تأفف وتمرد الأبناء على الآباء / بقلم : طه دخل الله عبد الرحمن 

احترام الوالدين، وحسن التعامل معهما، لقضية إنسانية أخلاقية بالدرجة الأولى، تعبّر عن جوهر الإنسان وحقيقته الصافية والصادقة. وللأسف، نشاهد في هذه الأيّام من قبل البعض سلوكيّات لا تمتّ إلى الإنسانيّة وقيم الدّين والأخلاق بصفة، حيث يقوم البعض بسوء معاملة الوالدين لناحية رفع الصّوت فوق صوتهم، وافتعال المشاكل معهم وعدم توقيرهم، ويصل الأمر إلى حدّ رفع اليد عليهم وإهانتهم، أو بأحسن الأحوال هجرانهم لمدّة تطول أو تقصر بحسب الظّروف.
فطر الإنسان على احترام والديه وتقديرهما والعناية بهما، وجاء القرآن الكريم الذي عني بإتمام مكارم الأخلاق ليركِّز على هذه القيم فأمر المسلم بتقدير والديه وطاعتهما، حتى لو كانا غير مسلمين، ونهى عن عقوق الوالدين وأمر ببرهما ووصلهما. لكن المشاهد للواقع المحلي ينفطر قلبه جراء ما يشاهده بعينيه من تفشي مظاهر العقوق في المجتمع بصورة ملحوظة.
يقول “مكارينكو ” :
” لا تعتقدون أبداً انّ تربيتكم لطفلكم تكون فقط عندما تتحدثون معه أو تعلّمونه, أو تأمرونه بشيء معيّن . أنتم تقومون بتربيته في كلّ لحظة من حياتكم , في حضوركم وفي غيابكم , كيف تلبَسون , كيف تتكلمون مع الآخرين وعن الناس الآخرين , كيف تفرحون ,تحزنون , كيف تتعاملون مع أصدقائكم أو أعدائكم , كيف تضحكون , وحتّى كيف تقرأون الجريدة .. كلّ هذه الأمور لها أهمّية كبيرة للطفل ”
غالباً ما يتردّد السؤال ماذا نفعل مع الطفل اذا لم يسمع الكلمة، اذا لم يطع ؟
كلمة لا يطيع تعني أنه ليس للأهل مكانة في عيون أطفالهم.. تعني أنه ليس هناك علاقة صحيحة بين الآباء والأبناء, تعني فقدان الحوار بينهم.
الاحترام والطاعة من أهم الصفات والواجبات التي لا بد أن تفرض على الأبناء تجاه الأبوين، فالأب والأم هما المربيان والمقومان والموجهان لسلوك الأبناء، وطاعتهما واجبة بكافة التشريعات والقوانين، وسواء كان الابن كبيراً أو صغيراً، ذكراً أم أنثى، ومهما كان وضع الأبوين، عاقلين أم مريضين، عاملين أم عاطلين عن العمل، فهذا لا يغير في صفة الأبوة والأمومة أي شيء، لكننا نرى هذه الأيام صورة بعيدة كل البعد عما يجب أن يكون تجاه الأبوين، والحديث عن فئة محددة وليس التعميم، فحين تبدأ موجة من الطلبات التي لا تنتهي، تليها عدم الصبر على الأبوين، ثم تتدرج شيئاً فشيئاً لتصل إلى الصراخ ورفع الصوت على الأبوين، وغير ذلك من الصور غير الأخلاقية التي يتبعها بعض الأبناء تجاه الآباء، واليوم تماشيا مع العصر الذي نعيش به هناك نقاط لا يمكن تجاهلها، أهمها كيف نحترم الأبوين؟ ثم لماذا هذا التمرد على الأهالي؟ وما دور التكنولوجيا في الوصول إلى هذا الحال؟
ان طاعة الأبوين لا تنحصر في مجموعة معينة أو محددة من الامتثال إلى الأوامر، بل هي منظومة من الأخلاق وحسن التعامل التي يجب أن يبديها الأبناء تجاه الأبوين ، فالابن البالغ قادر على استيعاب مشاعر الآباء وتفهمها وتقدير ما يقدمونه ، وتتمثل طاعة الأبوين في تنفيذ الأوامر التي يمليها الأبوين على الأبناء، كذلك عدم رفع الصوت عليهم؛ حتى لو كانوا مخطئين أو متسرعين في قرار معين، ومن طاعة الأبوين احترامهم، سواء في البيت أو في الخارج أمام الآخرين، والافتخار بهم مهما كان وضعهم الصحي أو المادي أو الاجتماعي، فصفة الأب والأم تطلق على كل شخص لديه أبناء غنياً كان أم فقيراً، صغيراً أم كبيراً، مريضاً أم معافى، عاملاً أم عاطلاً عن العمل، وزيراً أو أي مهنة مهما كانت، والطاعة أيضاً تشمل تلبية حاجاتهم ورغباتهم، من مساعدة في أعمال المنزل أو الأعمال الخارجية، كصيانة السيارة والحديقة وشراء الحاجيات وغير ذلك.
