قبس من نور {…فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ…} / بقلم د.أحمد شديفات

بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
{…فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ…}

آية غريبة عجيبة تشد الانتباه{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ}الدخان29 معروف أن البكاء علامة حزن وتنفيس عن هموم أو ألم ووجع ويختلف نبرة بكاء الصغير عن الكبير والرجل عن المرأة…وقد يبكي الإنسان فرحا أو ترحا أو تصنعا أو استهزاء…
أما أن تمتنع السماء والأرض عن البكاء عن أناس مخصوصين بالذات فهذا أمر لا يدركه ولا يحيط به عقل عاقل إلا من خلال متابعة آيات القرآن والأيمان،ولا يكون ذلك إلا لأمر هام وملفت للأذهان وفي المقابل وزيادة بيان أن البكاء قد يكون رحمة على فقدان بعض البشر، أو الامتناع عن البكاء أو إظهار الحزن وعدم المبالاة لموت بعض البشر الدَشَّرَ…
رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُرَّ عليه بجِنَازَةٍ،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فَقالَ: مُسْتَرِيحٌ ومُسْتَرَاحٌ منه،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما المُسْتَرِيحُ والمُسْتَرَاحُ منه؟؟؟؟؟؟؟
قالَ: العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِن نَصَبِ الدُّنْيَا وأَذَاهَا إلى رَحْمَةِ اللَّهِ،
والعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ منه العِبَادُ والبِلَادُ، والشَّجَرُ والدَّوَابُّ}صحيح البخاري 6512 إذن لا بواكي على الفاجر، فلو استعرضت تناسق الآيات فيما سبق هذه الآية من آيات الدخان، لأيقنت نزول القرآن أنه {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}هود(1)،
فتجد بداية سورة الدخان تكلمت عن نزول القرآن{حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ}منذرين من؟ منذرين المشركين بالذات على موقفهم العدائي وتعنتهم من التوحيد…قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ‏} الأنبياء:25
ثم تتابع الآيات وتذكر المشركين حال من سبقهم من المعرضين وتسميهم باسم فرعون وقومه {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ***
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}
فرفضوا الانْصِياعُ لِلْحَقِّ وكأنهما تواصوا بالباطل، فجاءت النتيجة مؤسفة لهم…….
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ…}هل من المعقول أن تبكي السماء والأرض على المجرمين، طبعا لا وهذا ما يوافق العقل والدين فالإحسان جزاؤه الإحسان، والنكران والكفران والعصيان جزاؤه النسيان لهذا الإنسان والسؤال الذي يطرح نفسه{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}القلم(35 }، فيأتي الجواب كلا ورب السماء والأرض; لا مساواة بين هؤلاء وهؤلاء في الثواب والبكاء عند كافة العقلاء لقول الحق جل جلاله {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}القلم(36)
فمن حكم بالتساوي بينهما فحكمه جائر ظالم باطل، بعد هذا كله أدركنا بكاء السماء إذا شبهنا المطر بالدموع المنهمرة رحمة وشفقة وطهارة ونقاوة….
ومنه نفهم دعاء رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للميت”…وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ..}
ثم ننتقل إلى كيفية بكاء الأرض، فكما بينا أن البكاء يتنوع من أسف ولوعة ولهفة ووجدان… قال الله تعالى:-
{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا***وهم هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك.
حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ***أي ضاقت الأرض عليهم رغم اِتَّسَعَها.
وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ}}التوبة118 وضاقت عليه نفسه مما اعْتَرَاهُ مِنَ الهَمِّ مَا ضَاقَ بِهِ صَدْرُهُ.
فالقرآن إذن هو البيان في هذا المجال في توضيح تلك المعلومة، فقد قال العلماء أن القرآن يفسر بعضه البعض…فإذا كانت الأرض على رحابتها وسعتها والأنفس ضاقت بما حل بها إذن ألم بها أمر ليس بسهل وهذه آثاره…
فتصور هذا الضيق على الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك،،،
فكيف بالله عليك بغير المؤمن الذي يتخلف عن كل أوامر الله ماذا يحل به؟؟؟؟؟؟!!!!!،
من الذين تخلفوا كعب بن مالك قَالَ:- تَغَيَّرُوا لَنَا-أي الناس- حَتَّى تَنَكَّرت لِي في نَفْسي الأَرْضُ، فَمَا هيَ بالأَرْضِ الَّتي أَعْرِفُ} جفاء وتنكر يشعر به حتى الإنسان،
وَرُوِيَ عَنْ أَسِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , أَنَّهُ قَالَ :-
بَلَغَنِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ فَحُمِلَ…
قَالَ أَسْرِعُوا بِي ، فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ كَلَّمَتْهُ الْأَرْضُ…
وَقَالَتْ إِنِّي كُنْتُ أُحِبُّكَ وَأَنْتَ عَلَى ظَهْرِي ، فَأَنْتَ الْآنَ أَحَبُّ إِلَيَّ ،
وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ فَحُمِلَ ،
قَالَ : ارْجِعُوا بِي ، فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ كَلَّمَتْهُ الْأَرْضُ ،
فَقَالَتْ:- إِنِّي كُنْتُ أَبْغُضُكَ وَأَنْتَ عَلَى ظَهْرِي فَأَنْتَ الْآنَ أَبْغَضُ إِلَيَّ }}
والأرض تفتقد الصالحين من أهلها ففي الأثر عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ{… إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخَلَائِقِ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ بَابٌ في السَّمَاءِ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ وَيَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ بَكَى عَلَيْهِ بَابُهُ مِنَ السَّمَاءِ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَيَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، وَإِذَا فَقْدَهُ مَقْعَدَهُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَيُذْكُرُ اللهَ فِيهَا بَكَتْ عَلَيْهِ…}}
إذن الإنسان له ارتباط وصلة وثيقة مع الكون الذي يحيط به بإذن الله وتقديره…فأحسنوا صحبة الكون من السماء والأرض….
روى الإمام أحمد (17803) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:{… فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلاّ قَالُوا مَا هَذَه الرُّوحُ الطَّيِّبُة فَيَقُولُونَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ، قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ … )

عن نوار الشاطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!