تحليل استراتيجي..سر المواجهة المرتقبة بين الجيشين المصري والتركي على الأرض الليبية!

آفاق  حرة للثقافة 
بقلم : بكر السباتين 

كيف يكون حصاد النتائج! أليست هذه مقامرة غير محسوبة! فما هي الدوافع إذن. وماذا عن معايير الربح والخسارة فيها!

ليبيا باتت أرضاً يعربد فيها الشيطان الذي أثبت للبشرية أنه من جنسهم والدليل ما يحصل في ليبيا من صراعات كان الخاسر الأعظم فيها الشعب الليبي المستباح.

فتركيا التي يتهمها الخصوم بأنها تسعى لنهب ثروات ليبيا والظفر باتفاقيات بحرية تصب في مصلحتها الاستراتيجية، ناهيك عن استعادة أمجاد العثمانيين على حساب ليبيا دون مراعاة لأسس العلاقات البينية في عالم محكوم للقانون الدولي، تجهز نفسها لمعركة الحسم في مدينة سرت الاستراتيجية، رغم تهديدات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي اعتبر “سرت والجفرة” خطاً أحمراً لا يسمح لتركيا بتجاوزه تحت طائلة التدخل العسكري الشامل، أي أن تدخل الجيش المصري وارد جداً فالرئيس لا ينطق عن الهوى. وهذه مقامرة غير محسوبة من قبل دولة مثقلة بالملفات على نحو أزمة سد النهضة مع أثيوبيا، والجماعات المسلحة في سيناء، ثم أخيراً الملف الليبي ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر في ظل تفشي جائحة كورونا وهي ظروف تتقاطع بدرجات أقل بكثير مع ظروف الموقف التركي وارتداداته في تركيا.. وكان على مصر أن لا تتصرف بناءً على قرارات إرتجالية قد تأخذ الأزمة إلى التصعيد الذي قد يؤدي بالتالي إلى المواجهة العسكرية المباشرة وهو الخيار الأسوأ بالنسبة إليها.. حيث أن من أخطر مخرجات هذه المواجهة المحتملة، الدخول في مرحلة حرب استنزاف مهلكة مع الجماعات الإرهابية، التي من الممكن في أتون أية مواجهة مباشرة التسلل بكل ثقلها لضرب العمق المصري وتعريض مصر للخطر الداهم.. علماً بأن مصر تشكل بيئة حاضنة لمثل هذه الجماعات.. فماذا لو وجدت لنفسها داعماً لوجستياً في الشرق الليبي في أتون التلاحم بين الجيشين المصري والتركي لا قدر الله.. إذا أخذنا بعين الاعتنبار أن هذه الجماعات هي من الأذرع التركية الفاعلة في ليبيا في إطار استراتيجيتها العسكرية! وهذا ما لا نتمناها لبلد نقدر مكانته على صعيد عربي.. وعليه فإن ليبيا أصبحت ملعباً دولياً لتصفية الحسابات القائمة على الأطماع في ثرواتها ومياهها الإقليمية.. وهذا ليس خافياً على أحد.

لقد اختلطت الأوراق الإقليمية في الأزمة الليبية وبدأت تأخذ حدة في المواجهات بعد تراجع قوات حفتر أمام الجيش الليبي ما دفع مصر إلى طرح ما يسمى “إعلان القاهرة لحل الأزمة الليبية”، غير أنه قوبل برفض قاطع من حكومة الوفاق الوطني الليبية ودول أخرى.

التهديدات المصرية لتركيا تفاعلت على الساحة الدولية ما بين محرض على المواجهة أو داعياً إلى خيار المفاوضات بين كل أطراف الأزمة فحصاد الحرب خسارة لا تحتمل من قبل جميع الأطراف.. ولنبدأ بالمواقف التحريضية

إذ جاء من يصب الزيت على النار محرضاً مصر على خوض حرب مدمرة في ليبيا ضد تركيا. إنه التحريض السعودي الإماراتي الذي تجلى بالموقفين الرسمي والإعلامي للبلدين.

