في زمن الاضطراب تسود الأفكار العشوائية/بقلم الشاعرة المصرية فابيولا بدوي

 

 

في أوقات الارتباك فقط تزدهر الأفكار المشوشة‏,‏ فهل تظللنا هذه الأوقات بينما نظن أننا نعاني حاليا كي نسير خطوات للأمام حتي وإن كانت بطيئة في طريق طويل؟

لو لم نكن في حالة ارتباك فما معني أن يشكو مجلس النواب المواطنين ـ بصرف النظر عن حيثيتهم أو ماهيتهم؟ ممثلو الشعب يقدمون بلاغات في أبناء الشعب, هل حدث هذا من قبل في مصر أو في أي بلد مدني آخر؟ الصراع مع الصحافة والإعلام هل هو من سمات البلدان الساعية للتنمية وترسيخ الديمقراطية ودعائم المجتمعات؟

حتي أعتي الكارهين للصحافة, رئيس الولايات المتحدة السابع أندرو جاكسون, والذي لم يخف يوما مشاعره تجاهها, أعلن أنه علي الرغم من قدرة الصحافة علي عرقلة مشاريعه وقراراته ودأبها علي نشر الأكاذيب عنه, إلا أنه لو خير بين حكومة من دون صحافة, وصحافة من دون حكومة, لاختار الثانية من دون شك. لكن يبدو أن برلماننا قد قرر اختيار الأولي مع سبق الإصرار والترصد.

ومن الغريب أن لغة التعالي من غالبية النواب والتجاوز في الألفاظ من قبل بعضهم والغضب والانفعال السريع, كلها أشياء عادية ولا يجب التوقف أمامها مادامت لم تسجل أو تم حذفها من المضبطة, وكأن علاقتنا هي مع المضبطة وليس مع النواب المنتخبين.

أما نشر النقد حتي اللاذع منه فهو الوحيد المثير للتعليق واتخاذ المواقف ضده. بالفعل هذا وقت مرتبك جدا بدليل تداخل المفاهيم والمعايير والعبارات ومحاولات إلباس الباطل ثوب الحق وتغليف الاستهانة بالآخرين بأغلفة متعددة بحسب الضرورة والوقائع والأشخاص.

أفكارنا لم تعد مشوشة فقط بل تمس هيبة الدولة وشعبها ومن يحاول أن يقودها لبر الأمان. وإلا فما معني مصطلح الهدم الذي يشهر سيفه في وجوه كل من ينطق برأي أو ينشر خبرا أو حتي يشذ عن القاعدة ويتقدم بمشروع إصلاح لمؤسسة بعينها في مجلس النواب. هل أكثر من تسعين مليون نسمة ترغب في هدم الدولة اللهم إلا الصامت والبائس واليائس والذي يتآمر عليها بالفعل؟

الإعلام والصحافة ومفردات المجتمع المدني بدءا من الأحزاب نهاية بأصغر منظمة ونواب الشعب الذين لا يتجاوز عددهم ربما المائة جميعهم راغبون في هدم الدولة والأزهر والمؤسسات الراسخة, ما هذه الدولة التي يقوضها خبر أو مقالة أو رأي, وما هذه المؤسسة التي يتجاوز عمرها الألف عام التي يهدمها مجرد مشروع قرار يمكن أن يمر وغالبا لن يحظي بغالبية الأصوات لأسباب متباينة؟ هل دولتنا بكل ما تحمله من عراقة لم يعد يبنيها أو يحبها سوي هؤلاء الذين يتبارون في تكميم الأفواه ورمي كل مخالف في الرأي بالعمالة والخيانة؟ في أقصي لحظات هذا البلد وقت نكسة1967 كان هناك المؤيد والمعارض واليمين واليساري والإخوان المسلمون بكل شماتتهم فينا وفي هزيمتنا لأن الوطن لديهم لا وجود له, ولم تهدم الدولة بل لملمت نفسها وانتصر جيشها منذ اللحظة الأولي لحرب الاستنزاف حتي أكتوبر1973

هذه النغمة البائسة والعصبية الزائدة والهجوم المفتعل وتصفية الحسابات ورفض طرح أي مناقشة أو جدال أو رأي هو ما سيهدم هذا المجتمع. أما الدول الكبري فتحيا علي تعددية الآراء وتنوعها وتحتمل الاختلاف الذي يصل إلي حد السخرية المبالغ فيها تجاه النخب السياسية وصولا للقصر الرئاسي, ولم نسمع أن بريطانيا ولا فرنسا ولا حتي أمريكا التعسة بترامب قد هدمت أو قوضت أو اتهم المخالف فيها بالخيانة, كما لم نسمع أن نواب الشعب يعقدون جلسات عامة لأخذ الأصوات لتقديم بلاغ في أبناء الشعب

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!