لتنفيذ مآربه.
بداية يجب أن نقوم بفهم الدلالة اللغوية لمصطلح (علمانية ) ،فأحدهم يقول عِلمانية بكسر العين, وهي مشتقة من العلم والثانية عَلْمانية بفتح العين وهي مشتقة من العالم وكلا اللفظتين ترجمة لكلمة سيكيولارزم الفرنسية((secularesim))، فالاختلاف ليس في الترجمة الحرفية بل باشتقاقها، فالمصطلح الفرنسي للكلمة. تعني النزعة العلمية، لذلك ترجمت عِلمانية ، أما المصطلح الإنكليزي فهو مشتق من الكلمة اللاتينية(seculum)) )وتعني الفئة الدنيوية المادية أو الزمنية المغايرة للفئة الروحية.
العلمانية بفتح العين وليس بكسرها، ليست فلسفة ولا أيديولوجيا ولا مذهب اجتماعي أو ديني أو سياسي، إنما هي توجه كان لا بد منه للمجتمعات الأوروبية حينما وجدت نفسها مقيدة بسلطات دينية لا تدرك ما يجري من تطورات حدثت بعد سقوط الأندلس وما تلاها من كشوفات أثرت على المجتمع، وأن السلطات البابوية لم تعد لها القدرة على الإمساك بزمام التغيرات الحضارية، وأن الطبقة البرجوازية قد تجاوزت نظام الإقطاع, وخلقت لنفسها من العمال طبقة لها رؤاها وتفكيرها ومصالحها، وكان مرافقا لذلك أيضا ظهور علماء وفلاسفة في أوروبا مثل ديكارت ونيوتن وكوبرنيكس وغاليلو وغيرهم, ما فتح العقول على أشياء جديدة مفيدة جعلهم يعزفون عن معلومات الكنيسة الموروثة.
لم تولد العلمانية مرة واحدة، بل هي على فترات من قرون أربعة، ولم تكن خيارا سهلا، بل كانت ذات كلفة عالية من الألم والتضحيات والصراعات والحروب، والتي كانت في سبيل معالجة قضايا اجتماعية مهمة، كمفهوم الحرية والعبودية والتقدم والتغيير نحو الحياة الأفضل والمساواة بين البشر، والحروب العنصرية والدينية والصراعات السياسية والتكالب الإستعماري على الاستحواذ على أراضي العالم الجديد والقديم، فكان لا بد من استخدام العقل في فض الاشتباكات الفكرية والعقائدية والتمكين للطبقة البرجوازية من تحقيق مآربها وأهدافها، وان ما تملكه الكنيسة لم يعد صالحا لهذه الإشكاليات المستجدة, بالإضافة إلى تجرؤ الأمراء والملوك وتمردهم على سلطة البابا الروحية والاحتماء بالقوميات، وهذه المبادئ ترجمتها الثورة الفرنسية بمبادئها الثلاث؛ عدالة، حرية، ومساواة.
من هنا نرى أن ظهور العلمانية في أوروبا لم يكن لمعاداة الدين أو الكنيسة مقصدا بذاته، إنما هو نوع من تحديد صلاحيات الكنيسة وتحديد صلاحيات السياسيين، بحيث لا يطغى أحدها على الآخر ولا يلغيه، ذلك أن مجال السلطة الدينية هو المجال الروحي الإيماني الذي تقف حدوده عند الدعوة إلى الإيمان، أما السلطة الدنيوية فإنها بحاجة إلى إعمال العقل والتفكير وجعل الحياة ممكنة وممتعة، وهذا يتطلب كفاءات متخصصة في كل مجال، وهذا ما لم تستطع المؤسسة الدينية القيام به، لذلك فإن اعترافها بعجزها عن القيام بالعمل الدنيوي قد اخذ وقتا طويلا حتى استقر الوضع على ما هو عليه الآن.
إذن فإن أحدا لا يملك القرار النافذ كي يذهب بشعب عربي أو شعب مسلم أو أمة إسلامية إلى العلمانية، فالعلمانية هي ضرورة تقتضيها المشكلات الاجتماعية والحضارية والسياسية والتقنية، التي يغدو فيها المنهج العلمي هو المنهج الأقوم في علاج كافة القضايا، ويقوم بالتخطيط والتنفيذ أناس مختصون في مجالاتهم، بالقدر الذي يكون رجال الدين مختصون بالأمور الدينية،
إن الذهاب إلى العلمانية يكون مقبولا حينما تكون العلمانية ثقافة عامة، وتحكم تفكير وسلوك المجتمع، وألية فكرية لحل القضايا الناشبة، ذلك أن أهداف العلمانية هي التالية :
1- إن حق المواطنة هو الأساس في الانتماء بصرف النظر عن الدين والجنس واللون.
2- الحكم يكون بواسطة الدستور، الذي يساوي بين جميع المواطنين ويكفل عقائدهم. فلا قضاء عشائري، ولا عادات وتقاليد تؤخذ حسب القدرة والمزاج.
3- إن المصلحة العامة والخاصة هي هدف التشريع وأساسه .
44- نظام الحكم مدني ، يستمد شرعيته من الدستور، ويسعى لتحقيق العدالة من خلال القانون، ويلتزم بميثاق حقوق الإنسان
__________________________
ملاحظة : كثير من المعلومات في هذا المقال مستمد بتصرف من بحث الكاتب أيمن فايد المنشور بمجلة أدب ونقد عدد 159 لشهر كانون أول لعام 1998

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!