وهذا في سياق متصل لا يبعد تل أبيب عن الأزمة لكنها كما يبدو آثرت الصمت مع أنها تلقت في وقت سابق طلباً رسمياً من عبدالسلام البدري، نائب رئيس مجلس الوزراء فيما يسمى حكومة الشرق الموالية للجنرال الليبي خليفة حفتر، وغير المعترف بها دولياً، لتقديم الدعم اللازم لهم، قائلاً وفق ما نقلت عنه صحيفة “ماكور ريشون” المحسوبة على تيار الصهيونية الدينية في دولة الاحتلال، مساء الأربعاء 10 يونيو2020، إنهم لم ولن يكونوا “أعداء أبداً” لتل أبيب.. ولا شك أن مواقف تل أبيب في مثل هذه الظروف كان من وراء ستار كي لا تخلط الأوراق ضد حلفائها في صفقة القرن والذين تجمعهم معها المصالح في ليبيا.. وهذا يتوافق مع هبوط طائرة المساعدات الإماراتية في مطار بن غوريون حيث قيل أنه كان على متنها محمد دحلان بغية تحميل الطائرة في طريق عودتها بالأسلحة الموجهة إلى ليبيا. ورغم ذلك فما تسمى ب”إسرائيل”لا تنتقد موقف أمريكا المؤيد سياسياً لتركيا في ليبيا حيث يدعم دوناند ترامب الأجندة التركية بغية وقف التمدد الروسي شمال أفريقيا والذي يستهدف مصادر الطاقة في ليبيا وهذا يتنافى مع مصالح أمريكا نفسها.. أما فيما يتعلق بالأزمة المتأججة بين مصر وتركيا فقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفق مع ماكرون- خلال اتصال هاتفي بينهما- على الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار في ليبيا، واستئناف المفاوضات بين أطراف النزاع الليبي “بسرعة” وهو موقف لا يحرض مباشرة على الحرب أسوة ببقية دول العالم مع التفاوت في حدة النبرات.

من جهة أخرى قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك -ردا على سؤال بشأن تصريحات السيسي الأخيرة- “إنه من المهم ألا يقوم أي من الأطراف بأي شيء يجعل الموقف أسوأ مما هو عليه حاليا”. وأكد دوجاريك أن “آخر ما تحتاجه ليبيا هو المزيد من القتال والوجود العسكري الأجنبي”. كما أعرب عن قلق الأمم المتحدة إزاء استمرار التحركات العسكرية في وسط ليبيا، ولا سيما نقل الأسلحة من الخارج واستمرار تجنيد المرتزقة.

أما فرنسا التي بدأ الأتراك في سحب البساط من تحت أقدامها فهي ما لبثت تنسق مع الروس لمواجهة المشروع التركي في ليبيا الداعم لوجستياً وعسكرياً وسياسياً لحكومة الوفاق الشرعية.. حيث تصاعدت نبرة الانتقادات الفرنسية للتدخل التركي، واعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون أن أنقرة تمارس “لعبة خطيرة” في ليبيا، في تهديد مباشر للمنطقة وأوروبا.. أما الموقف الألماني فقد جاء أقل حدة داعياً إلى عدم صب الزيت على النار.. وهو ما جاء في تصريحات وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الذي حذر من أي “تصعيد للقتال” في ليبيا. وقال ماس -بعد لقاء مع نظيرة الإيطالي لويجي دي مايو في روما- إن “إعلان السيسي عدم استبعاد رد فعل عسكري من جانب الجيش المصري يهدد النزاع بتصعيد جديد”. مع العلم أن موقف تلك الدول باستثناء أمريكا في الملف الليبي هو داعم لخليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الشرعية وإن انخفضت حدته إزاء المواجة المحتملة بين مصر وتركيا.. إنها لعبة الأمم .

إذن أين تكمن مصلحة كل من الإمارات والسعودية والكيان الإسرائيلي في تحريض السيسي على جر مصر نحو فخّ المواجهة العسكرية.. في تقديري يعود ذلك لسببين:

أولاً:- بغية إضعاف تركيا والتأثير على أردوغان سلبياً في بلاده

ثانياً:- إلحاق الضرر بالجيش المصري الذي يتهيأ لخوض حرب بالوكالة عن حلفائه، وإخراج مصر من ليبيا منكوسة الرأس. ليستحوذا على الكعكة الليبية وخاصة أن الثروات الليبية تقع في الشرق المستهدف من ليبيا بما يعرف ب”الهلال النفطي” وهو عبارة عن حوض نفطي ليبي، يقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط ممتدا على طول 205 كلم من طبرق شرقا إلى السدرة غربا، ويعتبر أغنى مناطق البلاد بالنفط. وثد سيطرت عليه بالكامل قوات “عملية الكرامة” التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر يوم 14 سبتمبر/أيلول 2016.