لا احد ينكر ما لدور الرفاق من تأثير على بعضهم البعض، فالتقليد الأعمى لرفاق السوء وتصرفاتهم تجاه أبويهم لها دور كبير في تمرد الأبناء؛ فنرى الابن أو الابنة يطلقون عبارات جارحة أو تحمل معاني غامضة للأبوين عند الحديث معهم، كما أن الأبناء يتصرفون تصرفات لا تليق في حضور الأبوين، كالتدخين مثلاً ، كما أن اللهو والرفاهية الزائدة التي يقدمها الآباء للأبناء قد تكون من مسببات عدم الطاعة أو تجاهل الأبناء للآباء، فبنظر الأبناء نحن لدينا كل وسائل الترفيه، وكل طلباتنا مجابة، وبذا نحن لا نحتاج للأبوين متجاهلين في لحظة أن الآباء هم من نفذوا لهم كل تلك الطلبات والرغبات.
وهنا لا بد أن نشير إلى أن تهاون بعض الآباء تجاه الأبناء أو انشغالهم عن تربيتهم بالشكل السليم وتوجيههم إلى طريق الأخلاق، له أيضاً دور كبير في تمرد الأبناء وعدم طاعتهم للأبوين، فأن تكون أباً أو أُماً، لا يعني الانسياق وراء المشاعر والرأفة الزائدة التي قد تفسد أخلاق الأبناء وتجعلهم يقابلونها بالعكس.
ربما ترون في ذلك غرابة فما علاقة التكنولوجيا بطاعة الأبوين أو عدمها؟ في الواقع أن التكنولوجيا دخلت في كل تفاصيل حياتنا، حتى في أخلاقنا وعاداتنا، فبات الأبناء يقضون الساعات في الليل والنهار يحدقون بالأجهزة اللوحية بمختلف أشكالها، ومن هنا بات من الطبيعي أن ينزعج الأبناء من طلبات الأبوين التي تعطلهم عن متابعة الألعاب أو التواصل مع الأصدقاء والجروبات التي يتفاعل معها على مواقع التواصل بشكلٍ عام، فقد يطلب احد الأبوين كأساً من الماء من الأبناء وهم ثلاثة أو اربعة في الغرفة الواحدة دون أن يسمعه احد؛ لانشغالهم بالهواتف والتلفاز والكمبيوتر وما إلى ذلك، حتى ولو تكرر الطلب أكثر من مرة.
في الواقع من أهم ما يجب فعله لإعادة تأهيل الأبناء لطاعة الآباء، ولعل ابرز ما يجب التركيز عليه هو الاعتدال في كل أمر، فلا تغلو في تربية ودلال أبناءكم، نعم، امنحوهم الحرية والمال، لكن لا تجعلوهم من غير رقابة أو حساب وعقاب في حال حدث خطأ، حتى في المنزل، لا بد من الرقابة، ولا نقصد هنا تقييد الأبناء، لكن ليكن هناك وقت للجد ووقت للعب والهزل، وان يكون الانشغال بالأجهزة التكنولوجية بوقت معين وليس كل الوقت، وأن نتعرف على الرفاق من هم وكيف هي أخلاقهم، وكذا اجلسوا معهم وصوبوا أخلاقهم ومفاهيمهم لقيمة الأب والأم في الحياة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!