دُسْتُوْبِيا كانَتْ اسمُها البِلادُ السعِيدةُ!/بقلم: مجيب الرحمن الوصابي(اليمن)

في الماضي كان التناحر على السلطة لا يمس حياة الناس في أمنهم، وخبزهم!! بأسهم بينهم شديد رحماء بالشعب! …اليوم …؟؟

لا أثير شجونًا بحديثي، ولا أنكأ جرحًا بذكري لليمن مقرونة بعام 1984، و لكن الحنين للماضي من (طبع البشر) لذا ليس بدعًا أن يطلق عليه مسمى (الزمن الجميل) مقارنة بالوضع المهين الكارثي الذي تعيشه البلاد.
بل أردت بهذا العنوان إسقاطًا أدبيًا روائيًا لواقع مأزوم؛ حيث يسابق خيال العباقرة الزمن، ويتخيلون أمورًا مرعبة صارت حقائق،

ونحن في اليمن نعيش هذه الحقائق، وإن اختلفت المسميات، رواية لجورج أورويل يسميها: (1984)؛ تتشابه إلى حد كبير مع واقعنا في ذلك التقويم، بل وتزداد -اليوم-جحيما (دستوبيا)* لن يصدقه (أورويل) ولن يخطر في فكره و مخيلته!! اليمن (دستوبيا) آخر الزمان!
المدهش -حقًا- أننا نحلم بعودة تلكم الأيام، سلام الله على عفاش، ورجال المكتب السياسي للحزب الإشتراكي، وكل الحركات والانقلابات البيضاء، والحمراء؛ فقد كان كيدهم بينهم، وبالكاد تمتد صرعاتهم لتؤرق الناس، أو تهدد مصالحهم كأحداث (الجبهة الوطنية ) في المناطق الوسطى، أو مذبحة يناير1986 الدموية!!
ومهما يكن، فقد كانت الصراعات على السلطة بهدف التسلط سريعة، وحاسمة، أو ربما امتدت بضعة اشهر مثل حرب صيف 1994 الممزقة للوحدة ! … إنما تعود -بعدها- الأوضاع كما كانت، وتنتظم الحياة، وتقلع الطائرات، وتعقد المحاكم، وتسلم المرتبات.
يقول الناصري عيسى محمد سيف، قائد الانقلاب على (علي عبدالله صالح) في أكتوبر 1978 حيث دفع حياته :
” نحن نضحي بأرواحنا من أجل الشعب، وليس الشعب من يضحي بأرواحه من أجلنا “. كان مشهد إعدامه ورفاقه مهيبًا وجليلًا شامخًا كما يقول (البردوني) :
” اليوم الشعب يضحي من أجل القادة البررة!! ”

كانوا يتناحرون بعيدًا عن الشعب، ويعبثون ببعض الرصاص، ويُسدل الستار عن المشهد، لكن لماذا الصراع -اليوم- على السلطة أخذ يطحن الناس، ويمد يده إلى خبزهم وأمنهم؟!

هل كان الجيل الأول من المتسلطين، أو الساسة أكثر رحمة، ومروءة من هؤلاء القوم؟ أم هل تشربت الجماهير الأفكار والعقائد السلطوية!!! فقد لاحظ المفكرون أن الأفكار تتحول الى قوة مادية عندما تتشربها الجماهير؟؟

بالعودة إلى رواية (1984) لأورويل فهي من أشهر الروايات العالمية الاستشرافية التي صودرت في عديد من الدول التي رأت أن الرواية ترمز لنظامها الشمولي الدكتاتوري، حيث القمع، والاستبداد، والتجويع.

كُتبت الرواية عام (1948) لتتنبأ بما هو حاصل في اليمن في عام 2022 .
في رواية (1984) ينقسم العالم إلى ثلاث دول، و بعد مؤتمر( طهران) الآن اليمن مُقسم إلى ثلاث دويلات !!! كم هي مدهشة تفاصيل الرواية، و كم هو عجيب و غريب تماهيها مع حال اليمن إلى درجة التطابق!!!!!
في رواية (1984) ثمة (الأخ الأكبر) التي تملأ صوره الجدران، و لوحات الشوارع، وعندنا إخوة كبار، و وسائل إعلام مهمتها قلب الحقائق، وجهات تستميت في تجويع الشعب، وقهره، وسجون ممتلئة بالمعارضين !

من تداخل دلالات رواية ( ١٩٨٤) مع واقع دستوبيا اليمن سندرك ألا أحد يسعى جاهدًا في الوصول للسلطة ليمسك بزمامها سيتخلى عنها، إن السلطة غاية في ذاتها.
إن الهدف من الاضطهاد هو الاضطهاد نفسه، والهدف من التعذيب هو التعذيب، وهذه هي اليمن (1984) دستوبيا آخر الزمان!! …

*دستوبيا:
المدينة الفاسدة أو ديستوبيا أو عالم الواقع المرير (بالإنجليزية: Dystopia)‏ هو مجتمع خيالي، فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه بطريقة ما. وهو عكس أدب المدينة الفاضلة، وقد تعني الديستوبيا مجتمع غير فاضل تسوده الفوضىٰ، فهو عالم وهمي ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب، والقتل، والقمع، والفقر، والمرض…
باختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته، و يتحوّل فيه المجتمع إلى مجموعة من المسوخ تنحر بعضها …

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!