وفي السياق أية مواجهة محتملة بين مصر وتركيا فحسابات موسكو غير حسابات القاهرة..  علماً بأن روسيا ربما هي الوحيدة في الميدان الليبي التي لها قوات غير رسمية في الشرق الليبي تقف إلى جانب حفتر وقد تدعم أية مواجهات محتملة بين مصر وتركيا سراً من خلال شركة “فاغنر” الأمنية الروسية، حيث ارتفعت أعداد المرتزقة الروس في ليبيا، بحسب تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية من 200 في سبتمبر 2019، إلى ما بين 800 و1400 مرتزق في نهاية ذات العام، بينما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في فبراير الماضي، إن أعدادهم وصلت إلى 2500 مرتزق بليبيا.

وفي السياق ذاته يعتقد خبراء بأن التهديدات المصرية التصعيدية لمواجهة تركيا عسكرياً إذا تجاوزت الأخيرة الخطوط الحمر المصرية في الأرض الليبية قد تكون جادة!

وذلك لثلاثة اعتبارات:

الأول أن ليبيا هي الحديقة الخلفية لمصر وأمنها القومي المصري وخاصة المنطقة الشرقية، لذلك تسعى لأن تبقى هذه المنطقة خالية من الجماعات الإرهابية وفق تصنيفات السيسي (!!!) وخاصة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة التي انتهكت حقوقها في عهد الرئيس السيسي وفق الرؤية التركية.

الثاني أن أردوغان لديه أطماع عثمانية وهو الداعم الأكبر لجماعة الأخوان المسلمين المحظورة في مصر وخاصة إعلامياً، حيث المنصات الإخوانية المناوئة لنظام السيسي الموجودة في تركيا والموجهة ضد نظام السيسي على خلفية ما يصفونه بالانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي الذي تم اغتياله في السجن.

الثالث أن لمصر أطماعاً في ثروات ليبيا المهدورة أسوة بالدول الأخرى المشاركة في الأزمة الليبية، فمن هذا المنطلق تسعى للظفر بنصبيها في كعكة إعمار ليبيا مستقبلاً وهي الغاية التي تجمع كل الخصوم الخارجيين في الأرض الليبية.

إن التصعيد نحو المواجهة عسكرياً بين مصر وتركيا في ليبيا عواقبه وخيمة، ويصيب العقول بالعمى.. وفي الحقيقة على مصر أن لا تقع في الفخ المنصوب لها وأن تتصرف وفق المعطيات والمصالح المصرية الداخلية والتعامل بحذر مع كل الملفات التي تتعلق بأمنها القومي بدءاً من ملف سد النهضة وسيناء وصولاً إلى الملف الليبي، دون الانجرار إلى حرب مفتوحة مع تركيا سيذهب حصادها إلى الحلفاء غير المؤتمنين على مصالحها والذين يدفعونها للقيام بحرب ضروس بالوكالة عنهم.. والنتيجة ستكون وخيمة على طرفي المواجهة.. وبخاصة مصر التي ستغرق في المستنقع الليبي من خلال حرب استنزاف مع الجماعات المتطرفة التي نشرتها تركيا في الغرب الليبي دون أن يكبد ذلك تركيا خسائر كبيرة.

من هنا لا بد من تكوين أجندة مصرية خاصة تتضمن حواراً مفتوحاً مع خصومها في ليبيا بعيداً عن الأجندة الإماراتية والسعودية في مواجهة الأحداث. الحديث مع تركيا في الملف الليبي بات ضرورة وانتهاج ما ذهب إليه الروس الذين بمجرد فشل خطة حفتر في السيطرة على السلطة سارعوا للحديث مع الأتراك مباشرة. من هنا فإن مصر مطالبة بعدم الاستجابة للتحريضات الخارجية الساعية لدفع مصر إلى الهاوية… “شيطان الحرب شاطر”

24 يونو 2020

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!